«أمين العهدة»... «موسوعة أثرية» تتنقل في المتاحف المصرية

يعرف تفاصيل كل قطعة وتاريخها

«أمين العهدة»... «موسوعة أثرية» تتنقل في المتاحف المصرية
TT

«أمين العهدة»... «موسوعة أثرية» تتنقل في المتاحف المصرية

«أمين العهدة»... «موسوعة أثرية» تتنقل في المتاحف المصرية

مدفوعٌ بمُقتضيات وظيفته أحياناً، التي تتضمن المسؤولية الكاملة عن عدد محدد من القطع الأثرية، أو تكرار الاحتكاك اليومي بالمُقتنيات، يتحول «أمين العهدة» في المتاحف المصرية مع مرور الوقت إلى «موسوعة أثرية مُتنقلة» تجوب المتاحف المصرية بأقسامها المتنوعة، بفعل شغفه الدائم بالقطع الأثرية النادرة، ليصبح خبيراً بأمرها وتاريخها وأهميتها، ومدى احتياجها للترميم أم لا، ومتى يمكنها المشاركة في معارض للجمهور.
تُقسّم المُقتنيات الموجودة في كل متحف مصري بين أكثر من «أمين عهدة» طبقاً للفترات التاريخية في المتاحف الصغيرة، حيث يتطلب التوزيع عدداً أقل من أمناء العهدة، يكون كل واحد منهم مسؤولاً عن المُقتنيات التي تعود إلى حقبة تاريخية محددة أو أكثر، فتُسند مسؤولية القطع التي تنتمي إلى العصر الفرعوني إلى أحدهم، وآخر يكون مسؤولاً عن العصر الإسلامي أو القبطي، وفي المتاحف الكبيرة يتم التقسيم حسب نوع المُقتنيات، التي تُصنّف بحسب المواد التي صنعت منها، فتُسند مسؤولية المعادن مثل الفضة والنحاس والأواني وغيرها إلى أمين واحد.
واتبعت المتاحف المصرية أخيراً نظام «العهدة الدوارة»، بعدما كان «أمين العهدة» في السابق يظل مسؤولاً عن عهدته إلى أن يُحال إلى التقاعد، ويقضي النظام الجديد بأن يُغيّر كل ثلاث سنوات، حيث يتسلم مسؤولية قطع أثرية أخرى، وهو نظام عزز اكتساب خبرات متنوعة ومعرفة بجميع مُقتنيات المتحف، كما فتح مجالاً للأجيال الجديدة من الأثريين لتولي المسؤولية وفقاً للدكتور أشرف أبو اليزيد، مدير عام متحف النسيج المصري، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «نقل مسؤولية العهدة كل ثلاث سنوات من شخص إلى آخر أتاح الفرصة للأجيال الجديدة لشغل مواقع وظيفية متنوعة والتدرج في العمل المتحفي والأثري».
ويؤكد أبو اليزيد أن «نظام العهدة الدوّارة يُساهم في اكتساب أمين العهدة خبرات مختلفة ومتنوعة عبر تنقله في المسؤولية بأقسام جديدة، ومن كثرة الاحتكاك بالمُقتنيات يعرف كل شيء عنها، ويتم تقسيم العهدة بين الأمناء في المتاحف الكبيرة طبقاً لنوع القطع مثل العملة أو المعادن والأخشاب وغيرها، وفي المتاحف الأصغر يكون التقسيم بحسب الحقبة التاريخية التي تعود لها القطعة، مثل العصر الفرعوني أو الروماني واليوناني أو القبطي، إضافة إلى أمين للعصر الحديث».
ويبلغ عدد المتاحف المصرية 77 متحفاً حتى نهاية عام 2019. وفقاً لإحصائية رسمية أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء «جهة حكومية» في مايو (أيار) الماضي، وتستعد مصر لافتتاح عدد كبير من المتاحف الجديدة خلال العام الحالي، منها متحف العاصمة الإدارية الجديدة، ومتحف شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر، ومتحف المركبات الملكية بوسط القاهرة.
ويتسلم أمين العهدة سجلاً فرعياً يتضمن كافة المعلومات التاريخية والأثرية عن كل قطعة في عهدته، ويتحول السجل التاريخي القديم إلى كتابه الأول والرئيسي، حيث يطالعه على الدوام فور تسلم عهدته، ويتعمق في تفاصيله من منطلق بحثي متأنٍ، فهو يتضمن معلومات دقيقة تفصيلية عن كل قطعة وتاريخها ومكان وظروف اكتشافها، ورحلة تنقلاتها من موقع أثري إلى آخر، وفي معظم الأحيان لا يكتفي «أمين العهدة» بالمعلومات الموجودة بالسجل فيدفعه شغفه إلى مزيد من البحث في المراجع والكتب الأثرية كي يكون ملماً بالمُقتنيات، فهو مسؤول عن كل شيء في عهدته، بدءاً من نظافتها اليومية والترميم الدوري، ومتابعتها الدقيقة في قاعات العرض.
الدكتورة ولاء النبراوي، أمين عهدة، بمتحف الفن الإسلامي، تحفظ غيباً وبدقة أن عدد قطع عهدتها يبلغ 2600 قطعة على وجه التحديد، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «حفظي لعدد القطع التي تقع تحت مسؤوليتي أمر بديهي وتلقائي مثل الكثير من التفاصيل الأخرى، فأنا أمينة عهدة المعادن التي تضم كل مقتنيات المتحف المعروضة من المعادن، وهي كل تحفة معدنية مثل الفضة والحديد والنحاس والأواني المعدنية وأدوات الجراحة، ويبلغ عددها 2600 قطعة، تقع تحت مسؤوليتي الكاملة، من متابعة يومية في قاعات العرض، والنظافة والصيانة والترميم الدوري، وكنت مسؤولة سابقاً عن عهدة المخطوطات وتسلمت المقتنيات المعدنية منذ عامين، وقد أكسبني التغيير خبرات أكبر، إذ إن تكرار مطالعتي للمعلومات الموجودة بالسجل المتحفي يجعلني أحفظ كل التفاصيل بشكل تلقائي، ولا أكتفي بذلك بل أبحث في المراجع والكُتب التاريخية والأثرية عن معلومات جديدة عن كل قطعة، وعندما يسألني المدير أو أي زميل عن قطعة أكون مُلمة كلياً بكل شيء عنها».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».