20 عاماً من الإنجازات الباهرة للمحطّة الفضائية الدولية

رائد الفضاء الأميركي ستيفن روبنسون يرتكز على ذراع «كندآرم 2» الروبوتية في المحطة الفضائية الدولية عام 2005
رائد الفضاء الأميركي ستيفن روبنسون يرتكز على ذراع «كندآرم 2» الروبوتية في المحطة الفضائية الدولية عام 2005
TT

20 عاماً من الإنجازات الباهرة للمحطّة الفضائية الدولية

رائد الفضاء الأميركي ستيفن روبنسون يرتكز على ذراع «كندآرم 2» الروبوتية في المحطة الفضائية الدولية عام 2005
رائد الفضاء الأميركي ستيفن روبنسون يرتكز على ذراع «كندآرم 2» الروبوتية في المحطة الفضائية الدولية عام 2005

عاش ليروي تشاو بطريقة ما على المحطّة الفضائية الدولية قبل تشغيلها، إذ وفي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2000 كان تشاو واحداً من سبعة روّاد فضاء على متن «ديسكافري»، المكّوك الفضائي الذي حمل أجزاءً من المحطّة الفضائية الوليدة إلى المدار. كان بناءُ هذه المحطّة قد بدأ قبل بضع سنوات ولكنّ أحداً لم يكن يعيش على متنها.
أتّمت البعثة التي كان تشاو يشارك فيها معظم أعمالها خلال مسيرات فضائية خارج المحطّة، لكنّ الروّاد كانوا يرونها من الداخل لفترات مختصرة. يستعيد تشاو ذكرياته من هذه البعثة ويقول: «كانت رائحة المكان تشبه رائحة السيارات الجديدة». في ذلك الوقت، كان البناء شبه محطّة، حيث إن القسم القابل للسكن منها كان يتألّف من ثلاث وحدات وليس 16 كما هو الحال اليوم، ولكنّها كانت جاهزة لاستقبال البشر.
في 20 أكتوبر، غادر المكوك «ديسكافري» عائدا إلى الأرض. وبعد 11 يوماً، أقلع ثلاثة روّاد فضاء آخرين هم ويليام شيفرد من وكالة «ناسا»، وروسيان هما سيرغي كريكاليف ويوري غيدزينكو على متن صاروخ «سويوز» الروسي من قاعدة «بايكونور» الفضائية في كازاخستان.
وفي الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 2000، التحم «سويوز» بالمحطّة وبدأ الرواد الثلاثة إقامتهم التي دامت أربعة أشهر ونصف الشهر في المدار. ومنذ ذلك الوقت، أصبح البشر يعيشون خارج كوكب الأرض.
يصادف يوم الاثنين الذكرى العشرين لبداية الإشغال المستمرّ للمحطّة الفضائية الدولية. اعتبر المشروع في ذلك الوقت بمثابة تعاون فضائي بين الولايات المتحدة وروسيا بعد الحرب الباردة، رغم أنّ كثيرين اعتبروا أنّ تكلفتها (ما يفوق 100 مليار دولار) جعلتها مثالاً على المشاريع الحكومية الهائلة غير الفعالة.
ولكنّ المحطّة الفضائية الدولية تحوّلت في العقد المنصرم وبشكل غير متوقّع إلى مركزٍ للرأسمالية النشطة في الفضاء مع بروز احتمال مساهمتها في التأسيس لصناعات جديدة وتحفيز عدد أكبر من البشر على التوجّه إلى المدار.
لم تتوصّل الأبحاث التي أجريت في المحطّة الفضائية الدولية بعد لإيجاد علاجات لأمراض السرطان وترقّق العظام، ولم تتح للبشر تحقيق اختراقات تقنية ستغيّر الحياة على الأرض. ولكنّها في المقابل منحت «ناسا» وغيرها من الوكالات الفضائية المعرفة والتجربة في مجال بناء الآلات في الفضاء وقدّمت فكرة عن تأثير الجاذبية الصغرى على الجسم البشري.
يصف سكوت كيلي، أحد أبرز قاطني المحطّة الفضائية الدولية الذي أمضى عاماً كاملاً في المدار بعد وصوله في مارس (آذار) 2015، تجربته قائلاً إنّ «الموضوع برمّته يمثّل تجربة لما إذا كان البشر يستطيعون العيش لفترات طويلة من الوقت والعمل في هذه البيئة المليئة بالتحديات بأمان، مع التمكّن أخيراً من النجاح».
وكانت روسيا، التي تملك خبرة طويلة ومهمّة في تشغيل برنامجي مركبتي «ساليوت» و«مير» الفضائيتين في المدار، قد تحولت في سبتمبر (أيلول) 1993 إلى شريك، وانضمّت أيضاً الدول الأعضاء في وكالة الفضاء الأوروبية بالإضافة إلى كندا واليابان إلى المحطّة الفضائية الدولية.
ويعتبر جيفري مانبر، الرئيس التنفيذي لشركة «نانوراكس» التي تعمل في نقل الشحنات التجارية إلى المحطّة أنّ «المحطّة الفضائية الدولية قامت من رماد الحرب الباردة».
انطلقت «زاريا»، الوحدة الأولى من المحطّة التي بنتها روسيا وموّلتها «ناسا»، في نوفمبر من عام 1998 وبعد بضعة أسابيع، حمل مكّوك «إنديفور» أولى القطع الأميركية للبناء «يونيتي» التي وصلت القسمين الروسي والآخر التابع لـ«ناسا» في المحطّة. وبعدها، انطلقت الوحدة الروسية «زفيزدا» في يوليو (تموز) من عام 2000.
وكانت المحطّة تتألّف من هذه القطع فقط عندما استقرّ فيها شيفرد وكريكاليف وجيدزينكو. وفي حديثٍ له عن تجربته آنذاك، قال شيفرد: «طوال الرحلة، لم نشهد يوماً عادياً واحداً». لم يبدأ المشوار البشري الذي أتمّ عشرين عاماً في الفضاء بشكل عظيم.
وأضاف شيفرد، عضو سابق في قوة العمليات الخاصة الابتدائية للبحرية الأميركية وقائد الطاقم الأوّل إلى المحطّة: «لقد عانينا من الضيق في الأسبوعين أو الثلاثة الأوائل لأنّ افتتاح المحطّة كان يجب أن يتمّ بشكل تدريجي. في البداية، لم يكن بإمكاننا تشغيل كلّ شيء والتجوّل أينما نريد». بدأ الروّاد في ذلك الوقت بتركيب أنظمة كأجهزة غسل الغاز لمنع ثاني أكسيد الكربون من التراكم، وترتيب الحمولات المخزّنة والمكوِّنات التي تحملها المكوكات الفضائية، بالإضافة إلى ترتيب الأشياء المعرّضة للكسر وحتّى إجراء بعض التجارب. وعلى عكس اليوم، كانت الاتصالات بين المحطّة ومركزي التحكّم في هيوستن وموسكو سيئة وتتعرّض للانقطاع الدائم وكان روّاد الفضاء ينقطعون أحياناً عن الاتصال مع البشر على الأرض لساعات. مع حلول وقت عودة الروّاد الثلاثة إلى الأرض في مارس 2001 قال شيفرد إنّ «الظروف على المحطّة الفضائية الدولية كانت جيّدة جداً. لقد كنّا مرتاحين».
احتاج استكمال بناء المحطة الفضائية الدولية إلى عقد آخر من الزمن بسبب سنتين من التوقّف بعد توقف المكوكات الفضائية بعد خسارة مكوك كولومبيا عام 2003.
قال بافيل فينوغرادوف، رائد فضاء روسي وصل إلى المحطّة عام 2016 وكانت وقتها الأخيرة تعمل مع طاقم يضمّ رائدين يعيشان ما وصفه «وضع التعايش» إن «جميع الكوارث التي حلّت بالمكّوك كانت تعني بالنسبة لنا جميعاً، روسا وأميركيين، أننا أمام فترة طويلة من الاكتفاء بالإبقاء على صمود المحطّة».
ولكن عندما اتخذ القرار بإطلاق المركبات من جديد، استُؤنفت عمليات التقدّم بالبناء. وقال مايكل تي. سافريديني، الذي عمل كمدير برنامج ناسا في المحطّة لمدّة عشر سنوات امتدّت من 2005 إلى 2015: «بالعودة إلى التجربة آنذاك، أقول لكم إنّها كانت أفضل بكثير مما كنّا نأمل».
تخيّلوا بناء قطع كبيرة من آلات يجب أن تتشابك مع بعضها البعض ولكن دون وجود فرصة لتجربة ما إذا كانت فعلاً مناسبة للتشابك مع بعضها قبل إطلاقها إلى المدار. في ذلك الوقت، تداخلت وحدات المركبة الفضائية الدولية، التي تأتي كلّ واحدة منها بحجم حافلة مدرسية مبنية في مصانع تبعد آلاف الكيلومترات عن مكان تجميعها، دون أي مشاكل أو عقبات. اعتبر سافريديني هذا التداخل بمثابة إنجازٍ مذهل، وقال: «حتّى اليوم، تعتبر هذه المحطّة المركبة الفضائية الطائرة الأكبر حجماً والأكثر تعقيداً». ولكنّ هذا الأمر لا يعني أنّ الأمور سارت دائماً دون مشاكل. فقد شهدت المحطّة تحطّم أجهزة كومبيوتر وفشل أنظمة تبريد وتسرّبات مفاجئة وتحطّم حمّامات. وفي 2007 كادت مأساة رهيبة أن تؤدّي إلى تحطّم المحطّة.
في ذلك العام، كان روّاد الفضاء يحاولون نشر شبكة شمسية بطول 112 قدما ولكنّها تمزّقت. وصف سافريديني الحادثة بالشديدة الخطورة لأنّ بديل الشبكة لم يكن متوفّراً. كان الحلُّ في ذلك الوقت واحداً وهو التخلّص من الشبكة المتضرّرة، ولكن عدم وجود بديل صالح يعني أنّ المحطّة ستعيش محرومة من الطاقة لسنوات.
عندها، ارتجل المهندسون حلاً يقضي بصيانة التمزّق بشكل يتيح للوح التمدّد بالكامل. استخدم المهندسون مواد متوفرة على المحطّة وصنعوا ما يُعرف بـ«أزرار الأكمام» من أسلاك طويلة تتصل بعروات من طرفيها. تمّ تركيب هذه الأسلاك خلال مسيرة فضائية مدّتها سبع ساعات قام بها رائد ناسا سكوت بارازينسكي.
بفضل الرحلات الثلاث التي قامت بها إلى المحطّة الفضائية الدولية، سجّلت الرائدة بيغي وايتسون أطول وقت أمضاه رائد فضاء أميركي في الفضاء، أي 665 يوماً. في ذلك الوقت، شهدت وايتسون تطوّر المحطّة من موقع بناء إلى المختبر العلمي الأوّل في المدار ويستطيع روّاد الفضاء فيه إمضاء المزيد من الوقت في إجراء التجارب العلمية. من المزمع أن تبقى المحطّة الفضائية الدولية في المدار حتّى عام 2024، ويعمل سافريديني اليوم على تطبيق ما تعلّمه فيها على المحطّات الفضائية التجارية، حيث إنه يشغل منصب الرئيس والرئيس التنفيذي لشركة «آكسيوم سبيس» في هيوستن، والتي اختارتها ناسا في يناير (كانون الثاني) الفائت لبناء وحدة تجارية تُضاف إلى المحطّة الفضائية الدولية.
بعد إحالة المحطّة الحالية إلى التقاعد، ستتحوّل وحدة «آكسيوم» التي يتمّ تطويرها حالياً إلى نواة لمحطّة «آكسيوم» الفضائية. وقال سافريديني: «تعتمد فكرة تأسيس شركتنا بكاملها على هذا المشروع الذي يمكننا تطويره بتكلفة أقلّ بكثير».
بدورها، تعمل شركة «نانوراكس» التي يملكها مانبر على تطوير فكرة لمحطّة فضائية تجارية جديدة يشغّلها روبوتات في معظم الوقت، ما سيجعلها أقلّ تكلفة. ومن المقرّر أن تكون هذه المحطّة متاحة للتجارب العلمية والصناعات الفضائية الخطرة غير الممكنة في وجود البشر، ولكنّها ستكون مفتوحة للزيارات البشرية القصيرة.
- خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».