فقر الدم الناجم عن نقص الحديد... الأسباب والتشخيص

إرشادات طبية جديدة لإجراء منظار المعدة والقولون

فقر الدم الناجم عن نقص الحديد... الأسباب والتشخيص
TT

فقر الدم الناجم عن نقص الحديد... الأسباب والتشخيص

فقر الدم الناجم عن نقص الحديد... الأسباب والتشخيص

أصدرت رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية AGA، في الثاني من سبتمبر (أيلول) الحالي إرشاداتها الإكلينيكية الجديدة حول تقييم سلامة الجهاز الهضمي لدى المصابين بـ«فقر الدم الناجم عن النقص المزمن للحديد». وتم نشرها في حينه ضمن مجلة الجهاز الهضمي Gastroenterology، كنهج إكلينيكي مبني على الأدلة العلمية الحديثة.
وأوضح الباحثون في مقدمة عرض هذه الإرشادات الإكلينيكية الجديدة أن «فقر الدم الناجم عن النقص المزمن للحديد» Chronic Iron Deficiency Anemia هو السبب الأكثر شيوعًا لفقر الدم في العالم. وأن من بين الأسباب الرئيسية، والعميقة في تأثيراتها الصحية، لنشوء «فقر الدم الناجم عن النقص المزمن للحديد» هو: وجود أمراض في الجهاز الهضمي يرافقها نزيف داخلي. وحينذاك يحصل تسريب للدم من الجسم وخروجه مع البراز إما بهيئة نزيف دموي واضح للعيان نتيجة لحصول نزيف حاد وشديد في وقت قصير، أو على هيئة نزيف دموي خفي Occult Bleedingنتيجة نزف بطيء ومستمر لفترات طويلة.
ولذا فإن في حالات «فقر الدم الناجم عن النقص المزمن للحديد»، التي لا تحصل نتيجة لسبب ظاهر، يجب فحص الجهاز الهضمي للتأكد من خلو أجزائه من أي أمراض يرافقها نزيف دموي داخلي. وخاصة عند ملاحظة تغيرات في لون البراز أو إثبات فحوصات البراز احتواءه على كميات ضئيلة وخفية من الدم FOB، أو وجود أعراض مرضية في الجهاز الهضمي أو الكبد.
- تسرب الحديد
وبتوضيح أدق، تناول الباحثون موضوع «تسريب» الحديد مع النزيف الدموي في الجهاز الهضمي عبر مقدمتين.
> المقدمة الأولى تتعلق بتعامل الجسم مع الحديد. أفاد الباحثون أن في الظروف العادية للجسم، يتم تنظيم التعامل مع الحديد بشكل دقيق في الدخول إلى الجسم والخروج منه. ودخول الحديد إلى الجسم يتم عبر امتصاص الأمعاء الدقيقة للحديد الموجود في الطعام. وبالنسبة لخروجه من الجسم، لا توجد آليه طبيعية تنظم عملية إخراج الحديد، كما هو الحال في المعادن الأخرى كالصوديوم والكالسيوم مثلاً عبر الكلى، ولكن الجسم «يفقد» يومياً في الحالات الطبيعية ما بين 0.25 (صفر فاصلة خمسة وعشرين) إلى 0.75 (صفر فاصلة خمسة وسبعين) مليغرام من الحديد، وذلك نتيجة تقشير خلايا الجلد الخارجية وإفراز العرق وتقشر خلايا بطانة أجزاء الجهاز الهضمي.
ويُعوض الجسم هذا الفقد عبر امتصاص الأمعاء لمزيد من حديد الطعام وعبر استخدام مخزون الحديد في الجسم. وثمة قدرة استيعابية جيدة للأمعاء الدقيقة في زيادة امتصاص للحديد Iron Absorptive Capacity، لتعويض النقص. وعليه، فإن نقص الحديد بالجسم يحدث فقط عندما ينفد مخزون الحديد في الجسم، وعندما يتجاوز فقدان الحديد القدرة الاستيعابية لامتصاصه في الأمعاء الدقيقة، وحينها تبدأ مراحل حصول حالة فقر الدم الناجم عن النقص المزمن للحديد.
> أما المقدمة الثانية للباحثين فتتعلق بكمية نزيف الدم. وأوضح الباحثون أن نزيف الجهاز الهضمي العلوي بكمية دم تفوق 100 مليلتر، قد يتسبب بتغير لون البراز عن الطبيعي وخروج براز ذي لون أسود Melena. ومعلوم أنه بسبب تفاعل أحماض المعدة مع الدم، يتحول لونه من الأحمر إلى البني الغامق أو الأسود، وهو ما يُغير لون البراز. ولكن فقدان ما بين 50 إلى 100 مليلتر من الدم قد لا يتسبب بتلك التغيرات الواضحة في البراز، وحينها يكون «نزيفاً خفياً» ولا يُلاحظ المريض أو الطبيب حصوله. وعندما يستمر هذا النزيف القليل الكمية لفترات زمنية طويلة، تظهر حالة فقر الدم الناجمة عن الفقدان المزمن للحديد.
- فحص الجهاز الهضمي
وعملياً، أفاد الباحثون أن أي آفة مرضية تسببت في تهتك الغشاء المخاطي المُبطن لأحد أجزاء الجهاز الهضمي، يمكن أن تكون السبب وراء حصول نزيف خفي، وبالتالي التسبب بفقر الدم الناجم عن نقص الحديد. وقال الباحثون: «في الواقع، ثمة طيف إكلينيكي واسع لمسببات فقر الدم الناجم عن نقص الحديد، لأن العديد من الآفات المرضية المختلفة - التي تحدث في العديد من المواقع المختلفة في الجهاز الهضمي- قادرة على التسبب بالنزف الدموي بطريقة خفية Bleeding Lesion».
وأوضحوا أن تقييم الجهاز الهضمي في هذه الظروف، يشمل بالدرجة الأولى كل من: منظار الجهاز الهضمي العلوي Upper GI، أي منظار المريء والمعدة والإثنا عشر Esophago-Gastro-Duodeno-Scopy، ومنظار الجهاز الهضمي السفلي Lower GI، أي منظار المستقيم والقولون Colonoscopy. وإجراء هاذين المنظارين لنفس المريض في نفس الوقت يُسمى إجراء «منظار داخلي ثنائي الاتجاه» Bidirectional Endoscopy.
- توصيات رئيسية
وتضمنت التوصيات الرئيسية للمبادئ التوجيهية الحديثة الصادرة عن رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية العناصر التالية:
> توصي رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية بشدة أن يقوم الأطباء بتوثيق وجود كل من نقص الحديد وفقر الدم بعناية قبل التقييم بالمنظار.
> توصي رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية بشدة أن يقوم اختصاصيو الجهاز الهضمي بإجراء منظار داخلي ثنائي الاتجاه (الجهاز الهضمي العلوي والجهاز الهضمي السفلي) للرجال الذين لا تظهر عليهم أعراض، وللنساء بعد سن اليأس المصابات بفقر الدم بسبب نقص الحديد.
> تقدم رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية بشكل مشروط نفس التوصية للنساء اللواتي في فترة ما قبل انقطاع الطمث، وتشجع في هذا الشأن على اتخاذ القرار بطريقة مشتركة بين الطبيب والمريضة. وإذا كان المريض يعاني من أعراض الجهاز الهضمي، فيجب تصميم التقييم التشخيصي وفقًا لذلك.
> إن أمكن، يجب إجراء التنظير الداخلي ثنائي الاتجاه في نفس الجلسة للمريض.
> إجراء اختبارات غير تدخلية Non-Invasive Testingلكشف عن كل من: بكتيريا هيليكوباكتر بيلوري Helicobacter pylori ( بكتيريا المعدة الحلزونية) ومرض سيليكCeliac Disease ( الداء البطني لتلف بطانة الأمعاء الدقيقة)، في المرضى الذين يعانون من فقر الدم بسبب نقص الحديد- ولا يشكون من أي أعراض لاضطرابات الجهاز الهضمي- قبل إجراء التنظير ثنائي الاتجاه. وتنصح رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية بعدم إجراء أخذ عينات خزعية Biopsiesمن أنسجة المعدة أو الاثني عشر إذا كانت لديهم نتائج سلبية لتلك الاختبارات.
> في المرضى الذين حالتهم مستقرة، ولا يشكون من أي أعراض لاضطرابات الجهاز الهضمي، والذين في نفس الوقت يعانون من فقر الدم بسبب نقص الحديد، ولم يتم تحديد أي مصدر محتمل لفقد الدم بعد التقييم الأولي باستخدام التنظير ثنائي الاتجاه وإجراء الاختبارات غير التدخلية، توصى رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية بإعطاء فرصة بتناول أدوية الحديد قبل التقدم بإجراء تقييم الأمعاء الدقيقة باستخدام التنظير الداخلي لكبسولة الفيديو Video Capsule Endoscopy.
- التنظير الافتراضي للقولون
> تفيد مصادر طب الجهاز الهضمي إلى التطورات في دقة فحوصات الأشعة المقطعية وفرت تقنية لفحص القولون بالأشعة المقطعية، وهي التي تُسمى طبياً بـ«تنظير القولون الافتراضي» Virtual Colonoscopy كوسيلة تشخيصية مفيدة وبديلة لمنظار القولون التقليدي، وخاصة في حالات سرطان القولون.
ويعتمد «تنظير القولون الافتراضي» على استخدام التصوير المقطعي المحوسب CT Scan للحصول على مئات الصور المقطعية العرضية Cross-Sectional Images لأعضاء البطن. ثم يتم جمع تلك الصور ودمجها بطريقة رقمية، للحصول على عرض مفصل لما هو داخل القولون والمستقيم.
وثمة دواع عدة لاستخدام هذه التقنية، ومن أهمها الكشف عن سرطان القولون في الأشخاص فوق سن 50 سنة والذين احتمالات وجود ذلك لديهم ليست مرتفعة ولا يتطلب الأمر خضوعهم لإزعاج إجراء منظار القولون. كما قد يرغب في ذلك بعض المرضى كبديل عن المنظار، أو كان الشخص عرضة لخطر مضاعفات النزيف بمنظار القولون، أو وجود عدد من الظروف الصحية الأخرى. وعادة ما يناقش الطبيب هذا الأمر مع مريضه.
- آليات مرضية متعددة
> فقر الدم هو حالة يفتقر فيها الدم إلى ما يكفي من خلايا الدم الحمراء «السليمة»، التي تنقل الأكسجين لأنسجة الجسم بكفاءة. ومن بين الأسباب المتعددة لفقر الدم، ثمة نوع «فقر الدم الناجم عن نقص الحديد». وفيه لا تحتوي خلايا الدم الحمراء على الكمية الكافية والفاعلة من مركبات الهيموغلوبين (التي تمنح الدم لونه الأحمر).
ومركبات الهيموغلوبين هي التي يرتبط بها الأوكسجين عند الانتقال من الرئة إلى أنسجة وخلايا الجسم كافة، وقلب مركب الهيموغلوبين هو عنصر الحديد.
وتحدث حالة «نقص الحديد» لسببين رئيسيين في الغالب: السبب الأول: زيادة تسريبه إلى خارج الجسم في حالات النزيف الخارجي أو النزيف الداخلي في الجهاز الهضمي، أو زيادة طمث الدورة الشهرية.
والسبب الثاني: نقص تزويد الجسم بالحديد. ونقص تزويد الجسم بالحديد يحصل في حالتين رئيسيتين. والحالة الأولى: نقص احتواء الغذاء اليومي على الكمية التي يحتاجها الجسم بشكل يومي من الحديد RDA، نتيجة لقلة تناول الأغذية الغنية بالحديد كاللحوم والبيض والخضروات الخضراء الغنية بالألياف والأطعمة المعززة بحمض الفوليك. وتعتبر اللحوم الحمراء من أفضل مصادر الحديد، لاحتوائها على الحديد في هيئة مركبات «حديد الهيم» Heme Iron، وهي سهلة الامتصاص على الأمعاء مقارنة بأنواع «حديد غير الهيم» الموجودة في أنواع المنتجات النباتية بالعموم. ولذا قد يكون الأشخاص الذين لا يتناولون اللحم أكثر عرضة للإصابة بفقر الدم الناتج عن نقص الحديد. كما يُمكن زيادة امتصاص الأمعاء للحديد من الغذاء، عبر زيادة تناول الأطعمة الغنية بفيتامين سي C.
والحالة الثانية: حصول «ظروف» غير طبيعية في الجهاز الهضمي تعوق امتصاص الحديد، كأمراض التهابات الأمعاء أو نقص أحماض المعدة أو ما بعد عمليات جراحات إنقاص الوزن وغيرها.
وعندما يكون فقر الدم الناتج عن نقص الحديد طفيفًا جدًا لا تتم ملاحظته وقد لا يتسبب بأي أعراض أو علامات، ولكن عند انخفاض مستوى الحديد في الجسم وتسببه بفقر واضح في الدم، تظهر عدة أعراض وعلامات، كالإرهاق الشديد، أو الضعف، أو شحوب الجلد، أو ألم الصدر، أو تسارُع ضربات القلب، أو ضيق النفس، أو الصُداع، أو الدوار، أو الدوخة، أو برودة اليدين والقدمين، أو التهاب أو ألم في اللسان، أو هشاشة الأظافر.
التنظير بالكبسولة... تصوير مباشر بالفيديو داخل الأمعاء
> يتمكن الأطباء اليوم من الحصول على صور نقل لمباشر لرؤية ما يجري داخل الأمعاء الدقيقة لفترة طويلة. والأمعاء الدقيقة تعتبر منطقة لا يمكن الوصول إليها بسهولة ولا يمكن تصويرها من الداخل باستخدام المناظير المرنة التقليدية المُستخدمة عادة لتصوير الجهاز الهضمي العلوي والقولون. ومعلوم أن التنظير التقليدي يتضمن استخدام أنبوب طويل مرن مزود بكاميرا فيديو وتمريره إما عبر الحلق إلى المريء والمعدة والاثنا عشر، أو عبر فتحة الشرج إلى المستقيم وأجزاء القولون إلى بدايته.
وعادة يتم إعطاء المريض تعليمات للإجراءات قبل وأثناء استخدام كبسولة التنظير. ومنها التوقُف عن تناوُل الطعام والشراب قبل الإجراء بـ12 ساعة على الأقل للحصول على صور أكثر وضوحاً للأمعاء الدقيقة. ويستطيع الشخص ممارسة الأنشطة المعتادة في حياته اليومية بعد ابتلاع الكبسولة، ولكن دون ممارسة التمارين الرياضية الشاقة أو رفع الأثقال.
ومن الناحية التقنية، فإن كبسولة التنظير بحجم كبسولة الفيتامينات الدوائية، وتحتوي على كاميرا فيديو. وبعد ابتلاعها مع الماء، تنتقل الكبسولة عبر مجرى أجزاء الهضمي، أي المريء ثم المعدة ثم الاثنا عشر ثم أجزاء الأمعاء الدقيقة ثم القولون ثم المستقيم، ثم تخرج مع البراز خلال بضعة أيام.
وخلال تلك الرحلة، تلتقط الكاميرا آلاف الصور التي تُرسل مباشرة إلى جهاز تسجيل يرتديه المريض على حزام حول خصره. وللتوضيح، يتم تثبيت رقع لاصقة على البطن، تحتوي كل منها على هوائي به أسلاك تتصل بمسجل. ويتم ارتداء المسجل على حزام خاص حول الخصر. وتعمل كاميرا الكبسولة على إرسال الصور إلى هوائي الرقع المثبتة على البطن، والتي ترسلها تباعاً إلى المسجل، الذي يقوم بتخزين الصور إلى حين مراجعتها وفحصها لاحقاً.
وتتعدد دواعي استخدام هذه التقنية التصويرية التشخيصية لمجاري الجهاز الهضمي، ومن أهمها استكشاف أسباب النزيف الدموي غير المبرر الذي من الممكن أن يكون مصدره الأمعاء الدقيقة بالذات. وكذلك تستخدم في الكشف عن مناطق الالتهاب في الأمعاء الدقيقة، أو لمراقبة رد الفعل المناعي تجاه تناول الغلوتين في داء سيليك (الداء البطني)، أو لكشف الأورام بأنواعها في الأمعاء الدقيقة أو أجزاء أخرى للمجرى الهضمي. وتشير مصادر طب الجهاز الهضمي إلى أن استخدام كبسولة التنظير هو إجراء تشخيصي آمن بالعموم، ويحمل مخاطر منخفضة جداً.
- استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.