الخرطوم تؤكد استعدادها للتعاون التام مع «الجنائية الدولية»

TT

الخرطوم تؤكد استعدادها للتعاون التام مع «الجنائية الدولية»

أبدى مسؤولون سودانيون استعداد بلادهم الوفاء بالتزاماتها الدولية، فيما يتعلق بالتعاون مع «المحكمة الجنائية الدولية»، بخصوص المتهمين الذين صدرت بحقهم أوامر قبض من المحكمة، من أجل تحقيق العدالة، باعتبارها أحد شعارات ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019، التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، أبرز المطلوبين لـ«الجنائية الدولية». وتلقت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بانسودا، تعهدات قاطعة من مسؤولين في السلطة الانتقالية بالسودان، بالتعاون الكامل في القضايا التي تنظر فيها المحكمة المتعلقة بالنزاع في إقليم دارفور.
وقال رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، إن «التزام السودان بتحقيق العدالة ليس من الالتزامات الدولية فحسب، وإنما يأتي استجابة للمطالب الشعبية بإقامة العدالة وتنفيذ شعارات الثورة المجيدة».
واعتبر حمدوك خلال لقائه المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو باسنودا، بالخرطوم، أمس، زيارة وفد المحكمة للبلاد، شهادة على التغيير الذي تُحدثه عمليات الإصلاح الشامل في السودان الجديد.وأجرت بانسودا مباحثات منفصلة مع عدد من المسؤولين في الحكومة الانتقالية، شملت رئيس الوزراء وعضوَي مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو، ومحمد حسن التعايشي، بجانب وزير العدل نصر الدين عبد الباري.
وفي غضون ذلك، أكد نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو، استعداد حكومة الفترة الانتقالية للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً في الوقت ذاته إلى القضاء السوداني، وعدم تدخل الحكومة في أعماله.
من جانبه، قال عضو مجلس السيادة، محمد حسن التعايشي، على صفحته الرسمية بـ«فيسبوك» إن اللقاء يأتي تعزيزاً لما تم الاتفاق عليه بين الحكومة وحاملي السلاح بشأن قضايا العدالة ومثول المتهمين الذين صدرت بحقهم أوامر توقيف لدى المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف: «لا يمكننا بناء السلام في السودان دون تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا».
وقالت المدعية العامة للجنائية في تصريحات صحافية إن الغرض الأساسي من زيارتها الخرطوم، التي وصفتها بالتاريخية، بحث التنسيق والتعاون مع السلطات السودانية، ومناقشة القضية التي تنظر المحكمة فيها حالياً، بشأن أوامر التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية فيما يتعلق بإقليم دارفور. وأضافت: «اجتمعنا بالجهات ذات الصلة للحصول على الالتزام التام للدفع بهذه القضايا»، مؤكدة ضرورة تحقيق العدالة، خاصة لضحايا إقليم دارفور.
وأوضحت المدعية العامة للجنائية أن زيارتها للخرطوم تأخذ مسارين؛ إجراء نقاشات مع المسؤولين في السلطة الانتقالية حول عمل المحكمة الجنائية الدولية في دارفور، والتعاون المشترك في جمع المعلومات ذات الصلة بقضية عبد الرحمن الشهير بـ«كوشيب».
وأشارت بانسودا إلى أنها بحثت مع المسؤولين السودانيين أيضا التعاون بشأن قضية المتهم علي عبد الرحمن كوشيب، التي تنظر فيها المحكمة حالياً، وذلك للحصول على المزيد من المعلومات والأدلة في أقرب وقت ممكن.
ويواجه كوشيب، أحد قادة الميليشيات الذي سلم نفسه للجنائية، 53 تهمة، يتحمل فيها المسؤولية الجنائية الفردية، لتورطه في عمليات قتل وهجمات على المدنيين العزل بجانب مسؤوليته عن عمليات اغتصاب ونهب وتدمير الممتلكات.
وكانت دائرة الاستئناف الثانية بالجنائية رفضت، في أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، طلب كوشيب بالإفراج المؤقت، واستمراره لضمان عدم عرقلة التحقيق أو إجراءات المحكمة أو تعريضهما للخطر. ووصل فريق المحكمة الجنائية الخرطوم،، ليل أول من أمس، في زيارة تستغرق حتى 21 من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، يناقش تفاصيل التعاون بين المحكمة والجهات المختصة في السودان. واتفقت الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في دارفور خلال مناقشة ملف العدالة الانتقالية إبان المفاوضات التي جرت بينهما في جوبا، على مثول المطلوبين في جرائم الحرب التي حدثت في دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وفي عامي 2009 و2010 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق الرئيس المعزول، عمر البشير، بتهم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ارتكبت في دارفور إبان فترة حكمه.
وقتل في الحرب التي اندلعت في دارفور عام 2003 قرابة 300 ألف ونحو 3 ملايين لاجئ ونازح خارج وداخل السودان، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة. كما أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال لوزير الدفاع في النظام المعزول، عبد الرحيم محمد حسين ووزير الدولة بالداخلية، أحمد هارون وعلي كوشيب.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.