رحيل محمد المليحي أحد رواد الحركة التشكيلية في المغرب

اشتهر بـ«موجاته»... ونزوعه نحو «التجريد»

محمد المليحي مع إحدى لوحاته
محمد المليحي مع إحدى لوحاته
TT

رحيل محمد المليحي أحد رواد الحركة التشكيلية في المغرب

محمد المليحي مع إحدى لوحاته
محمد المليحي مع إحدى لوحاته

بوفاة محمد المليحي، مساء الأربعاء، في أحد مستشفيات باريس، عن عمر ناهز 84 عاما، متأثرا بإصابته بفيروس (كورونا)، يكون الفن التشكيلي المغربي قد فقد قامة فنية كبيرة، وواحدا من رواد الممارسة التشكيلية، الذين ساهموا بنصيب وافر في إثراء الممارسة التشكيلية بإبداعات متميزة.
وأجمعت مختلف ردود الفعل، من المغرب وخارجه، على الإشادة بتجربة وخصال الرجل، مشددين على أن رحيل المليحي «محزن»، يخفف من وطأته أن هذا الفنان الكبير «باق في أعماله».
ونعَت وزارة الثقافة والشباب والرياضة الفنان الراحل المليحي، فقالت إنه يعد «من الرعيل الأول للفن التشكيلي بالمغرب»، و«من أهم رواد الفن التشكيلي المعاصر في أفريقيا وفي العالم العربي». فيما وصفت نقابة الفنانين التشكيليين المحترفين الفنان الراحل بـ«رائد الحركة التشكيلية المغربية»؛ بينما أشار اتحاد كتاب المغرب إلى «الرحيل المفاجئ للفنان التشكيلي المغربي والعالمي الكبير»، الذي حظيت أعماله بـ«تقدير عالمي»، و«تصدر بعضها المبيعات في كبريات المعارض العالمية»، مشددا على أنه «برحيل الفنان الفقيد، يكون فن التشكيل بالمغرب والعالم، قد فقد أحد رواده الكبار، فيما ستظل أعماله وإنجازاته الرائدة خالدة في ذاكرة الفن التشكيلي العالمي».
ويُعد المليحي، الذي ولد في مدينة أصيلة سنة 1936. من أبرز خريجي مدرسة الفنون الجميلة بتطوان، الذين يحسب لهم أنهم دشنوا الخطوات الأولى لمسار التجربة التشكيلية الحديثة في المغرب، وذلك بعد جيل الفنانين الفطريين الأوائل؛ حيث ساهم، مع عدد من كبار الحركة التشكيلية المغربية، كمحمد شبعة وفريد بلكاهية ومحمد حميدي، وآخرين، في «القيام بثورة تشكيلية فنية تربوية بالمغرب»، تقوم على «اعتبار الفن عنصراً مهما في حياة الإنسان»، لذلك عملوا على تقديم مشروع بـ«رؤية جديدة للفن والثقافة والمجتمع». وكان المليحي قد حرص سنة 1953. بعد تخرجه من مدرسة الفنون الجميلة بتطوان، على السفر إلى الخارج، لصقل مواهبه وإغناء تجربته الفنية، بداية من إسبانيا ثم إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة التي سيقضي بها سنتين، ما بين 1963 و1964. وهي الفترة التي كانت كافية، حسب الناقد والفنان التشكيلي عزيز أزغاي، لكي يبلور المليحي أسلوبه الفني الخاص، الذي «يتميز بمنحى هندسي تجريدي. أسلوب وظفه، ولا يزال، في تعاطيه مع خياراته الموضوعاتية، وتحديداً في مساءلة تيمة الجسد في بعده الإيروسي، دونما إسفاف أو ابتذال».
ومقارنة مع أبناء جيله والأجيال التي جاءت من بعده، يضيف أزغاي، «يكاد المليحي ينفرد باختياراته اللونية، سواء من حيث وقعها الحار، المتناسق والمتنوع، أو من حيث توظيفها بما يلزم من دقة هندسية صارمة. وهي اختيارات تظهر على شكل متواليات لونية مُفكر فيها مسبقاً وبشكل مطول، تتكئ على نظام المقاسات الجبرية، أكثر من استسلامها لعفو الخاطر، وللانفعالات النفسية الطارئة».
وعُرف عن المليحي، كما يجمع على ذلك عدد من النقاد، نزوعه نحو «التجريد»، الذي قاده إلى «توظيف العلامات والرموز المستمدة من الوشم والتطريز والعمارة في التراث»، من خلال «التقاط التوريقات والتموجات في الزخرفة الإسلامية التي تعتمد معايير هندسية»، كما تميز بـ«التنويعات المتعددة والمتداخلة حول مفهوم (الموجة)»، الذي قدمه منذ بداياته، والذي «يرتبط بإمكانيات جديدة للحداثة من خلال محاكاته للجسد وانحناءاته ضمن حركة تعتمد حسابات رياضية وتدرجات في اللون تعكس المعمار والأزياء في المغرب، وتحيل إلى المطلق كقيمة فلسفية متصلة بالزمن»، معتمدا، ضمن هذا التوجه، «الدائرة كحركة كعنصر أساسي مولد لتدوير لا ينتهي في سياق تعبيري يرمز إلى جسد المرأة وانحناءاته التي لم تفارق لوحته»، مع انزياح من «المعنى الذي تذهب إليه تلك التكوينات ببعدها الصوفي إلى مناخات أرضية واقعية». وهكذا، ومع مرور السنوات، سينتج التراكم الفني «إحساساً ملتبساً ومختلطاً لدى المتلقي الذي ينظر إلى الموجة باعتبارها مطلق الحركة ومطلق السكون في آن، وهي كحركة متتالية تبدو متشابهة في معظم اللوحات، لكنها تعطي في كل مرة انطباعاً مختلفاً»، تؤكد قيمة وتفرد «مبدع اشتبك مع الشأن العام طوال تجربته»، بشكل «ترك أثره في رؤيته وإبداعاته، وفي تعامله مع تلك المحطات المؤسسة في حياته الفنية، في إطار التركيز على جدلية الفن والواقع».
وكان المليحي قد عمل، عند عودته إلى المغرب، بعد أكثر من عشر سنوات عاشها متنقلا في الغرب، أستاذا للرسم والنحت والتصوير في مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، ما بين 1964 - 1969. ليشكل رفقة بلكاهية وشبعة «مجموعة الدار البيضاء» أو «حركة 65»، حيث سعى «جيل شاب حالم»، على رأي أزغاي، إلى «تأسيس حداثتنا التشكيلية، وإلى إنماء وعينا البصري، وإلى إثراء حقل الإنتاج الثقافي في مغرب الستينات، وهو ما كان له أثر هام في الممارسة الفنية فيما بعد»، حيث اشتهرت المجموعة، بالإضافة إلى «أسلوب أعضائها الحداثي»، بمنهجيتها العلمية التي ركزت جُل اهتمامها، بحسب عدد المهتمين بمسيرة الفن التشكيلي المغربي، على «غرس الحداثة في الثقافة البصرية المحلية». وضمن هذا الاختيار، تميز المليحي بـ«أسلوب حداثي جديد»، مكنه من المساهمة في «تجدير الحداثة في الثقافة البصرية بالمغرب»، هو الذي عمل منذ ستينات القرن الماضي، على تطوير تجربته التي تدور حول «رموز متكررة من الأمواج»، حيث ظل قماش الرسم «تجريداً بصرياً بحوافٍ محدودة وخطوط دقيقة وألوانٍ رائقة»، وبقيت ضربات الفرشاة وحركاتها «خفية»، و«غالباً ما تتخذ الأمواج أشكالاً جديدة، فنجدها مقلوبة على نحوٍ عمودي لتغدو ألسنة لهب، أو مقطوعة من وسط اللوحة لتنكفئ على زاوية منها»؛ بل «كثيراً ما قورنت هذه الأمواج بأمواج شواطئ أصيلة، مسقط رأسه، أو بإيماءات الخط العربي، وأحياناً أخرى تدعونا تشكيلاتُها الروحية للتسامي والصلاة»؛ ليظل مخلصاً لهذا التوجه، معيدا «صياغة الأمواج باستمرار، مضيفاً إليها طيفاً من الألوان والأشكال التجريدية والرموز بتفاصيل دقيقة أخرى»، فيما «ظلت الأمواج صامدة»، في فنونه الأخرى، كما في أعماله النحتية، وفي جدارياته وملصقاته، وفي غيرها من الأعمال التي «تواشجت في مشاريع معمارية متنوعة».
وفضلا عن مسار الرسم والتدريس، حفلت مسيرة المليحي الفنية والثقافية بمساهمات رائدة في تأسيس بعض المنابر الثقافية، على غرار إسهامه، إلى جانب كل من محمد خير الدين ومصطفى النيسابوري وعبد اللطيف اللعبي وفريد بلكاهية ومحمد شبعة، في تجربة مجلة (أنفاس) ذات النفس الثقافي الفكري المتفرد، والتي تواصل نشرها ما بين 1966 و1973، فضلا تأسيسه دار نشر «شوف»، وإصداره لمجلة (أنتغْرال) المتخصصة في الفنون التشكيلية، وكذا مساهمته، في عام 1978. إلى جانب صديقه ورفيق دربه الوزير الأسبق في الثقافة والخارجية محمد بن عيسى، في تأسيس «جمعية المحيط الثقافية» التي أطلقت «موسم أصيلة الثقافي الدولي»، الذي جعل الممارسة التشكيلية في قلب برنامجه. كما عمل مديرا لإدارة الفنون في وزارة الثقافة المغربية ما بين 1985 و1992. ومستشاراً ثقافيا لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية (1999 – 2000).
وشارك المليحي في معارض محلية وعالمية، بقدر ما ظل يعطي، من خلالها، صورة عن تطور الحداثة التشكيلية في المغرب، أكدت قيمته باعتباره واحدا من أهم رواد الحركة التشكيلية في المغرب وأفريقيا والعالم العربي، بل أعطته حضورا على الصعيد العالمي.
وكانت إحدى لوحات المليحي قد بيعت، قبل أشهر، بأكثر من نصف مليون دولار، خلال مزاد (سوذبيز لندن) المتخصص في الفن الحديث والمعاصر بأفريقيا والشرق الأوسط، الذي نظم إلكترونيا كإجراء وقائي، وذلك ما بين 27 و31 مارس (آذار) الماضي، في سياق صعب تطبعه الأزمة العالمية الناجمة عن تفشي وباء (كورونا).



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».