من الواضح أن هناك قلقاً بالغاً يسود أوروبا في الوقت الحالي. فبعد أسابيع من عودة أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد المسبب لمرض «كوفيد - 19» للارتفاع في جميع أنحاء القارة، سارع قادة مختلف الدول إلى إعادة النظر في السياسات الحالية لمواجهة الفيروس.
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أمس (السبت)، أن البلاد ستدخل إغلاقاً عاماً اعتباراً من يوم الخميس المقبل، في إطار الجهود المبذولة للحد من زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا.
وسيتم إغلاق المتاجر التي تعد غير أساسية، بالإضافة إلى أماكن الترفيه والتسلية، حتى شهر ديسمبر (كانون الأول)، وكذلك الحانات والمطاعم، التي لا يمكنها تقديم سوى خدمات الوجبات السريعة والتوصيل. وستبقى المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى مفتوحة.
كما أعلن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مؤخراً عن إجراءات أكثر صرامة لمكافحة تفشي فيروس كورونا. وقال: «لا يمكننا إضاعة الوقت: فنحن بحاجة إلى التحرك من خلال تطبيق كل الإجراءات الضرورية لمنع فرض إغلاق عام».
وفي الأسبوع الماضي، اتفقت الحكومة الفيدرالية الألمانية والولايات على إجراءات أكثر صرامة منذ الربيع الماضي، حيث من المقرر إغلاق المطاعم ودور السينما والمسارح طوال الشهر الحالي اعتباراً من غد (الاثنين). وخلال هذه الفترة يتم السماح بلقاءات خاصة بين الأشخاص في إطار أعداد قليلة فحسب. ومن المقرر أن تظل تجارة التجزئة مفتوحة.
وشهدت الدول الأوروبية، بما في ذلك الدول السوفياتية السابقة الواقعة في آسيا الوسطى، ارتفاع عدد حالات الإصابة بمرض «كوفيد - 19» إلى أكثر من 8 ملايين حالة إجمالاً في الأيام السبعة الماضية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وارتفع عدد الوفيات جراء الإصابة بمرض «كوفيد - 19» إلى أكثر من 250 ألفاً في أوروبا، لكن منحنى الوفيات ليس مرتفعاً مثل معدل الإصابة، نظراً لأن المرضى من الأشخاص الأصغر سناً، ولأن المستشفيات حسنت من طرق علاجها، مقارنةً بأول ذروة في أبريل (نيسان) الماضي.
وحول الأعداد الضخمة من الإصابات في بلجيكا، قال وزير الصحة فرانك فاندنبروك لمحطة «آر تي إل إنفو»: «نحن في الحقيقة قريبون جداً من حدوث تسونامي»، في إشارة إلى موجات المد العالية التي تضرب سواحل الدول مثلما حدث في إندونيسيا عامي 2004 و2018 واليابان عام 2011، مخلفاً أعداداً هائلة من القتلى والجرحى ودماراً شديداً.
وأمرت الحكومة البلجيكية بإغلاق جميع الحانات والمقاهي والمطاعم وفرضت حظر تجول ليلياً، وجعلت العمل من المنزل إلزامياً، حيثما يكون ذلك ممكناً.
ويعارض قطاع الضيافة البلجيكي الإجراءات الجديدة. وشهدت دول أوروبية أخرى مظاهرات ضد فرض إجراءات جديدة. ففي براغ، أصيب 25 من رجال الشرطة في عطلة نهاية الأسبوع، عندما احتج المئات من مشجعي كرة القدم وهوكي الجليد على القيود المفروضة على الفعاليات الرياضية.
وقالت آنا أودوني، وهي متخصصة إيطالية في مجال الصحة العامة، لوكالة الأنباء الألمانية: «تلك الإجراءات المرنة وإدارتها تعد أكثر صعوبة من فرض إغلاق عام».
وأضافت الأستاذة بجامعة بافيا أنه بدلاً من إغلاق بلد بأكمله لفترة من الوقت، يتعين على صانعي السياسات الآن تحديد القطاعات التي يجب فرض قيود صارمة عليها لمنع تفشي العدوى، وكذا تحديد مدة سريان هذه القيود.
ولا يروق لخبراء الصحة العامة سماع السياسيين وهم يتحدثون عن الموجات الثانية أو تسونامي، كما لو أنه لا يمكن السيطرة على الجائحة.
وتابعت أودوني: «كل واحد منا عليه دور نشط لحماية أنفسنا والمجتمع عموماً»، مشيرة إلى تنظيف الأيدي وارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الجسدي.
من جهة أخرى، تحذر منظمة الصحة العالمية من أن فرض قيود جديدة والتعاون من الجمهور أمور لا تكفي إذا كانت أوروبا تريد حقاً تسوية المنحنى.
وقال مايك رايان، رئيس إدارة عمليات الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية، في مؤتمر صحافي في جنيف مساء الاثنين، إنه على النقيض من أوروبا، شهد العديد من الدول الآسيوية أعداداً أقل بكثير من الإصابات.
ولم تركز الدول الآسيوية على عزل الأشخاص الذين كانوا مخالطين لمرضى «كوفيد - 19» فحسب، بل إنها ركزت أيضاً على توفير السكن والطعام لهم خلال خضوعهم للحجر الصحي.
وإضافة إلى ذلك، استمرت الدول الآسيوية في زيادة قدرات اختبار الكشف عن الفيروسات وقدرات المستشفيات، حتى بعد أن بدأت أعداد الحالات في الانحسار.
وقال ريان: «لقد اجتازوا خط النهاية واستمروا في الركض».
وسوف يتعين على أوروبا أيضاً مواصلة العمل، حيث تتوقع منظمة الصحة العالمية أن مسألة التحقق من لقاح واحد أو أكثر والموافقة على الصلاحية للاستخدام قد تستغرق حتى منتصف العام المقبل.
وحتى حلول ذلك الوقت، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل سيكون لدى المنطقة قوة اقتصادية كافية لمواصلة دعم القطاعات التي تعاني جراء تداعيات تفشي فيروس كورونا، مثل قطاع الضيافة؟
وقال الخبير الاقتصادي البلجيكي أندريه سابير لوكالة «د ب أ»، إن الحكومات يمكن أن تصل إلى نقطة تسأل نفسها فيها ما القطاعات التي تستحق البقاء لمواصلة أنشطتها، مع مراعاة التحولات نحو التسوق عبر الإنترنت والرقمنة التي بدأت حتى قبل تفشي الجائحة.
وحتى في ظل مساعدات الحكومية، «هل يمكن التأكد من أن هذا القطاع أو الشركة ستظل موجودة في غضون نصف عام؟»، حسبما تساءل الباحث في مركز بروجيل للأبحاث في بروكسل.
وبينما تسعى الحكومات إلى تجنب عمليات إغلاق جديدة تصيب بلادها بالشلل، قالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إن الإجراءات الصحية المستهدفة الحالية لها أيضاً تأثير سلبي.
وقالت في تصريحات لصحيفة «لوموند» الفرنسية يوم الاثنين الماضي: «الموجة الثانية من الوباء في أوروبا، وفرنسا بشكل خاص، والقيود الجديدة الناتجة عنها تزيد من حالة الغموض وتؤثر على التعافي».
وأضافت أن الجائحة قد تؤدي إلى فقدان الوظائف على المدى الطويل. متابعة: «إن فقدان الوظائف يشكل خطراً على النسيج الاجتماعي ودخل الأسرة والطلب والنمو».
مع ذلك، أعربت لاغارد عن استعداد البنك المركزي الأوروبي لتقديم مزيد من الحوافز الاقتصادية، مضيفة: «إذا كان يتعين فعل المزيد، فسوف نفعل المزيد».
في ظل تداعيات الإغلاق... أوروبا تسعى لتحقيق توازن بين الصحة والاقتصاد
في ظل تداعيات الإغلاق... أوروبا تسعى لتحقيق توازن بين الصحة والاقتصاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة