إلغاء مناورات ينزع فتيل أزمة جديدة بين تركيا واليونان شرق المتوسط

البرلمان الأوروبي يطالب أنقرة بوقف قمع المعارضة وانتهاك حرية التعبير

الأمين العام لـ «الناتو» ينس ستولتنبرغ نزع فتيل أزمة جديدة بين تركيا واليونان في شرق البحر المتوسط (إ.ب.أ)
الأمين العام لـ «الناتو» ينس ستولتنبرغ نزع فتيل أزمة جديدة بين تركيا واليونان في شرق البحر المتوسط (إ.ب.أ)
TT

إلغاء مناورات ينزع فتيل أزمة جديدة بين تركيا واليونان شرق المتوسط

الأمين العام لـ «الناتو» ينس ستولتنبرغ نزع فتيل أزمة جديدة بين تركيا واليونان في شرق البحر المتوسط (إ.ب.أ)
الأمين العام لـ «الناتو» ينس ستولتنبرغ نزع فتيل أزمة جديدة بين تركيا واليونان في شرق البحر المتوسط (إ.ب.أ)

نزع حلف شمال الأطلسي (ناتو) فتيل أزمة جديدة بين تركيا واليونان في شرق البحر المتوسط بعدما تدخل بناء على طلب من أنقرة لإلغاء مناورات عسكرية متبادلة كانت ستنطلق يومي 28 و29 أكتوبر الجاري. وأعلنت تركيا إخطاراً بحرياً «نافتكس» اعتباراً من 28 أكتوبر (تشرين الأول) لإجراء مناورات عسكرية في شرق المتوسط، رداً على إعلان مماثل لليونان ينتهي في 29 من الشهر ذاته الذي يوافق العيد الوطني لتركيا.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن أنقرة وأثينا قررتا إلغاء مناورتهما شرق المتوسط «بناء على مقترح من تركيا»، وإن تركيا تؤيد حل المشاكل عبر القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار والحل والحوار السياسي. وأضاف أكار في تصريحات أعقبت مشاركته في اجتماع وزراء الدفاع لدول حلف الناتو عقدت الجمعة عبر «الفيديو كونفرنس»: «قدمنا مقترحاً يتناسب مع المسار العام ومبادئ اجتماع الحلف، حيث أعربنا عن استعدادنا لإلغاء إخطار نافتكس (المعلن من جانب تركيا) كبادرة حسن نية، في حال إلغائهم (اليونان) أيضاً الإخطار المعلن من جانبهم. وأضاف أن الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، تعاطى إيجابياً للغاية مع المقترح التركي وأعرب عن دعمه له، و(لاحقا أعرب نظيري اليوناني عن دعمه للمقترح وتعاطى بإيجابية معه)... يعمل ممثلونا في مقر الحلف في بروكسل على موضوع إلغاء المناورات حاليا، ونتوقع منهم استكمال الإجراءات خلال الأيام المقبلة».
وأكد أكار، في الوقت ذاته، أن تركيا لن تتغاضى عن أي محاولة لفرض أمر واقع ينتهك القانون والحقوق في منطقة شرق المتوسط، مضيفاً: «على الجميع أن يدرك أن تركيا مصممة وعازمة على الدفاع وحماية حقوقها ومصالحها، وستواصل التعبير عن ذلك على جميع المستويات». في الوقت ذاته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن اختبارات بلاده لمنظومة الدفاع الجوي الصاروخية «إس 400» لا يعني ابتعاد أنقرة عن حلف «الناتو».
وأضاف أكار، خلال كلمة له بمؤتمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم أمس في قيصري (وسط تركيا)، أنه مثلما تُستخدم منظومة «إس 300» من قبل دول في حلف الناتو (في إشارة إلى اليونان)، فتركيا أيضاً تستخدم منظومة «إس 400» على الأساس ذاته.
وأكد أكار أن اختبارات منظومة «إس 400» تجري وفقاً للخطط المرسومة لها، مشيرا إلى أن امتلاك منظومة للدفاع الجوي طويل المدى، ليست خياراً لبلاده بل ضرورة من أجل حماية أمن وسلامة واستقلال الشعب التركي ووطنه وسمائه. وأدانت الولايات المتّحدة الجمعة تجربة تركيا لمنظومة الصواريخ، محذّرة من أنّ العلاقات الدفاعيّة مع هذا الحليف الاستراتيجي قد تتأثّر «في شكل خطير» جرّاء ذلك.
وقال المتحدّث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان، إنّ «وزارة الدفاع الأميركيّة تدين بأشدّ العبارات الاختبار الذي أجرته تركيا في 16 أكتوبر لنظام الدفاع الجوّي إس – 400، وهو اختبار أكّد اليوم الرئيس» التركي رجب طيّب إردوغان حدوثه. وأضاف: «موقفنا كان واضحاً على الدّوام ولم يتغيّر: نظام إس - 400 لا يتوافق مع الالتزامات التي تعهدت بها تركيا بصفتها حليفاً للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي».
وتابع: «نحن نُعارض اختبار تركيا هذه المنظومة، وقد تكون لذلك عواقب وخيمة على علاقاتنا الدفاعيّة». وتعرّضت تركيا للتهديد بفرض عقوبات أميركية عليها بموجب قانون أقرّه الكونغرس عام 2017 وينصّ على اتّخاذ تدابير عقابيّة تلقائيّة ضدّ أي بلد يشتري أسلحة روسيّة. وهناك إجراءات اقتصاديّة عقابيّة منصوص عليها في القانون الذي أقرّه الكونغرس بالإجماع في عام 2017، هدفها «مواجهة خصوم أميركا من خلال العقوبات». وينصّ النصّ خصوصاً على عقوبات تلقائية بمجرد أن تُبرم دولة ما «صفقة مهمّة» مع قطاع التسلح الروسي.
على صعيد آخر، طالب البرلمان الأوروبي تركيا بوقف القمع المتزايد للمعارضة في ظل التضييق على أحزاب وسياسيين ونواب ومحامين فضلاً عن قمع حرية التعبير. ووافق البرلمان الأوروبي بأغلبية الأصوات، على تقرير مقرري الملف التركي في البرلمان التركي، الصادر بعنوان «قمع جديد ضد المعارضة السياسية في تركيا والمواطنين أصحاب الآراء المعارضة... ضرورة حماية معايير المجلس الأوروبي». ولفت مقرر الملف التركي، البرلماني البريطاني جون هويل، إلى قرارات الحكومة التركية بعزل رؤساء البلديات المنتخبين من حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد، والتضييق على حرية التعبير والإعلام والنظام القضائي، ونقابات المحامين، والتدخل القضائي ضد منظمات المجتمع المدني، وأكد ضرورة استمرار الحوار مع تركيا بصفتها تمتلك «ديمقراطية حية».
من جانبه، أكد النائب الألماني، فرانك شوابي، أن الحكومة التركية تسير في الطريق الخطأ، منوهاً بوجود منظمات مجتمع مدني حرة في البلاد، وأيد استمرار الحوار مع تركيا، مشيراً إلى ضرورة تنفيذ قرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بشأن الانتهاكات بحق المعارضة وانتهاك حرية التعبير. وحول الاعتقالات التي شهدتها البلاد مؤخراً على خلفية «تحقيقات احتجاجات كوباني»، قال التقرير: «يدين البرلمان الاعتقالات الجماعية الأخيرة لأعضاء حزب الشعوب الديمقراطية، بمن فيهم الرئيسان المشاركان لبلدية كارص (شمال شرق) ونواب سابقون بالبرلمان.
وتضمّن التقرير الإشارة إلى المخاوف من أن قانون وسائل التواصل الاجتماعي الجديد الذي دخل حيز التنفيذ مطلع أكتوبر الجاري سيفرض قيوداً جديدة على حرية التعبير والإعلام.


مقالات ذات صلة

تركيا تندد باتفاق دفاعي بين واشنطن ونيقوسيا يتجاهل القبارصة الأتراك

شؤون إقليمية قبرص كشفت في يوليو الماضي عن إنشاء قاعدة جوية أميركية قرب لارنكا (وسائل إعلام تركية)

تركيا تندد باتفاق دفاعي بين واشنطن ونيقوسيا يتجاهل القبارصة الأتراك

نددت تركيا بتوقيع الولايات المتحدة اتفاقية خريطة طريق لتعزيز التعاون الدفاعي مع جمهورية قبرص، ورأت أنه يُخلّ بالاستقرار الإقليمي ويُصعِّب حل القضية القبرصية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي بحفاوة خلال زيارته أنقرة الأربعاء (الرئاسة التركية)

أصداء واسعة لزيارة السيسي الأولى لتركيا

تتواصل أصداء الزيارة الأولى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لأنقرة، في وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد حقل «أفروديت» البحري للغاز (أ.ف.ب)

خطة لتطوير حقل الغاز القبرصي «أفروديت» بـ4 مليارات دولار

قالت شركة «نيوميد إنرجي» الإسرائيلية، إن الشركاء بحقل «أفروديت» البحري للغاز الطبيعي، قدموا خطة للحكومة القبرصية لتطوير المشروع بتكلفة تبلغ 4 مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية ترقب واسع في تركيا لزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ.ف.ب)

لماذا استبقت «الإخوان» زيارة السيسي لتركيا بمبادرة جديدة لطلب العفو؟

استبقت جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة، زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المرتقبة لتركيا بمبادرة جديدة للتصالح وطلب العفو من الدولة المصرية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
المشرق العربي مسؤولون لبنانيون على متن منصة الحفر «ترانس أوشن بارنتس» خلال عملها في البلوك رقم 9... أغسطس 2023 (رويترز)

حرب الجنوب تُعلّق النشاط الاستكشافي للنفط بمياه لبنان الاقتصادية

تضافر عاملان أسهما في تعليق نشاط التنقيب عن النفط والغاز في لبنان؛ تَمثّل الأول في حرب غزة وتداعياتها على جبهة الجنوب، والآخر بنتائج الحفر في «بلوك 9».

نذير رضا (بيروت)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.