العالم صرف ميزانية 2020 وبدأ الاستدانة من الطبيعة

متى تتجاوز البصمة البيئية للبشرية موارد الأرض؟

العالم صرف ميزانية 2020 وبدأ الاستدانة من الطبيعة
TT

العالم صرف ميزانية 2020 وبدأ الاستدانة من الطبيعة

العالم صرف ميزانية 2020 وبدأ الاستدانة من الطبيعة

صادف يوم 22 أغسطس (آب) «يوم تجاوُز موارد الأرض»، وهو التاريخ الذي يتجاوز فيه طلب البشرية على الموارد والخدمات البيئية في سنة معينة ما يمكن أن تجدّده الأرض في تلك السنة. هذا يعني أن العالم استنزف كامل ميزانيته لسنة 2020، وبدأ الاستدانة من رأس المال الطبيعي، ابتداءً من ذلك اليوم، وحتى نهاية السنة. ويستمر العجز من خلال استهلاك مخزون الموارد البيئية ومراكمة النفايات، وبالأخص ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
اللافت هذه السنة أن العالم بدأ «يستدين» من الطبيعة في يوم متأخر عن السنة التي سبقت، وذلك بسبب انخفاض الانبعاثات والاستهلاك نتيجة لجائحة «كورونا». ففي عام 2019 تم استهلاك ميزانية الطبيعة في 29 تموز (يوليو). وفي حين قد يفسّر البعض هذا بأننا ربحنا 3 أسابيع عن العام الماضي، فالواقع أن هذا التغيير طارئ وموقت، وستتضاعف الانبعاثات عندما تعود عجلة الاقتصاد إلى الدوران، إذا استمرت أنماط الاستهلاك والانتاج نفسها.
ويشارك المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) كل سنة «الشبكة العالمية للبصمة البيئية» في رصد هذا اليوم. وكان المنتدى أصدر عام 2012 تقريراً عن البصمة البيئية في البلدان العربية، وجد أن استهلاك العرب لمنتجات الطبيعة وخدماتها يبلغ ضعفي ما يمكن للأنظمة الطبيعية في هذه البلدان أن توفره من موارد متجددة.
تستخدم البشرية 50 في المائة أكثر من الموارد الطبيعية التي يمكن للأرض أن تجدّدها، مما يعني أننا بحاجة إلى كوكب ونصف الكوكب لتلبية احتياجاتنا بشكل مريح. مثلاً، إذا عاش البشر بأسلوب حياة المواطن الأميركي العادي، فسنحتاج إلى 5 كواكب لتلبية طلبهم على الموارد. إما إذا عاشوا مثل معدّل المواطن العربي العادي، فسوف يحتاجون إلى 1.2 كوكب.
إنها فكرة مخيفة، لكنها حقيقة لم يفهمها الناس تماماً بعدُ، حيث إن الموارد لا تزال موجودة، حتى الآن. ولكن إذا أردنا حماية أطفالنا من العيش في عالم مُقفر، حيث يصبح كل ما نأخذه اليوم كأمر مسلّم به، كالطعام والماء، أمراً نادراً، فعلينا المساعدة في تقليل بصمتنا البيئية.
كيف يتم احتساب البصمة البيئية؟
يمكن احتساب الطلب على الطبيعة عن طريق قياس «بصمة القدم» البشرية، بناءً على مساحة الأرض والمياه التي تستخدمها حضارتنا لتزويدنا بما نحتاج إليه للبقاء على قيد الحياة، وذلك بالإجابة عن الأسئلة التالية:
- ما مساحة الأرض التي نحتاج إليها لزراعة محاصيل كافية وبناء البنى التحتية؟
- كم نحتاج من مساحة المحيطات لنؤمن طلباتنا الغذائية؟
- هل توجد أنظمة بيئية كافية لامتصاص ما ننتجه من نفايات وانبعاثات؟
يمكن لنظام القياس هذا أيضاً تحديد القدرة الحيوية للأرض، أو الموارد المتاحة. باختصار، البصمة البيئية هي مقدار الأنظمة والموارد الطبيعية اللازمة لتزويدنا بما نحتاج إليه لدعم أنماط حياتنا، وإبقائنا على قيد الحياة. أي الكميات التي نستخدمها، مقابل مقدار الموارد الموجودة بالفعل.
نحن لا نتعامل مع موضوع البصمة البيئية بشكل جدّي؛ فمعظم الناس يظنون أن الماء الذي نشربه والأشجار في الغابات والأسماك في البحار، ستكون موجودة ما دمنا نحتاج إليها. لذا فإننا نواصل حياتنا كما لو أن قلّة إدراكنا هذه لا تأتي بالضرر. ولكن الحقيقة هي أنه إذا استمررنا بالعيش كما نفعل الآن، فلن تكون هناك موارد متبقية لجيل المستقبل.
في الوقت الحالي، لا يزال بإمكاننا العمل على عكس الضرر، عن طريق تقليل البصمة البيئية الخاصة بنا. وهذا هو التحدي الذي نواجهه؛ فالهدف هو أن يعيش جميع البشر حياة مُرضية دون الإضرار بموارد كوكبنا.
- ما العمل؟
هنا مجموعة من الأمور التي يمكن القيام بها على المستوى الشخصي للمساهمة في ذلك:
1- وفّر في استخدام الكهرباء
2- وفّر في استخدام الماء
3- اشترِ المنتجات العضوية والمحلية
4- استخدم حقيبة التسوق الخاصة بك، المصنوعة من القماش
5- أعِد تدوير البلاستيك والكرتون والورق والزجاج
6- ازرع الأشجار المحلية
7- اختَر الأجهزة والإلكترونيات الموفّرة للطاقة
8- اشترِ المنتجات القابلة للتحلل البيولوجي والصديقة للبيئة
9- أعِد استخدام المواد حيث أمكن بدلاً من رميها
10- لا تشترِ أي منتجات على علاقة بالحيوانات المعرضة لخطر الانقراض
أما على مستوى الدول والمجتمعات، فثمة خمسة مجالات رئيسية تحدد اتجاهاتنا الطويلة الأجل بقوة أكبر:
1- الكوكب
يتطلب ضمان حصولنا على كوكب صحي قادر على الاستمرار بدعمنا في المستقبل تقليل وترشيد الطلب البشري على الموارد والحفاظ على نظام دعم الحياة على الأرض. ويتم ذلك من طريق: الحماية التقليدية، المتمثلة في الجهود المبذولة لحماية المساحات البرية والحفاظ عليها، لا سيما النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي. وإعادة إحياء النُظم الإيكولوجية التي تم الإفراط في استخدامها، مثل تشجير مواقع الغابات التي تم تحويلها سابقاً إلى مراعٍ لتربية الماشية، وإعادة تشجير الغابات الاستوائية وأشجار المنغروف. ولا بد من تعميم الزراعة المتجددة وتشجيع الصيد المستدام، للحفاظ على تغذية البشرية عن طريق إيجاد طرق للزراعة تحافظ على إنتاجية التربة ومستويات المياه الجوفية ودورات المياه الطبيعية والتنوع الجيني، مع تجنُّب التلوث.
2- المدن
من المتوقَّع أن يعيش ما بين 70 و80 في المائة من الناس في المناطق الحضرية بحلول عام 2050. وبالتالي، فإن لتخطيط المدن الذكية واستراتيجيات التنمية الحضرية دوراً فعالاً في التأكد من وجود رأسمال طبيعي كافٍ، ولتجنب الطلب البشري المفرط الذي قد يؤدي إلى تآكله. ومن الأمثلة المباني الموفرة للطاقة والتخطيط المتكامل للمناطق والمدن المدمجة والخيارات الفعالة للنقل العام. وعلى وجه الخصوص، يمكن أن يلعب التخطيط المدني دوراً رئيسياً في الحد من الحاجة إلى السيارات، حيث إن التنقل الشخصي يشكّل 17 في المائة من البصمة الكربونية للبشرية.
3- الطاقة
تشير التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ إلى أن التركيز طويل الأمد لغازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، المُقاس بمكافئ ثاني أوكسيد الكربون، يجب أن يكون أقل بكثير من 450 جزءاً في المليون لتحقيق هدف «اتفاقية باريس». هذه السنة يحتوي الغلاف الجوي في المتوسط على أكثر من 413 جزءاً في المليون من ثاني أوكسيد الكربون. وعند تضمين جميع غازات الدفيئة الأخرى، بلغ التركيز في مكافئ ثاني أوكسيد الكربون 500 جزء في المليون عام 2019، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة. وتشير الأرقام إلى أن البصمة الكربونية الحالية تضيف 2 إلى 3 أجزاء في المليون من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي سنوياً. يُذكر أن تقليل عنصر الكربون في البصمة البيئية للبشرية بنسبة 50 في المائة سيحوّلنا من استهلاك موارد تساوي 1.6 مرة من استطاعة الأرض إلى 1.1 فقط، وهذا يؤدي إلى تأخير تاريخ يوم التجاوز بمقدار 93 يوماً.
4- الطعام
نظراً لاستخدام نصف القدرة البيولوجية للأرض لإطعام البشرية، فإن الطعام يُعدّ رافعة قوية لتأخير يوم تجاوز طاقة الأرض. إذا منعنا فَقْد الطعام وهدره، وفضّلنا الأطعمة النباتية، واخترنا الأطعمة التي تتم زراعتها وفقاً لممارسات الزراعة البيئية والتجديدية، يمكننا تأخير يوم تجاوز الأرض 32 يوماً.
5- تعداد السكان
بينما تتوقع الأمم المتحدة أن نحو 11 مليار شخص سيعيشون على الأرض بحلول سنة 2100، توقعت تقديرات أخرى أن يصل العدد إلى 16 ملياراً، بينما وجدت دراسات صدرت في الشهور الأخيرة أن العدد قد يصل الى ذروته في النصف الثاني من القرن الحالي، قبل أن يبدأ بالتراجع إلى نحو 9 مليارات في بداية القرن المقبل. وعلى الرغم من التفاوت في تقديرات عدد السكان وكميات الاستهلاك لدى الشعوب المختلفة، فمع زيادة عدد السكان سيزداد الضغط على كوكب الأرض. الحلول القوية والإيجابية لمنع الانفجار السكاني معروفة، مثل تمكين النساء والفتيات، والفوائد الاجتماعية فورية وذات قيمة عالية في حد ذاتها. وفي حين تظهر الفوائد البيئية للإدارة السكانية على نحو أبطأ، لكن تأثيرها بمرور الوقت يكون كبيراً جداً.
الوضع حرج والحاجة إلى عمل سريع لا تحتمل التأجيل. فإلى أن نعثر على كوكب آخر شبيه بالأرض يمكننا الذهاب إليه، تبقى هذه الأرض هي كل ما نملكه.


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحياء غارقة بكاملها في مدينة نها ترانغ الساحلية بفيتنام جراء الفيضانات (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الوفيات من الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام إلى 43

أعلنت السلطات الفيتنامية، الجمعة، أن الأمطار الموسمية والانهيارات الأرضية الناجمة عنها أسفرت عن وفاة 43 شخصاً في فيتنام منذ مطلع الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هانوي)
بيئة طحالب خضراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

دراسة: طحالب استطاعت الصمود لمدة 283 يوماً في الفضاء

قال موقع «بوبيلر ساينس» إن الطحالب تمتاز بالقدرة على التكيف حيث إنها تعيش في بيئات قاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
آسيا  فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام (د.ب.أ)

مقتل 15 شخصاً جراء فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام

لقي ما لا يقل عن 15 شخصاً حتفهم وأُصيب 19 آخرون، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في فيتنام، بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية.

«الشرق الأوسط» (هانوي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.