A Man Called Fox (2011)
***
لهذا الفيلم الحديث، نسبياً، والمنسي، كلياً، عنوان آخر هو «أوبا: الساموراي الأخير» لكن عنوانه الوارد هنا هو الأصلي وهو الأنسب للموضوع وطروحاته.
هو حكاية تُكنى بوقائع تاريخية لكنها مبنية على نحو خيالي غالب لتطرح حكاية مفادها رفض قائد ياباني اسمه أوبا (يوتاكا تاكينوشي) الاستسلام للقوات الأميركية رغم فشل الهجوم المستميت الذي قام به الجيش الياباني لرد غزو الجيش الأميركي للجزر اليابانية والفلبينية القريبة.
في عام 1944 قررت القيادة اليابانية دفع نحو 4 آلاف جندي ياباني لمحاولة انتصار بدت محتملة لديها لكنها في الواقع لم تكن سوى عملية انتحارية واسعة أدت إلى خسائر بشرية جسيمة تكبد معظمها اليابانيون (نحو 4 آلاف قتيل وجريح) بينما خسر الأميركيون نحو 2000 حسب كتاب وضعه الأميركي دون جونز حول تلك المعركة.
أحد الناجين اليابانيين من تلك الموقعة كان الكابتن أوبا الذي جمع ما تبقى من رجاله (قرابة خمسين جندياً) ولجأ إلى الأدغال العميقة حيث استكمل الحرب حتى من بعد أن اعترفت القيادة اليابانية بالهزيمة. وهو عمد إلى زيادة عدد قوّاته بضم مواطنين عزّل من الجزيرة وتدريبهم على القتال.
عمد أوبا إلى تكتيك حرب العصابات رافضاً فكرة الهزيمة، ومواصلاً القتال حيث توقّف الآخرون. والسرد يسير متوازياً. من ناحية لدينا حكايته ومواقفه والحرب الذي يشنها مؤمناً بإمكانية النصر، ومن ناحية ثانية لدينا وجهة نظر القيادة الأميركية التي تتضح مع قرار القائد بولارد (دانيال بولدوين) معالجة الوضع بشن معركة كاسحة ضد أوبا ورجاله للقضاء عليهم. صعوبة تحقيق مثل هذه الرغبة استدعت أن يستبدل به قائد آخر (تريتي ويليامز) الذي فضّل القيام بمهمّة التواصل مع القائد الياباني سلمياً لعله ينجح فيما فشل فيه القائد بولارد.
اهتمام الفيلم بسرد وجهة النظر الأميركية لا يسطو على العمل ليلغي موضوعه الأساسي المناط بقضية الكابتن آوبا ودوافعه الوطنية. جزء كبير من الأحداث في هذا الإطار يدور في داخل معسكر هذا القائد. تجميع المواطنين. بث الحلم بالانتصار بينهم ثم متابعة تحوّل العديد منهم عن هذا الحلم مدركين صعوبة تحقيقه. وعلى غرار فيلم أكيرا كوروساوا «الساموراي السبعة» (1954) هناك مشاهد متوالية لقيام القائد بتدريب المدنيين البسطاء على القتال. لكن المنوال هنا ليس إنقاذ الفلاحين من عصابة تهدد محاصيلهم بل دفع المواطنين للقتال جنباً إلى جنب أوبا ورجاله حتى من بعد إدراك هؤلاء أن النصر مستحيل. هذا ما يخلق حالة توتر مسكونة بالخوف من إعلان الرغبة في الاستسلام والقبول بالهزيمة.
هناك مخرجان لهذا الفيلم هما الياباني هايديوكي هيراياما والكندي سيلين غلوك (الذي كان أحد واضعي السيناريو عن كتاب للأميركي دون جونز). اختيار أن يكون للفيلم مخرجين أحدهما يعرف التعامل مع وجهة النظر والثقافة الغربيّتان والآخر ينطلق من فهمه الكامل لكل ما هو ياباني السلوك والثقافة يذكّر بفيلم حربي آخر هو «تورا تورا تورا»، الذي تصدّى له الأميركي رتشارد فلايشر مع اليابانيين كينجي فوكاساكا وتوشيو ماسودا سنة 1970.
يذكّر أيضاً بالرغبة ذاتها التي دفعت المخرج كلينت إيستوود لتحقيق فيلمين متواليين حول الموضوع الأول («رايات آبائنا» (2005) الذي نقل وجهة النظر الأميركية في معركة إيو جيما، والثاني «رسائل من إيوا جيما» (2006) الذي نقل وجهة النظر اليابانية.