«بصوت عالٍ»... رؤى فنية تحكي اضطرابات العالم العربي

يقدم المعرض المصري أعمال 28 فناناً في الهواء الطلق

مشاركة مميزة للقطع النحتية الصغيرة في المعرض (الشرق الأوسط)
مشاركة مميزة للقطع النحتية الصغيرة في المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«بصوت عالٍ»... رؤى فنية تحكي اضطرابات العالم العربي

مشاركة مميزة للقطع النحتية الصغيرة في المعرض (الشرق الأوسط)
مشاركة مميزة للقطع النحتية الصغيرة في المعرض (الشرق الأوسط)

لا يكاد زائر ملاعب نادي الغولف في منطقة دريم لاند في مدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة)، يبدأ المسير بين جنباتها إلّا وتطالعه قطعة نحتية أو لوحة فنية أبدعها فنانون مصريون وعرب، تعبر في الكثير من الأعمال عن مشاعر الاضطرابات في بعض الدول العربية، وتشكل الملاعب منذ إطلاق غاليري «إيزل آند كاميرا» أولى فعالياته الفنية لهذا الموسم، معرضا جماعيا قد يرسخ لفكر جديد وغير تقليدي في طريقة العرض الفني في مصر، ما يسمح بمنح المتلقي فرصة أكبر للتواصل مع الطاقة التعبيرية والجمالية للأعمال، وما يتوافق أيضا مع الإجراءات الاحترازية لفيروس «كورونا».
خرجت أعمال معرض «بصوت عال» الذي يستمر حتى نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، من قاعات الغاليري المغلقة إلى الهواء الطلق ورحابة الأفق، عبر تقديمها في الملاعب الممتدة والمساحات الخضراء، وهو ما ترجعه الفنانة وئام المصري، مديرة الغاليري إلى الاتجاه نحو إضفاء معان وأحاسيس جديدة، لإعادة الجمهور إلى الفن، خصوصا بعد عزوف الكثيرين عن الذهاب إلى الغاليرهات، خوفا من الوجود في أماكن مغلقة أو مزدحمة.
لا تنفي المصري تخوفها في البداية من عرض أكثر من مائة عمل في الخارج لـ28 فنانا إذ راودها الاعتقاد بأنّ الفنانين قد يرفضون هذه الطريقة غير المألوفة للعرض أو أن ذلك سيحد من تنوع الأحجام وطبيعة المعروضات ما يمثل فقرا فنيا، لكن لحسن الحظ خاب ظنها، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين فكرنا في إقامة هذا المعرض واجهتنا عدة تساؤلات ومخاوف، أبرزها أنّنا كنا نظن أنّ المساحات الممتدة تستلزم بالضرورة قطعا فنية كبيرة، باعتبار أنّها سوف تبتلع الأعمال الصغيرة، ولن تظهر وتكون جاذبة لعين المتلقي، في حين ينتج الشباب في الغالب أعمالا صغيرة لارتفاع تكلفة الخامات، إضافة إلى أنّ بعض كبار الفنانين لا يميلون إلى إبداع الأعمال الضخمة ومن ثم كدنا نقتصر على أسماء محدودة وأحجام محددة ومجال فني واحد، إلّا أنّنا قررنا أن نسمح للجميع بخوض هذه التجربة الفنية الجديدة، وكانت النتيجة غير متوقعة».
ورحب الفنانون بالفكرة، واعتبروها جديرة بالتطبيق في ظل الظروف الراهنة، بل إن رحابة الأفق شكلت إضافة حقيقية إلى القطع الفنية، وأعطت إحساسا مختلفا عن عرضها داخل حيز الغاليري المغلق؛ إذ أنه رغم اتساع مساحة العرض، فإنّها على اختلاف أحجامها وأنواع خاماتها وتكنيكها، قد فرضت بقوتها التعبيرية والجمالية حضورها القوي على المكان، وأضافت الكثير إلى المنظر الطبيعي الخلاب.
ويضمّ المعرض مجموعة متميزة من أعمال الفنانين الذين ينتمون لأجيال فنية متنوعة ولمدارس متباينة، من بينهم الفنان الراحل آدم حنين، والفنانون أحمد عبد الوهاب، ورضا عبد السلام، وعبد العزيز صعب، والسيد عبده سليم، ومحمد عبلة، وتامر رجب وسيد واكد، والعراقي علي نوري، واللبناني بسام كيرولس وغيرهم.
يقدم الفنان تامر رجب ثلاث منحوتات من البرونز والألمنيوم والبوليستر، وتُعد الأعمال استكمالا لفكرة يعمل عليها في المرحلة الحالية، وهي الطبيعة وصراع الإنسان معها، وانعكاس ذلك على الجسد، وكيف أن الإنسان لا يكف عن البحث عن الآخر في انتظار أن يسمعه، ويتواصل معه، ويقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «جاء عنوان المعرض متوافقا مع أهدافه، إذ تتحدث كل منحوتة ولوحة فيه بـ(صوت عال) في العلن بعد أن شُكّلت وصيغت بجمل فنية معبرة وخطوط واضحة، وذلك في فترة زمنية وأجواء صعبة للغاية، هي فترة مقاومة (كورونا)». ويضع رجب يده على ملامح أخرى لتميز المعرض بقوله: «في حين يعتمد العرض دوما في مصر على القاعات المغلقة والأماكن المجهزة بإضاءة ثابتة في حيز ضيق، فإن هذه المرة تُقدّم الأعمال في نطاق واسع تحتضنه الطبيعة التي ترسم الظل والنور على القطع الفنية فتكسبها تأثيرات أخرى، لا سيما المنحوتات التي تشكلت في الأساس من الخامات الطبيعية كالحجر والغرانيت والرخام والنحاس والبرونز، فكأنّها بذلك بدأت من الطبيعة وعادت إليها».
فيما يقول الفنان سيد واكد، لـ«الشرق الأوسط»: «أجد نفسي شغوفا دوما بالتعبير عن التجمعات البشرية بشكل عام، بعد أن أخلصها من الملامح والتفاصيل؛ لأن هذه التفاصيل هي التي ترسم الفروق في الهوية وتولد الاختلاف والخلاف والتعصب، ولعل العرض وسط هذا التجمع المصري العربي من الفنانين على اختلاف تجاربهم الفنية وأعمارهم في مكان واحد يخدم فكرتي التي أطلقها مثلهم بصوت عال لعلها تصل بوضوح للمتقي».
وعبر لوحة فنية وستة تماثيل يعبر الفنان اللبناني بسام كيرولس عن الحروب والدمار، وما يمر به مجتمعه، ويغلب على الأعمال تأثرها بأسلوبه الأكاديمي كأستاذ جامعي، ويقول: «من الصعب لفنان يعيش وسط كل ويلات الحروب ألا يكون شغله الشاغل هو وطنه، فلكم أجد نفسي مهموما بقضايا لبنان، وأعتبر محاولة توصيل صوتها رسالتي الأساسية للعالم».
قضية «الظروف الاستثنائية للوطن» هي أيضا ما تشغل الفنان العراقي علي النوري في أعماله النحتية بالمعرض، فعبر 12 تمثالا من الغرانيت يجسد الظروف المضطربة في وطنه، ويزيد من إحساس المتلقي بذلك مزجه بين الكلاسيكية والضربات التعبيرية القوية التي تكسبه سمات الوحشية في الفن، ما يعكس أيضا حالات التغير التي يمر بها الإنسان خلال مراحل عمره المختلفة.
ويقول النوري لـ«الشرق الأوسط»: «وجدت في طريقة العرض غير التقليدية تأكيدا للمعاني التي تحملها أعمالي من الاضطراب والتشتت والافتقار إلى الاستقرار في المجتمعات المعاصرة، إذ يساعد عرض منحوتاتي كبيرة الحجم في الهواء الطلق على تحقيق ذلك، لوجود فراغ كبير يسمح بتأمل الأعمال والتحاور معها من كل الزوايا».



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.