بعد ميسي... برشلونة لن يعود أبداً كما كان

قد يندم النجم الموهوب يوماً ما إذا رحل... ولكن ندم الفريق الكاتالوني سيكون أشد مرارة

TT

بعد ميسي... برشلونة لن يعود أبداً كما كان

قال النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، في الليلة التي حصل فيها على جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم للمرة السادسة، إن «النهاية تقترب». وكان من الصعب على جماهير برشلونة أن تتخيل تلك اللحظة في ذلك الوقت، لكن الأمر أصبح أكثر صعوبة الآن، ولا يعود السبب في ذلك فقط إلى أنه بعد مرور 8 أشهر على تلك التصريحات، أصبحت النهاية أكثر قرباً وحتمية من أي وقت مضى، لأن هذه الجماهير كانت تعرف من داخلها أنه سيأتي اليوم الذي يعلق فيه الساحر الأرجنتيني حذاءه، ويعتزل كرة القدم.
ورغم أن ميسي قال في تلك التصريحات إن «عمري 32 عامًا»، فإن هذه الجماهير لم تكن بحاجة لتذكيرها بأن مسيرة البرغوث الأرجنتيني مع برشلونة تقترب من نهايتها بعد سنوات من التألق اللافت والعطاء الاستثنائي. لكن ما لم يتخيله أحد هو أن يرحل ميسي بهذه السرعة، وبهذه الطريقة، وأن تكون النهاية بهذه المرارة، وبهذا الشكل المحبط للغاية. وإذا كان مشجعو برشلونة يشعرون بالألم لمجرد تخيل الوقت الذي سيتوقف فيه ميسي عن اللعب، فإن الأمر يكون أشد إيلاماً عندما يفكروا في أنه سيتوقف عن اللعب لبرشلونة، ويذهب لاستكمال مسيرته مع ناد آخر.
ولا يتعلق الأمر برحيل ميسي فقط، لكنه يتعلق بتوقيت رحيله، وسبب رحيله، وكيفية رحيله، وإن كان لا يهم كثيراً النادي الجديد الذي سينضم إليه: مانشستر سيتي أم باريس سان جيرمان أم يوفنتوس. ما يهم حقاً هو أن ميسي سيرحل عن برشلونة، وسينضم لناد آخر، بغض النظر عن اسم هذا النادي. وعندما قال ميسي إن النهاية تقترب، فإن جمهور برشلونة كان يتخيل أن نهاية مسيرة ميسي مع برشلونة تعني نهاية مسيرته مع كرة القدم ككل، وأن مباراته الأخيرة ستكون مثل مباراته الأولى بقميص برشلونة، وأن الأسطورة الأرجنتينية سيحظى بوداع استثنائي، وإن كان مؤثراً مليئاً بالدموع، بشكل لم يحدث من قبل، ولن يحدث من بعد.
وعندما استخدم ميسي كلمة «اعتزال» في تلك الليلة، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أصيب جمهور النادي الكاتالوني بـ«ذعر جماعي»، وطالبو نجمهم المفضل ومعشوقهم الأول بألا يقول ذلك، وكأن هذا الجمهور يتجنب مجرد التفكير في حقيقة ستحدث لا محالة يوماً ما! وفور إطلاق ميسي لهذه التصريحات، سارع مجلس إدارة النادي بالتعليق على الأمر، وقال رئيس النادي، جوسيب ماريا بارتوميو: «ليو ما زال أمامه وقت طويل هنا».
وقد تحدث بارتوميو باسم ميسي عدة مرات. وفي كل مرة كان يفعل ذلك، يتزايد انزعاج النجم الأرجنتيني. فقد أكد رئيس برشلونة أن «ميسي ما زال أمامه الكثير»، وهي العبارة التي نُشرت في كل الصحف الرياضية الكاتالونية اليومية. ويقال إن الرياضيين يموتون مرتين: المرة الأولى عندما يعتزلون اللعبة، والثانية عندما يموتون بشكل طبيعي كبقية البشر. وقد تشبث برشلونة بالسنوات الأخيرة لميسي وكأنه يحاول أن يؤخر قدراً لا مفر منه.
لكن اتضح أن لم يبقَ سوى عام واحد فقط في مسيرة ميسي مع برشلونة. فبعدما قضى النجم الأرجنتيني 20 موسماً مع النادي الكاتالوني، من بينها 17 موسماً في الفريق الأول، وبعد قيادة الفريق للحصول على 34 لقباً، وإحراز 634 هدفاً، يبدو أن الانفصال بات شيئاً مؤكداً بين الطرفين. ومن المؤكد أن هذه الخطوة -في حال حدوثها- ستنزل كالصاعقة على نادي برشلونة، وعلى الدوري الإسباني الممتاز ككل، اللذين يواجهان بالفعل تحديات هائلة في الفترة الحالية.
لكن ربما لا تكون هذه هي المشكلة الحقيقة، فاللاعبون يتجنبون الحديث عن الاعتزال، ويخافون منه كما يخاف بقية البشر من الموت، على حد قول الأرجنتيني خورخي فالدانو، المدير التنفيذي السابق لنادي ريال مدريد، لكن هذا مصير محتوم، ولا بد من حدوثه في يوم من الأيام. وقد رأينا كثيرين من اللاعبين الأفذاذ وهم يتوقفون عن ممارسة كرة القدم في السابق، لكن رحيل ميسي لن يكون سيئاً لبقية مشجعي كرة القدم، لأنه سيكون من المثير للغاية أن نراه يلعب في مكان آخر، لكن المشكلة الأكبر سيعاني منها جمهور برشلونة بكل تأكيد.
لقد كان من الواضح للجميع أن برشلونة يعاني منذ فترة طويلة، وقد بلغ الأمر ذروته إلى أن وصل إلى الانهيار. وإن انتقال أي لاعب مهما كان حجمه عن أي ناد لا يحدث قدراً كبيراً من الصدمة، لكن الأمر يختلف تماماً عندما نتحدث عن لاعب بقيمة وأهمية وحجم ميسي. لقد وقع ميسي لبرشلونة على منديل ورقي، ووقع مستشار رئيس النادي في ذلك الوقت تشارلي ريكساش ووالد ميسي على هذا الاتفاق على المنديل وهما في الطريق إلى نادي برشلونة.
لكن ما الذي دفع هذا النجم الأرجنتيني لكي يرسل خطاباً رسمياً إلى برشلونة في الساعة 7:20 مساء يوم الثلاثاء، يطلب فيه الرحيل عن «كامب نو». لقد تجاوز الأمر الآن مرحلة التفاوض أو المصالحة بين الطرفين، بعدما أرسل ميسي إشعاراً قانونياً بنيته الرحيل، على أن يرحل في صفقة انتقال حر، نظراً لأن عقده مع برشلونة يضم بنداً يسمح له بالرحيل.
ويوم الأربعاء الماضي، قال المدير الرياضي لبرشلونة، رامون بلانز، إنه يريد بناء فريق قوي حول أفضل لاعب في العالم، وهي فكرة رائعة حقاً، لكن ربما يبدو أن النادي قد فكر فيها متأخراً كثيراً، لأنه في الليلة السابقة لتلك التصريحات كان النادي قد أرسل فاكساً يؤكد فيه أن بند الرحيل لم يعد قابلاً للتطبيق، بعدما مر عليه بعض الوقت وانتهت صلاحيته.
ويقول النادي إنه إذا كان ميسي يريد الرحيل، فإنه كان يتعين عليه إبلاغ النادي قبل 10 يونيو (حزيران) الماضي، وفقاً لهذا البند، وإن ميسي قد أرسل الخطاب الذي عبر فيه عن رغبته في الرحيل في 25 أغسطس (آب)، وهو ما يعني أن فرصته في الرحيل قد مضى عليها وقت طويل. وأراد النادي تذكير ميسي بأن قيمة الشرط الجزائي في عقده تبلغ 700 مليون يورو، مؤكداً رغبته في استمرار اللاعب الأرجنتيني بين صفوفه.
وفي الحقيقة، لم تكن هذه طريقة جيدة من النادي للبحث عن المصالحة. وعندما يصل الطرفان إلى النقطة التي يتحدثان فيها عن طريق المحامين والرسائل الرسمية، فهذا يعني أنه لم يعد هناك أي قدر من الحب بين الطرفين، وأن كل ما تبقى هو التفاوض أو القتال للحد من الأضرار أو المخاطرة بمضاعفة تلك الأضرار. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما صيغة هذا البند، وهل يضع تاريخاً محدداً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإن الموقف القانوني واضح تماماً. لكن إذا لم يكن الأمر كذلك، وإذا كان البند به قدر كبير من الغموض، كأن يشير بدلاً من ذلك إلى بعض الاختلافات في «نهاية الموسم»، فيمكن مناقشة ذلك في المحكمة. نعم، قد ينتهي الأمر بوقوف النادي وقائده التاريخي في ساحة القضاء!
إنه ليس قائد برشلونة فحسب، لكنه أفضل لاعب في تاريخ النادي، بل وربما أفضل لاعب في تاريخ الساحرة المستديرة ككل. وبالتالي، لا يوجد حل مرض للطرفين الآن. وإذا انتهت المعركة عندما اضطر ميسي لإبلاغ برشلونة بقراره، فإن هذا يعني أن برشلونة قد خسر الحرب بالفعل. فكيف سيتصرف النادي في هذا الموقف؟ وكيف وصل إلى هذه النقطة من الأساس؟ وإلى أي مدى يمكن أن يكون الأمر سيئاً لو صمم ميسي على الرحيل -ويبدو أنه مصمم للغاية في واقع الأمر لدرجة أنه قرر إبلاغ النادي بهذه الطريقة؟ عندما نعود بضع سنوات إلى الوراء، سندرك أن ميسي عندما جدد تعاقده مع النادي في عام 2017، كان مصمماً على وضع شرط يسمح له بالرحيل وقتما يريد.
لكنه على مدار العامين الماضيين لم يرحل، رغم أنه كان بإمكانه القيام بذلك. لكن الفريق واصل الانهيار، وتدهور النادي بشكل واضح للجميع، وتعرض لخسارات ثقيلة في كثير من المناسبات: أمام روما وليفربول، وفي لشبونة. واتسعت الفجوة بين مجلس إدارة النادي وميسي، بعدما فشل المسؤولون في أن يجعلوه يشعر بالسعادة. وقال ميسي بحسرة: «إننا لا نعطي المشجعين شيئاً». ورغم أنه لا يمكن إعفاء ميسي من المسؤولية تماماً، فإنه شاهد أفضل سنوات مسيرته الكروية تمر أمامه من دون أن يحصل على لقب دوري أبطال أوروبا، ورأى زملاءه وهو يرحلون واحداً تلو الآخر، ورأى لاعبين جدداً وهم يأتون ويفشلون. وبالتالي، رأى النجم الأرجنتيني أن الوقت قد حان للانسحاب، والبحث عن تجربة جديدة.
ولا تتمثل الصدمة في أن ميسي الذي ظهر غضبه وإحباطه بشكل متزايد في الفترة الأخيرة قد اتخذ هذا القرار، ولا تتمثل في أن العلاقة بينه وبين المسؤولين سيئة، لكنها تتمثل في أن العلاقة قد وصلت إلى هذه الدرجة من السوء! لقد كانت هناك مواجهة بين الطرفين، وكانت هذه المواجهة على الملأ في كثير من الأوقات، وكان من الواضح أن غضب ميسي يزداد بمرور الوقت، لكن لم يكن أي شخص يشعر بأن هناك تهديداً حقيقياً لبقاء النجم الأرجنتيني في برشلونة، وبالتأكيد لم يكن النادي يرى هذا التهديد من الأساس، وكان يتعامل مع ما يقوم به ميسي على أنه شكل من أشكال الردع، وليس تهديداً حقيقياً. لم تكن المفاجأة في وجود مشكلات بين الطرفين، لكنها كانت في عمق وشدة هذه المشكلات التي اتضح أنه لا يمكن إيجاد حلول لها. وعندما بدأ النادي يتحرك الآن، عمق هذه المشكلات، بدلاً من أن يحلها.
ويجب أن نعرف أن هذه الأزمة مستمرة منذ 5 سنوات أو أكثر، ووصلت إلى الدرجة التي جعلت ميسي يقرر التضحية بكل شيء: ناديه، ومنزله، وخططه المستقبلية. وعندما اتخذ ميسي هذا القرار، أعلن كارليس بويول دعمه له، ورد لويس سواريز بالتصفيق، وقال أرتورو فيدال إنه عندما يُحَاصر النمر، فلا بد أن يخرج للقتال. لقد تحول الأمر إلى حرب، وبات العداء واضحاً للجميع على الملأ. وفي خضم هذا الصراع، ما الخيارات المتاحة للنادي الكاتالوني، بعدما قرر أهم وأفضل رمز في تاريخ النادي الرحيل؟ ولا توجد هناك طريقة الآن للتراجع. وحتى لو تم إقناع ميسي بالبقاء، فإن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه مرة أخرى.
لقد رأى بعضهم تحرك ميسي وسيلة للضغط، ومحاولة أخيرة لفرض التغيير في أعلى المناصب التنفيذية بالنادي، لكن الأمور تجاوزت حتى رئيس النادي بارتوميو الذي قرر ألا يستقيل مهما حدث. ومن المؤكد أن القرار الذي اتخذه ميسي سوف يغير كل شيء بالنسبة للجميع، ويتسبب في أضرار بالغة، ليس لأن ميسي قرر الرحيل عن النادي، ولكن بسبب الطريقة التي رحل بها. وسيعاني برشلونة كثيراً، حتى لو حصل على ما يكفي من المال لحل الأزمة المالية التي يعاني منها -من الممكن أن يحصل على 300 مليون يورو من بيع ميسي، بالإضافة إلى توفير راتبه الضخم- وحتى لو تمكن من بناء فريق قوي يفوز من دون ميسي، وحتى لو خرج كثير من اللاعبين من ظل ميسي، وحتى لو لم يقدم النجم الأرجنتيني المستوى المتوقع منه مع النادي الجديد الذي سينضم إليه، وحتى لو أعرب بعد ذلك عن ندمه على الرحيل. حتى لو حدث كل ذلك، فإن برشلونة كان يتمنى ألا تحدث هذه الخطوة، وكان يمني النفس بأن يلعب النجم الأرجنتيني آخر مباراة في مسيرته الكروية بقميص برشلونة.
هداف خرافي، محطم لأرقام قياسية لا تحصى، متوج بجائزة الكرة الذهبية في 6 مناسبات، يجمع 34 لقباً في رصيده، أمضى ميسي مسيرة كاملة امتدت لأكثر من 20 عاماً مع ناد واحد هو برشلونة، حتى بات كبيراً جداً عليه، وراغباً اليوم بالرحيل عنه. أصبح ميسي في الوقت عينه أيقونة عالمية في كرة القدم، وهو يشكل مدعاة فخر محلياً بقدر ما هو رمز عالمي. وكان إعلان الثلاثاء عن رغبته في الرحيل عن النادي الذي نشأ فيه بمثابة زلزال هز المدينة التي تخيلت أن ينهي مسيرته في ملعب «كامب نو». وقال المدير الرياضي الجديد بلانز، بعد إعلان النجم الأرجنتيني رغبته في الرحيل: «زواج ميسي مع برشلونة حقق الكثير للاثنين؛ يجب أن يكون هناك احترام هائل لما يمثله ميسي ولتاريخه».
ولن يؤثر رحيل ميسي على الفريق خلال العام المقبل فقط، لكنه سيؤثر عليه كل عام، وستظل لحظة رحيل النجم الأرجنتيني موجودة دائماً جزءاً من الإرث الضائع الذي خسره النادي، والذي كان يتمنى ألا يفقده. لقد تحول رحيل ميسي إلى رمز للانهيار، والفشل الذريع الذي عانى منه النادي، والأزمة التي دمرت كل شيء في وجهها. وسيتذكر المشجعون دائماً الوقت الذي ساءت فيه الأمور لدرجة أن أفضل لاعب في تاريخ النادي قرر أن يرحل عن طريق إرسال خطاب لمجلس إدارة النادي بهذه الطريقة!


مقالات ذات صلة

«السوبر الإسباني»: الريال والبرشا يشعلان الرياض بـ«كلاسيكو الأرض»

الرياضة من تدريبات الريال استعدادا للنهائي (رويترز)

«السوبر الإسباني»: الريال والبرشا يشعلان الرياض بـ«كلاسيكو الأرض»

تتجه أنظار الملايين من عشاق الكرة العالمية، مساء اليوم، صوب العاصمة السعودية، الرياض، وذلك لمتابعة القمة المرتقبة و«الكلاسيكو» التاريخي المتجدد (كلاسيكو الأرض)

سلطان الصبحي ( الرياض)
رياضة عالمية ميشيل مدرب جيرونا ولاعبيه يحتفلون بالانتصار على اوساسونا وانتزاع قمة الترتيب (ا ف ب)

جيرونا... «مفاجأة الموسم» يتحدى عمالقة إسبانيا على الصدارة

مع معاناة ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيكو مدريد للحفاظ على ثبات المستوى وإهدار نقاط ثمينة في الأسابيع القليلة الماضية، تقدم جيرونا للصدارة وتربع على قمة ترتيب

«الشرق الأوسط» ( مدريد)
رياضة عالمية المهاجم الدولي أليخاندرو (أ.ب)

غوميز نجم الأرجنتين يرفض الاتهامات بتعاطي المنشطات

نفى المهاجم الدولي الأرجنتيني أليخاندرو (بابو) غوميز، الأحد، تعاطيه المنشطات، وذلك رغم إيقافه لمدة عامين.

«الشرق الأوسط» (روما)
رياضة عالمية مجلس مدينة مدريد طلب من السكان البقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة (لاليغا)

تأجيل مباراة أتلتيكو مدريد وإشبيلية بسبب الأمطار

أجلت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم مباراة أتلتيكو مدريد وضيفه إشبيلية الأحد في ختام منافسات المرحلة الرابعة، بسبب سوء الأحوال الجوية والأمطار الغزيرة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
رياضة عالمية بيلينغهام  (رويترز)

أنشيلوتي يثني على تألق بيلينغهام في الـ«ريمونتادا»

أشاد الإيطالي كارلو أنشيلوتي المدير الفني لريال مدريد بفوز فريقه على مضيفه ألميريا 3-1 في الجولة الثانية من الدوري الإسباني لكرة القدم. وتقدم ألميريا بهدف

«الشرق الأوسط» (مدريد)

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.