ألكسندر هاملتون الثائر الذي دعا إلى عتق العبيد كان نفسه مستعبِداً

بحث جديد يكشف امتلاكه وشراءه وبيعه للرقيق

TT

ألكسندر هاملتون الثائر الذي دعا إلى عتق العبيد كان نفسه مستعبِداً

ظل السؤال قائماً في حدود صعود ألكسندر هاملتون للثقافة الشعبية: هل كان الأب المؤسس للولايات المتحدة الأميركية الذي وُضِعت صورته على الورقة النقدية فئة العشرة دولارات، والذي لاقى مديحاً كبيراً في العرض الموسيقي «هاملتون» باعتباره «ثائراً يدعو إلى عتق العبيد»، هو نفسه يمتلك العبيد؟
على مر السنين، تناول بعض كتاب السيَر المسألة بحذر شديدٍ، وغالباً ما كانت في الهوامش أو في المراجع العابرة. لكن ورقة بحثية جديدة نشرها موقع Schuyler Mansion State» Historic Site» في نيويورك، عرض القضية بصورة تُعدّ الأكثر إثارة حتى الآن.
حملت الورقة البحثية عنوان «شيء كريه ولا أخلاقي»: التاريخ الخفي لألكسندر هاملتون كمستعبد للرقيق، تفحصت جيسي سيرفيليبي، مترجمة وكاتبة في «قصر شيلر»، رسائل ومذكرات شخصية ووثائق أخرى ومن ثم بنت استنتاجها بشأن تلك الشخصية التاريخية لتدحض كل ما تداوله معجبوه، وتؤكد أن كل ما قيل لم يكن سوى أمنيات تخالف الواقع بشكل فج.
كتبت سيرفيليني تقول: «لم يقتصر الأمر على استعباد ألكسندر هاملتون الناس فحسب، بل إن مشاركته في مؤسسة العبودية كانت ضرورية لهويته، على الصعيدين الشخصي والمهني»، مضيفة: «من الضروري أن تنتهي أسطورة هاملتون باعتباره الأب المؤسس الذي ألغى العبودية».
الأدلة التي استشهد بها البحث والتي نُشرت بهدوء على الإنترنت الشهر الماضي ليست جديدة تماماً. لكن قضية سيرفيليبي القوية لفتت انتباه المؤرخين، لا سيما أولئك الذين تساءلوا عما يرون أن أوراق اعتماده ضد العبودية كان مبالغاً فيها.
وفي السياق نفسه، وصفت أنيت جوردون ريد، أستاذة التاريخ والقانون في جامعة هارفارد ومؤلفة كتاب «The Hemingses of Monticello» البحث بأنه «رائع» وأن الحجة منطقية وأن «البحث يظهر أن الآباء المؤسسين كانوا متورطين في العبودية بطريقة ما».
وقالت جوان فريمان، أستاذة التاريخ في جامعة ييل ومحررة مجلة «مكتبة أميركا»، إن الدليل التفصيلي لا يزال بحاجة إلى تقييم كامل، لكنها جادلت بأن البحث كان جزءاً من إعادة نظر مرحَّب بها لما وصفته بسرد «البطل هاميلتون».
وكتبت في رسالة بالبريد الإلكتروني تقول: «من المناسب أن نفكر في وضع هاملتون باعتباره مستعبِداً في وقت يتعين على الأميركيين البيض التفكير بجدية (أكررها بجدية) في الموروثات المهمة للعبودية في أميركا». وقالت إن بحث سيرفيليبي «يعقِّد قصة هاميتلون ويعكس بشكل أوضح التأثير المهم للعبودية ودورها في تأسيس أميركا. كما أنه يعكس بشكل أكثر دقة هاميلتون نفسه».
لكن رون تشيرنو، الذي وُصِفت سيرته الذاتية في عام 2004 هاملتون بأنه «مؤيد قوي لإلغاء العبودية»، قال إن الورقة قدمت وجهة نظر سلبية غير متوازنة. وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني إن البحث «بدا كأنه عمل بحثي رائع يعزز إحساسناً بتورُّط هاملتون في تأصيل العبودية بعدة أساليب». لكنه قال إنه يشعر بالفزع من النقص النسبي في الاهتمام بأنشطة هاملتون المناهضة للعبودية. وتساءل عما سماها أحياناً «استنتاجات جوفاء»، بدءاً من الادعاء بأن العبودية كانت «أساسية لهويته».
واستطرد تشيرنو قائلاً: «لا ألوم جيسي سيرفيليبي على تفحصها الصارم لهاملتون وللعبودية. فالشخصيات العظيمة في تاريخنا تستحق مثل هذه الصرامة. لكنها تتجاهل جميع المعلومات التي قد تتعارض مع استنتاجاتها».
تزوج هاملتون من عائلة شويلر ذات النفوذ القوي في عام 1780، حين كانت العبودية شائعة بين الصفوة في ولاية نيويورك. وكان شويلرز من أكبر مالكي العبيد في منطقتهم، حيث جرى استعباد أكثر من 40 شخصاً في قصر ألباني وفي غيرها على مر السنين.
في السنوات الأخيرة، أجرى القصر بحثاً مكثفاً حول «الخدم» (كما يُشار عادة إلى العبيد في الأسرة). وقالت سيرفيليبي إن كون عائلة شويلر كانوا مستعبدين أمر لا يصدم الزوار بالضرورة، لكن مدى ارتباط هاملتون بالعبودية قصة مختلفة. واستطردت: «هناك بعض الأشخاص الذين يأتون إلى هنا وهم يعلمون أنه لم يكن بالضبط مؤيداً لإلغاء الرق. لكن عندما أتحدث عن تفاصيل البحث حتماً تظهر المفاجأة».
وفي الإطار ذاته، قال ترافيس بومان، كبير أمناء «مكتب نيويورك للمواقع التاريخية» الذي أشرف على المراجعة الداخلية لبحث سيرفيليبي، إن النقص النسبي في البحث حول الأشخاص المستعبدين في منزل هاملتون يعكس جزئياً الندرة الكلية للمنح الدراسية المخصصة للعبودية في الشمال. كما أن تعقيدات الإلغاء التدريجي (قانون الإلغاء التدريجي للرق في نيويورك عام 1799 الذي سار على مراحل واستمر لعقود) تجعل تعقب الأشخاص المستعبدين وتحديد وضعهم بوضوح أمراً بالغ الصعوبة.
وأضاف بومان: «إنها فترة غريبة للغاية. كان كثير من الناس يمنحون غيرهم نصف الحرية، وإذا ابتعد العبيد، فإنهم لا يلاحقونهم».
تعود فكرة أن هاملتون كان بعيداً عن المؤسسة إلى أول سيرة ذاتية له أعدَّها ابنه جون تشرش هاملتون الذي أكد في عام 1841 أن والده «لم يمتلك عبداً واحداً في حياته».
لكن هذا الادعاء واجه دحضاً قاطعاً من قبل حفيد هاميلتون، آلان ماكلين هاميلتون. ففي سيرته الذاتية التي كتبت عام 1910، وصف الحفيد الادعاء بأنه «غير صحيح»، مشيراً إلى أن دفاتر حساب هاملتون الخاصة تضمنت أرقاماً تظهر أنه كان يشتري العبيد لنفسه وللآخرين.
لكن فكرة هاملتون المناهضة للعبودية صمدت وأصبحت أكثر وضوحاً في العقود الأخيرة. وبدت بالتأكيد صورة تروق للقراء المعاصرين الباحثين عن أب مؤسس غير ملوث نسبياً بالعبودية.
في ورقتها البحثية، تتحدى سيرفيليبي ما تشير إلى أنه أساطير مستمرة، بدءاً من الادعاء المكرر بأنه تعرض في طفولته لوحشية العبودية في «سانت كروا»، وهو ما وصفه تشيرنو في سيرته الذاتية «كراهيته المتأصلة للرق». وكتبت تقول: «حتى الآن، لم يُعثر على مصادر أولية تدعم» فكرة أن طفولة هاملتون غرست فيه كراهية متأصلة للعبودية.
انتقد هاملتون العبودية في مراحل مختلفة من حياته، وبالمقارنة بمعظم المعاصرين البيض، فإنه كان صاحب آراء مستنيرة حول قدرات السود. كان أيضاً من أوائل الأعضاء في جمعية «العتق من العبودية» في نيويورك التي تأسست عام 1785، للدعوة إلى الإلغاء التدريجي للعبودية وتشجيع التحرير الطوعي للرقيق (كان عدد من الأعضاء، بمن فيهم فيليب شويلر، والد زوجته، من مالكي العبيد).
أشارت سيرفيليبي كذلك إلى حالات موثقة بشأن تشاور هاملتون مع عملاء قانونيين بشأن القضايا المتعلقة بالرق، إذ لم يكن من المفترض أن يجري التعاقد مع هاميلتون لمثل هذا العمل، كما تجادل «إذا كان معروفاً بين أقرانه أنه يميل إلى إلغاء العبودية».
ولاحظ كتاب السيرة الذاتية أن هاملتون ساعد العملاء القانونيين وأفراد الأسرة، بما في ذلك أخت زوجته أنجليكا شويلر، في شراء وبيع العبيد، لكن يظل سؤال ما إذا كان لهاملتون عبيد داخل بيته سؤالاً غامضاً.
تلاحظ سيرفيليبي أن بعض كُتّاب السير المعاصرين يعالجون ذلك السؤال، ولو لفترة وجيزة، إذ كتب تشيرنو في سيرته الذاتية أن هاميلتون وزوجته إليزابيث «ربما امتلكا عبداً أو اثنين»، مستشهداً بـ«ثلاث تلميحات في بحثه. لكن سيرفيليني قدمت قراءة أكثر تحديداً حين أشارت إلى مجموعة من المصادر الأولية التي «تثبت أن هاملتون اشترى عبيداً لنفسه».
تستند قضيتها في جانب كبير منها إلى الملاحظات الموجودة في مذكراته النقدية وفي الرسائل العائلية. على سبيل المثال، في مايو (أيار) 1781، بعد ستة أشهر من زواجه من إليزابيث، كتب هاملتون رسالة إلى جورج كلينتون، مشيراً إلى انتظاره لمبلغ من المال «لدفع قيمة السيدة إتش (أميلتون) للسيدة كلينتون».
وكتبت سيرفيليبي، أن بعض المؤرخين قرأوا هذا على أنه دفع مقابل قيمة عملها. لكنها تجادل بأن هاميلتون كان «يدفع الأموال مقابل شراء المرأة نفسها». كما استشهدت بعدد من المراجع المماثلة في رسائل أخرى، وأكدت رأيها من خلال المعلومات الواردة في الكتابات النقدية. على سبيل المثال، في رسالة في أغسطس (آب) 1795، أرسلها إلى هاميلتون، أشار فيليب شويلر إلى «صبي وامرأة زنجيين من أجلك». وفي آذار (مارس) 1796، سجلت دفاتر هاملتون النقدية دفعة قدرها 250 دولاراً لشويلر مقابل «اثنين من الخدم الزنوج الذين اشتراهم من أجلي».
تستشهد سيرفيليبي أيضاً بعدة رسائل كتبها فيليب شويلر تشير إلى سفر «الخادمات» مع إليزابيث وأطفال هاميلتون في وقت كانت الكتب النقدية لهاميلتون، كما تقول، لا تُظهر أي سجل لأجور الخادمات، وهو مؤشر، كما تقول، على استعبادهم.
في إدخال آخر في دفتر الحسابات، بدءاً من يونيو (حزيران) 1798، سجل هاملتون تلقيه 100 دولار مقابل «صبي زنجي». وكتبت سيرفيليبي أن قيام هاملتون بتأجيره لشخص آخر (وهي ممارسة شائعة) «تشير بشكل قاطع إلى أن هاملتون استعبد الصبي».
وتؤكد سيرفيليبي أن عائلة هاميلتون تبدو أنها استعبدت الناس حتى وفاته، وتشير إلى قطعة من الورق في نهاية دفتر النقدية تعرض جرداً لممتلكات هاملتون على ما يبدو بعد وفاته، وكان ذلك في يوليو (تموز) 1804. ذكرت كلمات أثاث وكتب (300 جنيه)، و«خدم» تقدر قيمتهم بـ400 جنيه.
لم يتضمن جرد هاملتون، الذي قام به قبل وقت قصير من وفاته، أي إشارة إلى الخدم. لكن سيرفيليبي تعتقد أن قائمة جرد ما بعد الوفاة التي وُضعت لتسوية شؤونه، من المرجح أن تكون دقيقة، مشيرة إلى أن «هاملتون كانوا مَدينين. ومن المنطقي تضمين كل شيء في حوزتهم».
يبقى أن نرى ما إذا كانت الاستنتاجات الثابتة للسيدة سيرفيليبي ستقبل على نطاق واسع من قبل الباحثين. بالنسبة لها، الأهم ليس كيف ننظر إلى هاملتون، إذ إننا «عندما نقول إنه لم يستعبد الناس، فإننا نحذف هؤلاء الناس من القصة. أهم شيء أن نعترف أنهم كانوا هنا. نحن بحاجة إلى الاعتراف بهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

يوميات الشرق زاهي حواس (حسابه على فيسبوك)

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

أكد الدكتور زاهي حواس، أن رفض مصر مسلسل «كليوباترا» الذي أذاعته «نتفليكس» هو تصنيفه عملاً «وثائقي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

وجد علماء الأنثروبولوجيا التطورية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا طريقة للتحقق بأمان من القطع الأثرية القديمة بحثًا عن الحمض النووي البيئي دون تدميرها، وطبقوها على قطعة عُثر عليها في كهف دينيسوفا الشهير بروسيا عام 2019. وبخلاف شظايا كروموسوماتها، لم يتم الكشف عن أي أثر للمرأة نفسها، على الرغم من أن الجينات التي امتصتها القلادة مع عرقها وخلايا جلدها أدت بالخبراء إلى الاعتقاد بأنها تنتمي إلى مجموعة قديمة من أفراد شمال أوراسيا من العصر الحجري القديم. ويفتح هذا الاكتشاف المذهل فكرة أن القطع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المصنوعة من الأسنان والعظام هي مصادر غير مستغلة للمواد الوراثية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي. أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

لا تزال مدينة مروي الأثرية، شمال السودان، تحتل واجهة الأحداث وشاشات التلفزة وأجهزة البث المرئي والمسموع والمكتوب، منذ قرابة الأسبوع، بسبب استيلاء قوات «الدعم السريع» على مطارها والقاعد الجوية الموجودة هناك، وبسبب ما شهدته المنطقة الوادعة من عمليات قتالية مستمرة، يتصدر مشهدها اليوم طرف، ليستعيده الطرف الثاني في اليوم الذي يليه. وتُعد مروي التي يجري فيها الصراع، إحدى أهم المناطق الأثرية في البلاد، ويرجع تاريخها إلى «مملكة كوش» وعاصمتها الجنوبية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الخرطوم، وتقع فيها أهم المواقع الأثرية للحضارة المروية، مثل البجراوية، والنقعة والمصورات،

أحمد يونس (الخرطوم)
يوميات الشرق علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

اتهم علماء آثار مصريون صناع الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» الذي من المقرر عرضه على شبكة «نتفليكس» في شهر مايو (أيار) المقبل، بـ«تزييف التاريخ»، «وإهانة الحضارة المصرية القديمة»، واستنكروا الإصرار على إظهار بطلة المسلسل التي تجسد قصة حياة كليوباترا، بملامح أفريقية، بينما تنحدر الملكة من جذور بطلمية ذات ملامح شقراء وبشرة بيضاء. وقال عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس لـ«الشرق الأوسط»، إن «محاولة تصوير ملامح كليوباترا على أنها ملكة من أفريقيا، تزييف لتاريخ مصر القديمة، لأنها بطلمية»، واتهم حركة «أفروسنتريك» أو «المركزية الأفريقية» بالوقوف وراء العمل. وطالب باتخاذ إجراءات مصرية للرد على هذا

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».