الصين تشهد قفزة سريعة نحو استخدام الهواتف الجوالة في عالم الإعلانات

الشركات العالمية تلجأ للتطبيقات الإلكترونية المحلية للوصول إلى المستهلكين

من المتوقع أن تنفق الشركات خلال الأعوام المقبلة على وسائل الإعلان الرقمية أكثر مما تنفق على الحملات الإعلانية التليفزيونية في الصين في الوقت الذي أطلقت شركة «أوريو» تطبيقا بالتعاون مع «ويكسين» يسمح للآباء والأبناء بالتقاط صور وتحويلها إلى أيقونات
من المتوقع أن تنفق الشركات خلال الأعوام المقبلة على وسائل الإعلان الرقمية أكثر مما تنفق على الحملات الإعلانية التليفزيونية في الصين في الوقت الذي أطلقت شركة «أوريو» تطبيقا بالتعاون مع «ويكسين» يسمح للآباء والأبناء بالتقاط صور وتحويلها إلى أيقونات
TT

الصين تشهد قفزة سريعة نحو استخدام الهواتف الجوالة في عالم الإعلانات

من المتوقع أن تنفق الشركات خلال الأعوام المقبلة على وسائل الإعلان الرقمية أكثر مما تنفق على الحملات الإعلانية التليفزيونية في الصين في الوقت الذي أطلقت شركة «أوريو» تطبيقا بالتعاون مع «ويكسين» يسمح للآباء والأبناء بالتقاط صور وتحويلها إلى أيقونات
من المتوقع أن تنفق الشركات خلال الأعوام المقبلة على وسائل الإعلان الرقمية أكثر مما تنفق على الحملات الإعلانية التليفزيونية في الصين في الوقت الذي أطلقت شركة «أوريو» تطبيقا بالتعاون مع «ويكسين» يسمح للآباء والأبناء بالتقاط صور وتحويلها إلى أيقونات

لم يستخدم ليو زيولونغ، منتج البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية في بكين، التلفزيون منذ سنوات، حيث يحصل على الترفيه من خلال الـ«آيفون 6 بلاس» الذي يستطيع من خلاله استخدام تطبيقات كثيرة لشراء تذاكر طيران ودفع الفواتير والحديث مع العملاء عبر برنامج «ويكسين» للرسائل النصية وهو من تطبيقاته المفضلة، يقول ليو البالغ من العمر 25 عاما: «أول شيء أفعله عند استيقاظي كل صباح هو الدخول على برنامج (ويكسين) لأعرف مشاركات الأصدقاء الجديدة على الإنترنت خلال فترة الليل».
وزادت رغبة الجهات المعلنة في أن تصبح جزءا من عالم لوي الرقمي، وعالم أكثر من 527 مليون شخص يملكون هواتف ذكية في الصين. ومن المتوقع أن تنفق الشركات خلال الأعوام المقبلة على وسائل الإعلان الرقمية أكثر مما تنفق على الحملات الإعلانية التلفزيونية في الصين».
إنه تحول كبير، فمنذ 3 أعوام كانت نحو نصف الأموال التي تنفق على الإعلان موجهة نحو التلفزيون، في حين تنفق 14 في المائة من أموال الإعلانات على الوسائل الرقمية بحسب شركة «زينيث أوبتميديا» للإعلان. وتختلف الصين في ذلك عن الولايات المتحدة الأميركية، حيث لا يزال التلفزيون مهيمنا بها.
وقال جيف والترز، أحد الشركاء في مجموعة «بوسطن كونسالتينغ غروب» في بكين: «إنها المرة الأولى التي يكون لدينا فيها طفرة في الطبقة المتوسطة، في الوقت الذي لا زلنا نتصل فيه بالوسائل الرقمية. وهذا يفسر أهمية وسائل الإعلان الرقمية».
وفي ظل تزايد عدد مستخدمي الهواتف الذكية على مستوى العالم، أصبحت الصين حقل تجارب لشركات التسويق والتكنولوجيا على حد سواء التي تختبر طرق الوصول إلى المستهلكين لتشجيعهم على الشراء سواء كان ذلك من خلال الإنترنت أو بعيدا عنه.
وتقع مواقع التواصل الاجتماعي الصينية في قلب هذا التوجه، فالـ«فيسبوك» والـ«يوتيوب» و«تويتر» ممنوعة في الصين، وهو ما يمنح تطبيقات مثل «ويكسين» التابع لـ«تينسينت» والذي يعرف خارج الصين باسم «وي تشات» و«سينا ويبو» ميزة نسبية. وقد أدخلت شركة «كوكاكولا» على قارئ «ويكسين» كودي تعريف في إطار حملة «ليريك كوك» في الصين. وتحمل منتجات الكوكاكولا في الصين كلمات أغانٍ صينية شهيرة مثل «أنا آسف يا حبيبي» و«أنا أحب الصيف». وتشجع شركة «كوكاكولا» المستهلكين على المشاركة بمقطع مدته 10 ثوانٍ لأغنية مع أصدقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال المسح الضوئي لكود التعريف الموجود على الزجاجة. ومنذ بداية الحملة خلال شهر مايو (أيار)، بلغ عدد مشاهدي الحملة أكثر من 3 مليار بحسب شركة «أيسوبار» المسؤولة عن الحملة.
منذ 5 سنوات، كان بمقدور المتسوقين التحايل على ذلك باستخدام نسخة الإعلانات التي يروجونها عالميا وترجمة المحتوى كما أوضح شون رين، مؤسس شركة «تشاينا ماركت ريسرش غروب» ومديرها التنفيذي؛ أما الآن فعليهم مخاطبة الحلم الصيني. أضاف رين: «ما يحدث هنا هو أن على العلامات التجارية الغربية تقديم طموحات جديدة يتطلع إليها المستهلك الصيني». واستخدمت شركة «كوكاكولا» في حملتها الإعلانية أغاني بوب صينية معاصرة. وتم استخدام صور حيوانات من رحلة سفاري أفريقية في إعلانات شركة «نورث فيس» لملابس الخروج في محاولة لجذب محبي السفر الصينيين الذين يتزايد عددهم.
وكما هو الحال في الولايات المتحدة وأوروبا، على الجهات المعلنة تعلم التكيف مع ما يحدث من تغيرات على الساحة الرقمية، التي يمكن أن تحدث في الصين بسرعة خاطفة. ظل موقع التدوين الصغير «ويبو» لسنوات كثيرة هو الأشهر في الصين، وكان يسمح مثل «تويتر» للمستخدمين بمشاركة المعلومات مع أي مستخدم. لكن خلال العام الماضي، وفي محاولة لتهدئة الجدل المجتمعي، ضيقت الحكومة الخناق على بعض المعلقين البارزين على الموقع ملقبين باسم «بيغ فيز»، متهمين إياهم بنشر أخبار كاذبة واعتقلتهم.
ودفع هذا بعض مستخدمي «ويبو» بترك الموقع. في الوقت ذاته، سرعان ما حظي «ويكسين» بشعبية كمنبر حر بديل للرسائل النصية. ويعد «ويكسين» حاليا هو المنبر الأكثر شعبية في الصين، وبلغ عدد مستخدميه النشطين مع احتساب مستخدمي النسخة الدولية منه «وي تشات» 468 مليون، بينما بلغ عدد مستخدمي «ويبو» النشطين حاليا 167 مليون. وقال كريس جونز، المدير التنفيذي للإبداع في شركة الإعلانات «وندرمان» في الصين: «أنا هنا منذ 4 سنوات. وأستخدم حاليا موقع التواصل الاجتماعي الثالث، فالأول كان (رينرين)، والثاني (ويبو) والآن (وي تشات)».
ما يتميز به تطبيق «ويكسين»، الذي يقتصر استخدامه على الأصدقاء والدائرة المقربة، هو أنه أتاح للشركات إقامة علاقة مباشرة مع المستهلك. مع ذلك يفرض «ويكسين» تحديا حيث يتحتم على المستخدمين اختيار علامة تجارية داخل الشبكة. وصلت دار أزياء «بيربري» إلى دوائر المستهلكين من خلال منح المستخدمين فرصة مشاهدة البث المباشر لعرض أزياء شتاء - خريف 2014. وكذلك الاستماع إلى تعليق مصممي الأزياء والمشاهير الذي يشاهدون العرض. وللحصول على ذلك، لا يحتاج المستخدمون سوى إلى إضافة حساب «بيربري» ضمن شبكتهم على «ويكسين». وبمجرد دخول «بيربري» إلى دائرة المستخدم، يمكن لها استهدافه مباشرا في المستقبل. وتحثّ إحدى الخواص التفاعلية المستخدمين على النقر على «ماي بيربري» وكتابة الأحرف الأولى للعلامة، لتظهر لهم صورة لقارورة عطر مزينة بالحرفين وملحق بها تفاصيل خاصة بكيفية شرائها.
مع ذلك لم يكن الحظ حليف كل الحملات الإعلانية الرقمية في الصين، فقد حاولت شركة «تايدي لاندري» الصينية مؤخرا جذب بعض الانتباه على الإنترنت من خلال نشر مقطع مصور على موقع «يوكو تودو» الصيني للبث المباشر. وظهر في المقطع المصور شابتان تتجردان من ملابسهما في قطار أنفاق شنغهاي، ثم يستقل رجل في زي رسمي أزرق إحدى عربات قطار الأنفاق ويعطيهما ملابس نظيفة يرتدينها. وفرضت شرطة شنغهاي غرامة مالية على الشركة بحسب ما أوضحت وسائل الإعلام الرسمية.
يقوم التلفزيون ووسائل الإعلان التقليدية الأخرى بدور يحقق التكامل مع العالم الرقمي. فقد بدأت شركة «أوريو» خلال العام الحالي حملة «بلاي توغيذر» التي قامت على فكرة أن الأطفال لا يقضون وقتا كافيا مع آبائهم، وهو موضع نقاش في الصين. وصنعت «أوريو» تطبيقا بالتعاون مع «ويكسين» يسمح للآباء والأبناء بالتقاط صور وتحويلها إلى أيقونات شيقة تعبر عن المشاعر لإرسالها إلى الأصدقاء. كذلك قدمت الحملة إعلانا تلفزيونيا لحملة «ويكسين» يصور أم وابنتها تلعبان معا وتتناولان بسكويت «الأوريو» سويا. وفي إطار الحملة الإعلامية استخدمت آباء من مشاهير برنامج تلفزيون الواقع «فاذر وير أر يو غوينغ؟» «أبي، إلى أين أنت ذاهب؟» للترويج للحملة من خلال المدونات الخاصة بهم.
كذلك يساعد التلفزيون في جسر الهوة التي تفصل بين الأجيال. ورغم قوة الرابطة مع المستهلكين الصينيين، لا تصل للجميع الرسائل التي تبعث بها العلامات التجارية. والد ليو واحد من أولئك الأشخاص، وقد اشترى ليو لوالده الذي يقيم في مدينة ويفانغ في مقاطعة شاندونغ هاتفا جوالا ذكيا من طراز «سامسونغ» وعلّمه كيفية استخدام تطبيق «ويكسين» بحيث يتمكنان من الحديث بالصوت والصورة. مع ذلك قد يستغرق والده وقتا ليتمكن من التعامل مع «ويكسين»، حيث قال ليو: «أنا الصديق الوحيد على قائمة معارفه على ويكسين».
* خدمة «نيويورك تايمز»



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».