كيف لفت «كورونا» الأنظار إلى دور الصناعات الغذائية في تزايد السمنة؟

الوجبات السريعة والأطعمة فائقة المعالجة والمشروبات الغازية من بين أكبر مسببات السمنة (بلومبرغ)
الوجبات السريعة والأطعمة فائقة المعالجة والمشروبات الغازية من بين أكبر مسببات السمنة (بلومبرغ)
TT

كيف لفت «كورونا» الأنظار إلى دور الصناعات الغذائية في تزايد السمنة؟

الوجبات السريعة والأطعمة فائقة المعالجة والمشروبات الغازية من بين أكبر مسببات السمنة (بلومبرغ)
الوجبات السريعة والأطعمة فائقة المعالجة والمشروبات الغازية من بين أكبر مسببات السمنة (بلومبرغ)

سلط فيروس «كورونا» المستجد الضوء على أهمية اتباع نظام غذائي صحي، وذلك بعد أن عانى الكثير من الأشخاص حول العالم من السمنة نتيجة الضغط النفسي والمكوث بالمنزل لفترات طويلة بسبب إغلاق «كورونا».
وقد اتخذت الحكومة البريطانية إجراءات لمكافحة السمنة في الأشهر الماضية، مشيرة إلى أن هذه المشكلة هي السبب في الكثير من حالات الإصابة الشديدة بالفيروس.
ووفقاً لوكالة «بلومبرغ» للأنباء، فقد تختار حكومات أخرى خارج المملكة المتحدة فرض تدابير مماثلة لمكافحة السمنة، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير طريقة عمل صانعي المشروبات الغازية وحبوب الإفطار وألواح الشوكولاتة والوجبات الجاهزة.
ويقول الخبراء إنه، نتيجة لـ«كورونا»، فإن الشركات التي تصنّع المواد الغذائية غير الصحية والوجبات السريعة قد تواجه في الفترة القادمة عدة مخاطر، بدءاً من ضرائب السكر والقيود المفروضة على التسويق والمبيعات إلى التحذيرات الصحية الشبيهة بالتبغ ووسم المنتجات. هذا بالإضافة إلى التقاضي والتهديدات لسمعتها.
ونتيجة لهذه المخاوف، بدأ مصنّعو الأغذية بالفعل إجراء تعديلات على المنتجات التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والملح والسكر.
وقام منتجو المشروبات على وجه الخصوص بتقليص السكر، حيث فرضت الحكومات الوطنية والمحلية ضرائب على محتوياته في المنتجات في نحو 40 دولة.
ويقول ديفيد كريبرينا، رئيس التطوير البيئي والاجتماعي والحوكمة في مجموعة «كاندريام» للاستثمار: «إننا نرى أن (كورونا) يمكن أن يعزز بشكل جيد الخيارات والتنظيمات الصحية». وتابع: «إن طرح منتجات غير صحية في السوق طريقة سيئة جداً للحفاظ على عملائك. يمكن للسلطات أن تقرر جيداً ملاحقة الشركات المسؤولة بشكل أساسي عن السلوك الغذائي غير الصحي».
وأضاف كريبرينا أن مجموعته تنظر إلى القضايا المتعلقة بالصحة والسمنة بوصفها «خطراً شديداً للغاية» للشركات المشاركة في صنع الوجبات السريعة والمشروبات السكرية، متوقعاً «تناقص حجم مبيعاتها بشكل كبير بسبب تغير سلوك المستهلك في المستقبل القريب»، الأمر الذي دفع المجموعة إلى تجنب الاستثمار في بعض الشركات وتفضيل تلك التي تقدم خيارات طعام صحية ومغذية.
من جهته، قال تيفان سوسان، المسؤول في شركة «أماندي غروب» لإدارة الأصول، ومقرها باريس، إن «رد الفعل العنيف المتوقع ضد صانعي المشروبات السكرية والأطعمة غير الصحية يمكن أن يشبه حركة تصفية الوقود الأحفوري للحد من انبعاثات الكربون. سنرى بالتأكيد انخفاضاً في الطلب على الأطعمة المصنَّعة والمشروبات الغازية، وارتفاع الطلب على الطعام الصحي».
أما لويزا هودج، المديرة في مجموعة «شير أكشن» البريطانية المدافعة عن البيئة، فقالت: «فيروس كورونا جعل الصحة العامة قضية رئيسية للمستهلكين. هناك تحول نحو الرغبة في الوصول إلى الأطعمة الصحية وإدراك مدى أهميتها بشكل خاص في أثناء الوباء».
وفي حين أن أسباب السمنة معقدة ومتنوعة، إلا أن الوجبات السريعة والأطعمة فائقة المعالجة والمشروبات الغازية هي من بين أكبر المذنبين في هذا السياق.
وتشكل الوجبات السريعة الجاهزة التي تحتوي عادةً على كميات كبيرة من الملح والدهون والسكر والمواد المضافة، أكثر من نصف السعرات الحرارية المستهلكة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وهناك نحو 3 مليارات شخص لا يستطيعون تحمل تكاليف وجبات صحية ومغذية، وفقاً للأمم المتحدة، التي أكدت أنه إذا لم تتم معالجة الارتفاع العالمي للأكل غير الصحي والسمنة، فستتجاوز التكاليف الصحية ذات الصلة عتبة 1.3 تريليون دولار سنوياً في العقد المقبل.
وتضاعفت السمنة ثلاث مرات تقريباً في جميع أنحاء العالم في العقود الأربعة الماضية وهي آخذة في الارتفاع.
وأظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة والوزن الزائد معرّضون بشكل أكبر للإصابة بمضاعفات «كورونا» والوفاة جراء الفيروس، مثلما هم معرضون لأمراض مثل السكري وأمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان.


مقالات ذات صلة

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.


الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».