المصممون اللبنانيون يخيطون جراحاتهم وخساراتهم بالأمل

بين الغضب والإحباط من مستقبل غامض

مقر الثنائي «قزي أند أسطا» وهي بناية تاريخية انتقلا إليها بعد الانفجار
مقر الثنائي «قزي أند أسطا» وهي بناية تاريخية انتقلا إليها بعد الانفجار
TT

المصممون اللبنانيون يخيطون جراحاتهم وخساراتهم بالأمل

مقر الثنائي «قزي أند أسطا» وهي بناية تاريخية انتقلا إليها بعد الانفجار
مقر الثنائي «قزي أند أسطا» وهي بناية تاريخية انتقلا إليها بعد الانفجار

«لقد عشنا حرباً أهلية وتعرضنا لعدة غارات، لكن الانفجار الأخير في 4 أغسطس (آب) كان مختلفاً. فقد خرب في دقائق ما كانت الحرب تخربه في شهر»، هذا ما قاله معظم المصممين الذين تحدثنا إليهم بعد انفجار مرفأ بيروت. الحزن العميق الذي تستشفه بين السطور، لا تمحيه أو تخففه مكابرتهم وهم يرددون بأنه بالرغم من خسائرهم الجسيمة والدمار، هم أحسن من غيرهم لأنهم لا يزالون أحياء.
المصمم الشاب أمين جريصاتي، نجى من الموت بأعجوبة. يقول: «دُمر بيتي ومشغلي تماماً في أربع دقائق، وما زلت أعيش الكابوس لحد الآن، ولا أستطيع أن أنسى صوت الانفجار وهو يدوي في أذني ما بين 6.01 و6.08 مساء. كان مخيفاً ولا يزال يُدمرني على عدة مستويات». أصيب أمين في رأسه ويده، وقضى ساعات طويلة متنقلاً من مستشفى إلى آخر بسبب الفوضى وكثرة المصابين وقلة الحيلة. في طريقه كان يقاوم ملوحة الدم وهو يسيل من رأسه ورؤية منظر الأشلاء المتناثرة في الطرقات. لا يستطيع أن يمحيها من ذاكرته إلى اليوم. لم تكن منطقة مار مايكل حيث يوجد مشغله المنطقة المتضررة الوحيدة. فتأثير الانفجار وصل إلى شوارع الموضة الأخرى. الواجهات التي كانت تستعرض أجمل الأزياء تحولت إلى خراب.
في الظروف العادية وفي مثل هذه الحالات، فإن المتضررين عموماً يحصلون على تعويضات من شركات التأمين، لكن المسألة معقدة في لبنان. فنتيجة للانهيار الاقتصادي، لم تكن لأغلب المصممين الشباب تحديداً، الإمكانات لدفع رسوم التأمين، الأمر الذي يعني أن خساراتهم لن تُعوض. ومع ذلك، فإنهم لا يشعرون بالندم لعدم تأمينهم على أنفسهم، لأن تضخم العملة كان سيجعل التعويض رمزياً وغير متكافئ مع المبلغ الذي كان عليهم دفعه. الأمر لا يتعلق بالشباب فحتى المصممين الكبار من أمثال إيلي صعب، وزهير مراد وكيروز لم ينجوا من تأثير الصدمة. فهم أيضاً تعرضت منازلهم ومحلاتهم ومشاغلهم للدمار.
بالنسبة لزهير مراد، فإن الدمار الذي تعرض له مبناه لم يقتصر على الخسارة المادية حسبما قاله لموقع «بزنس أوف فاشن»: «لقد خسرت أيضاً ذكرياتي... لأني بنيت كل شيء طوبة طوبة وأشرفت على كل صغيرة وكبيرة بنفسي. كان حلمي أن أبني دار أزياء تحمل اسمي في مدينتي... في بلدي، لكن في ثانية واحدة تهدم كل شيء».
ما تجدر الإشارة إليه أن صناعة الموضة في لبنان كانت تعاني حتى قبل انفجار يوم 4 أغسطس، بسبب «كوفيد - 19» عموماً وانهيار الاقتصاد اللبناني خصوصاً. لم تكن هناك حركة بيع تُذكر رغم أن الصيف كان يعتبر في الماضي الموسم الذي تشهد فيه المبيعات ارتفاعاً، كونه موسم الأعراس والأفراح. التضخم الاستهلاكي وانهيار العملة وصعوبة توفر السيولة، جعل الموضة تكتوي بغلاء الأسعار وأدى إلى عزوف المستهلك عنها. فإلى جانب أنه ليس هناك ما يُبرر أسعارها المتضخمة بالنسبة له، فإن الحياة المعيشية جعلته يلهث وراء أولويات أخرى رغم صعوبة الأمر بالنسة له بالنظر إلى أنه يعشق الجمال. فإلى عام 2017، كانت الموضة جزءاً من ثقافة البلد ومن صناعة الإبداع فيه، حيث كانت تقدر بـ1.5 مليار دولار. رقم قد لا يكون ضخماً مقارنة بالسوق السعودية أو الإماراتية مثلاً، لكن لا يستهان به بالنظر إلى حجم لبنان. ما كان يفتقده في المبيعات كان يعوض عنه بالابتكار. فقد تحول في السنوات الأخيرة إلى أهم عاصمة عربية في صناعة الأزياء والإكسسوارات والمجوهرات بفضل مجموعة من الشباب، الذين كلما تعقدت الأمور السياسية تفجرت طاقاتاهم الفنية. كان الأمر بالنسبة لهم تحدياً حتى إن لم تعد عليهم بالربح المادي. كان يكفيهم أن يتألق اسمهم عالمياً. الانفجار كان ضربة قاسية قد لا يتعافى منها بعضهم.
يقول المصمم الشاب سليم عزام: «لقد كنا نعاني من أزمة خانقة قبل الانفجار. لم نكن نسجل أي مبيعات تُذكر على المستوى المحلي لأن الناس، وبكل بساطة، لم تكن تتسوق». لكن الوضع بالنسبة له تعقد أكثر حالياً، لأنه لا يوجد بصيص أمل في الأفق «فنحن لا نعرف ماذا سيحصل وتركيزنا الآن ينحصر على تجاوز هذه المحنة بأي شكل». الأمل بالنسبة للمصممين الشباب من أمثال سليم وروني الحلو وأمين جرايصاتي وأندريا وازن وقزي أند أسطا وغيرهم، ممن كانوا يشكلون حركة شبابية في مجال الأزياء والاكسسوارات، مُعلق على الدعم الخارجي، لأنهم فقدوا الأمل بالحلول المحلية.
من قلب المستشفى في انتظار دوره لفحص ومعاينة جُرح رأسه، يقول لي أمين جريصاتي بغضب: «لقد مللت من حالتنا... ضحيت بكل شيء لكي أبقى في بلدي. كانت لدي عدة فُرص عمل مُغرية في الخارج، رفضتها دون تردد. أنا لم أُخل بوطني لكن وطني خذلني. كل ما أحتاجه أن أعيش حياة كريمة وعادية... لكن هذه ليست حياة».
ويتابع: «بعد الحادث كان الكل يهنئنا بالسلامة، لأننا ما زلنا أحياء... لكن هل هذا هو الحق الوحيد الذي نتمتع به؟ أن نتنفس؟ نعم أحمد الله أني ما زلت على قيد الحياة، لكن هذا لا يكفي. لقد استثمرت كل شيء في وطني، بما في ذلك عواطفي، وما المقابل؟ لا شيء، فنحن لا نتمتع بأي حقوق إنسانية أو صحية أو معيشية. الآن لو أتيحت لي الفرصة لكي أركب طائرة وأهاجر، سأفعل من دون تردد». لكن بين الغضب والخوف والإحباط، لا تزال هناك شعلة من التحدي في البناء، لكن بنغمة مختلفة تعقد آمالها هذه المرة على الدعم الخارجي أولاً وأخيراً. «فالإبداع وحده لا يكفي إذا لم يخرج إلى العالم»، حسب قول المصمم روني حلو: «العديد منا لن يتمكنوا من الوقوف على أرجلهم بعد هذه الضربة من دون مساعدة». ويضيف: «يحز في نفسي أن أعترف بأنه ربما لن نستطيع أن نعود ثانية إذا لم نتلقَ أي دعم خارجي»، لكنه يعود ويكرر أن هذه هي الحقيقة التي على العديد من المصممين الشباب مواجهتها.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.