لا تعيش الممثلة قصص شخصيات أدوارها فحسب، بل إن لها قصتها الخاصة في مواقع التصوير. وهي حكايات قد تختلف في تفاصيلها لكنها تشترك في التنديد بالأجواء الذكورية التي تسيطر على ميدان الإنتاج السينمائي في فرنسا. هذا هو مضمون فيلم «بيغماليونات» الذي اشتركت في أدائه 11 فنانة ممن يشتغلن في باريس، وتتنوع وظائفهن ما بين التمثيل والإخراج والإنتاج والتقنية والوكالة الفنية.
حرمت «كورونا» الجمهور العريض من مشاهدة هذه الوثيقة التي تشبه صرخة احتجاج تنطلق من مجموعة حناجر مرة واحدة. فقد تم إغلاق صالات العرض بعد فترة وجيزة من نزوله إليها. وهو فيلم يجمع فنانات من أصول مختلفة، أوروبية وأفريقية وجدن فرصهن في دهاليز صناعة السينما الفرنسية، حيث يتصور كل منتج أو مخرج أن له كامل الفضل عليهن.
فهو المُكتشف، أو «بيغماليون» الذي يتوجب الانحناء له حتى آخر العمر. نسمع الممثلة آن ريشار في الشريط الترويجي للفيلم تقول: «الممثلة الحريصة والمتطلبة في موقع التصوير هي امرأة مزعجة. أما الممثل المتطلب فهو فنان مجتهد». ثم تتوالى الشهادات وبنوع نادر من الجرأة والصراحة لتكشف الوجه الآخر لعالم السينما الذي تحلم الكثيرات ببلوغه. ومن الواضح أن انتفاضة الأميركيات المشتغلات في هذا الميدان وانطلاق حركة «مي تو» لفضح المتحرشين قد ساهمت في تشجيع زميلاتهن في أوروبا على الاقتداء بهن. لكن الموضوع هذه المرة لا يهتم بظاهرة التحرش بل بالغبن الذي تعاني منه المرأة بالمقارنة مع زميلها في المهنة نفسها. فمن المفردات التي تتكرر كثيراً على ألسنة المتحدثات: «تمييز»، «تفرقة جنسية»، «تجربة مهنية»، «سلطة تعسفية»، «قلة التنوع». وترى المشاركات في الفيلم أن ميدان السينما هو المرآة النموذجية التي تعكس مشكلات المجتمع الفرنسي.
هذا الفيلم لم تخرجه امرأة بل رجل. ويشرح المخرج كوينتن ديلكور أنه وجد من المفيد المشاركة في كشف هذا الواقع وفي إعطاء الكلمة للنساء وتحرير الكلام. وقال في تصريح له: «لم يكن هدفي تحقيق سبق صحافي، فأنا لست صحافياً. لكن دوري كان نصب الكاميرا ومنح المتحدثات أذناً صاغية لكي يشرحن بأنفسهن المواقف غير المنصفة التي تواجههن في عملهن. وديلكور يعرف الوسط السينمائي مثل راحة كفه. فهو قد عمل مخرجاً ومنتجاً ونفذ المونتاج للعديد من الأفلام. وهو قد عرض الفكرة على مجموعة من زميلات المهنة ووافقت 11 منهن على خوض المغامرة. ونلاحظ أن بين المتحدثات عدداً من ذوات الأصول العربية والأفريقية. وهذا ما يفسر تكرار الكلام عن التمييز العرقي. ومنهن المخرجة نادرة عيادي والممثلات حفصية حرزي وستيفي سلمى وآيسة مايغا.
يفتح الفيلم حواراً ذكياً وحميماً ولا يخلو من فكاهة حول قضايا تتجاوز الفن السابع إلى ظواهر تشغل فرنسا ككل، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. وهو ليس شريطاً لتصفية أي حسابات ولا لفضح هذا أو ذاك أو للانتقام من أي كان؛ بل لكشف الظلم السائد بسبب الجنس ولون البشرة واللكنة، رغم أن جميع المتحدثات مواطنات فرنسيات، وهن يطلبن جميعاً أن تكون لهن حصتهن العادلة في السينما وفي المجتمع.
11 سينمائية فرنسية ينتفضن ضد التمييز العرقي والجنسي
11 سينمائية فرنسية ينتفضن ضد التمييز العرقي والجنسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة