«الوفاق» تقترب من «الخط الأحمر» في سرت... و«الجيش الوطني» يؤمن السواحل

رغم التلويح الأوروبي بفرض عقوبات

قوات من مصراتة مساندة لحكومة «الوفاق» تعد لمعركة ضد الجيش الوطني (أ.ف.ب)
قوات من مصراتة مساندة لحكومة «الوفاق» تعد لمعركة ضد الجيش الوطني (أ.ف.ب)
TT

«الوفاق» تقترب من «الخط الأحمر» في سرت... و«الجيش الوطني» يؤمن السواحل

قوات من مصراتة مساندة لحكومة «الوفاق» تعد لمعركة ضد الجيش الوطني (أ.ف.ب)
قوات من مصراتة مساندة لحكومة «الوفاق» تعد لمعركة ضد الجيش الوطني (أ.ف.ب)

اقتربت، أمس، قوات حكومة الوفاق الليبية، المدعومة من تركيا، من تجاوز «الخط الأحمر» الذي حدده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ودفعت بمزيد من التعزيزات العسكرية الضخمة، وحركت مقاتليها صوب مدينة سرت الاستراتيجية، شمال وسط البلاد، التي تسيطر عليها قوات الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، رغم تلويح فرنسا وألمانيا وإيطاليا باستعدادها «للنظر في» احتمال فرض عقوبات على القوى الأجنبية التي تنتهك حظر إيصال السلاح إلى ليبيا.
وحركت حكومة الوفاق مقاتلين باتجاه مدينة سرت التي تعد البوابة إلى مرافئ النفط الرئيسية بالبلاد، حيث أبلغ عن شهود وقادة عسكريين أن رتلاً من نحو 200 مركبة تحرك شرقاً من مصراتة على ساحل البحر المتوسط باتجاه مدينة تاورغاء، وهو نحو ثلث الطريق إلى سرت. وأعلن العميد الهادي سالم، الناطق باسم غرفة عمليات تحرير وتأمين سرت، في تصريحات تلفزيونية، وصول عدد كبير جداً من الآليات العسكرية ضمن الدعم اللوجيستي والعسكري، مشيراً إلى أن القوات التي وصلت أصبحت في قمة الاستعداد، وتنتظر شارة بدء المعارك.
وبثت عملية «بركان الغضب» التي تشنها قوات الوفاق صوراً قالت إنها تُظهر جانباً من التعزيزات العسكرية واللوجيستية التي وصلت لدعم محور سرت الجفرة، تنفيذاً لتعليمات قادة العمليات. وقالت غرفة عمليات تأمين وحماية سرت والجفرة، التابعة للوفاق، إن آمرها وقف أمس، برفقة ضباط الغرفة الميدانية، على استعداداتها وتجهيزات قواتها، والقوات المساندة بمحور زمزم، للدخول في المرحلة الثانية من عملية «دروب النصر»، بعد وصول ما وصفته بتعزيزات كبيرة من مختلف المدن الليبية، أول من أمس، في إطار الدعمِ المُتواصلِ لعملية «دروب النصر» التي تشنها، مشيرة إلى توافد أرتالٍ مُدججة بالأسلحة الثقيلة والمعدات اللوجيستية والعسكرية إلى تمركزات قواتها.
وأضافت أن كبار قادتها العسكريين، وعدداً من أُمراءِ المحاور والقادة الميدانيين، كانوا في استقبال التعزيزات. ونقلت الغرفة عن حمزة مخلوف، آمر محور زمزم بعملية «دروب النصر» تأكيده جاهزية قواته للدخول فيما سماه المرحلة الثانية من عملية تحرير سرت والجفرة.
وفي المقابل، أعلن الجيش الوطني، في بيان لشعبة إعلامه الحربي معزز بالصور، انتشار دوريات استطلاعية مُكثفة للقوات البحرية في سواحل مُدن «سرت، وراس لانوف، والبريقة».
ومن جهتها، أعلنت كتيبة «سُبل السلام»، التابعة للجيش الوطني، أنها نفذت عملية مشتركة مع الجانب المصري، أسفرت عن توقيف عدد 12 آلية نوع «تويوتا» وشاحنة كانت تقوم بتهريب السجائر قبل يومين بمدينة الكُفـــرة، بالقرب من الحدود الليبية المصرية. وأوضحت أن العملية تمت بالتعاون والتنسيق بين قيادة الجيش والحكومة المصرية، حيث تم تكليف الكتيبة بهذه المهمة، بعد تحديد مكان وموقع وجود المهربين، موضحة أنه تم القبض عليهم، ومصادرة آلياتهم والبضائع التي يحملونها، علماً بأن جميع السائقين يحملون الجنسية المصرية، وسيتم إحالتهم جميعاً إلى الجهات ذات الاختصاص للتحقيق معهم.
وكان بيان مشترك للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي قد أفاد بأنه «نحض جميع الفرقاء الأجانب على وقف تدخلهم المتزايد، واحترام الحظر على السلاح الذي فرضه مجلس الأمن الدولي بشكل كامل».
وأبدى القادة الثلاثة، في بيان صدر على هامش مباحثات أوروبية في بروكسل تتناول خطة الإنعاش الاقتصادي «استعدادهم للنظر في اللجوء المحتمل إلى العقوبات، إذا تواصل خرق الحظر بحراً أو براً أو جواً»، وأضافوا: «ندعو كل الأطراف في ليبيا، وكذلك داعميهم الأجانب، إلى وقف فوري للمعارك»، معربين عن «قلقهم الكبير» حيال «تصاعد التوتر العسكري في البلاد»، لكن البيان لم يشر إلى أي بلد بالاسم.
بدوره، استنكر النائب الأول لرئيس مجلس النواب الليبي، فوزي النويري «تقاعس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وتراخيها عن تحمل مسؤوليتها»، مشدداً على ضرورة أن تقوم البعثة بواجبها.
وقال النويري، في بيان، إن البعثة الأممية تقف مثل المشاهد عن قرب، تراقب مثل غيرها، وتنتظر أن تسوء الأوضاع أكثر في ليبيا. وأضاف أن البعثة لا تملك قرارها، وإلا لما أبطأت الحوار السياسي.



انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)
الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)
الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)

بعد قرابة شهرين من إعلان الجماعة الحوثية تشكيل حكومتها غير المعترف بها، بدأت الجماعة إعادة هيكلة الجهاز الإداري لمؤسسات الدولة التي تسيطر عليها، عبر قرارات دمج وتقليص وصفها خبراء قانونيون بأنها لأدلجة المؤسسات و«حوثنة» الوظيفة العامة. وأصدر ما يسمى المجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الحوثي) قراراً لإنشاء ما سُمِيَ «آلية استكمال تنفيذ عملية الدمج والتحديث للهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة العامة»، وهو القرار الذي تحفظت الجماعة على مضمونه، واكتفت بالإعلان عن تقسيمه وعدد مواده وفصوله، ويأتي ضمن ما يعرف بالتغييرات الجذرية التي أعلن عنها زعيم الجماعة قبل أكثر من عام. كما صدرت قرارات وتعليمات بالبدء بإجراءات دمج مصلحتَي الضرائب والجمارك في كيان واحد، وكذلك الأمر مع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، وتحويل كل من مركز الدراسات والبحوث اليمني التابع لجامعة صنعاء، ومركز التطوير التربوي التابع لوزارة التربية والتعليم كياناً واحداً بمسمى «الهيئة العامة للعلوم والبحوث والابتكار».

تسعى الجماعة الحوثية إلى تعزيز قبضتها على مؤسسات الدولة المختطفة (أ.ف.ب)

وبحسب إفادة مصادر قانونية مطلعة في العاصمة المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، فإن الجماعة الحوثية تدرس دمج الكثير من المؤسسات والهيئات الحكومية الخاضعة لسيطرتها في مساعٍ لتقليص حجم الهيكل الإداري من جهة، وتحويل مؤسسات الدولة كيانات تابعة لقيادة الجماعة، وتعيين أتباعها في مختلف المناصب والوظائف داخلها.

وحذَّرت المصادر من وجود نوايا لدى قادة في الجماعة الحوثية لإلغاء المعاشات التقاعدية، وذلك بعد قرار دمج المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالهيئة العامة للتأمينات والمعاشات. المصادر ألمحت إلى أن الهيئة والمؤسسة جرى الاستيلاء على مواردهما وأرصدتهما البنكية من قِبل الجماعة الحوثية؛ وهو ما يهدد بإفلاسهما حتى مع دمجهما في كيان واحد، وحرمان عشرات الآلاف من المستفيدين منهما من حقوقهم، إضافة إلى إدراج أسماء قتلى الجماعة في الحرب ضمن أولئك المستفيدين عنوة.

تحايل وتغول

وتعمل الجماعة الحوثية طبقاً للمصادر على إعادة تصميم هياكل الوزارات مع إقرار لوائح تقضي بحرمان الوزراء في حكومة الانقلاب من الإشراف على القطاعات والمؤسسات والهيئات الإيرادية، مثل منع وزير الشباب والرياضة من الإشراف على صندوق النشء والشباب، ومنع وزير النقل والأشغال العامة من الإشراف سوى على المراكز البحرية. وفسرت المصادر القانونية في صنعاء هذا التوجه بأن الجماعة تنوي التغول داخل مؤسسات الدولة من خلال مَن تعينهم مسؤولين على قطاعاتها الإيرادية، في حين سيتم تعيين الوزراء من انتماءات جغرافية أو سياسية أو فئوية لا ترتبط بالجماعة الحوثية عرقياً أو عقائدياً للتمويه على نهج السيطرة على الدولة ونهب مواردها.

القادة الحوثيون يتنافسون على السيطرة على المؤسسات وبناء كيانات موازية لها (إ.ب.أ)

ويرى الخبير القانوني اليمني محمد حيدر أن هذه القرارات والإجراءات لا تفتقر فقط إلى الشرعية والمشروعية لكونها صادرة عن حكومة لا يعترف بها أحد، بل وتفتقر أيضاً إلى الموضوعية والمنطق القانوني، وتأتي ضد طبيعة التطور القانوني والإداري للدولة التي يفترض أن تتوسع بنيتها ويزيد عدد قطاعاتها بمرور الوقت. وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يتهم حيدر، وهو أحد قيادات وزارة الشؤون القانونية السابقين، الجماعة الحوثية بانتهاج سلوك رجعي يهدف إلى تخلي الدولة عن واجباتها تجاه السكان الذين تتزايد أعدادهم باستمرار، وينتج من هذه الزيادة والتطورات التي تشهدها مختلف المجالات متطلبات تقتضي توسع هيكل الدولة، وإنتاج المزيد من المهام والواجبات. وينوّه إلى أن هذا السلوك الرجعي اتضح بشكل جلي عند إلغاء الجماعة لوزارة الشؤون القانونية، واستبدالها بمكتب تابع لمجلس الحكم الانقلابي يتولى مهامها نفسها؛ وهو ما يشير إلى وجود نوايا لإعادة الدولة إلى أشكال بدائية وقديمة من الهياكل التنظيمية والإدارية.

توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

وتربط المصادر بين قرارات دمج المؤسسات وما يسمى «مدونة السلوك الوظيفي» التي أعلنت الجماعة الحوثية عنها قبل أكثر من عامين وأجبرت الموظفين العموميين على التوقيع عليها، والالتزام بما فيها من مقررات ملزمة لهم بالتبعية للجماعة وموالاتها.

توسيع دائرة الفساد

ومنذ قرابة الشهر تعمل الجماعة الحوثية على إجراء تعديلات لأحكام قانون السلطة القضائية، بإجراءات مخالفة لما هو متعارف عليه دستورياً وقانونياً عند تعديل القوانين واللوائح، إلى جانب تنفيذ حركة تعيينات لعدد من القضاة الموالين لها، وإزاحة من ليس محسوباً عليها، تحت مسمى «الإصلاحات ومواجهة القصور». وأوضح حيدر، وهو ممن أبعدتهم الجماعة الحوثية عن مناصبهم، أن الكثير من الممارسات تؤكد بوضوح هذا النهج، بدءاً بإيقاف رواتب الموظفين العموميين، والتوقف أو التراجع عن تقديم الكثير من الخدمات، أو رفع أسعارها بشكل كبير، وممارسة الجبايات وفرض الإتاوات مقابل خدمات يفترض أنها أبسط واجبات الدولة تجاه مواطنيها. ولفت حيدر، إلى أن الإجراءات الحوثية ستؤدي إلى تقليص حجم الجهاز الإداري للدولة، وتوسيع مهام المسؤولين فيه؛ ما يتناقض تماماً مع مبادئ وسياسات مكافحة الفساد المتبعة حول العالم، ومع مع تقرّه الدساتير والقوانين واللوائح.

الجماعة الحوثية ألغت وزارة الشؤون القانونية في حكومتها الانقلابية (فيسبوك)

وأبدى أكاديميون وباحثون في مركز الدراسات والبحوث اليمني استياءهم الشديد من دمج المركز مع هيئة تابعة لوزارة التربية والتعليم، وعدّوا ذلك انتقاصاً من دور المركز ومهامه، وتهميشاً لدوره، واعتداءً على تاريخه الذي يزيد على خمسة عقود. واستغرب عدد من الباحثين في المركز من أن يجري طمس وجود مركز بهذه العراقة والتاريخ بقرار اتخذته جماعة لا علاقة لها بالعلم أو البحث العلمي، ولا تهتم بتاريخ الدولة ومؤسساتها، وفق تعبير عدد منهم. وتتوقع المصادر أن يتم استغلال عمليات دمج المؤسسات لإزاحة مئات الموظفين الذين لم يثبتوا ولاءهم للجماعة، خصوصاً وأن عمليات الدمج ستتضمن إجراءات هيكلة وإعادة بناء. ويرجّح أن يتم إقصاء جميع الموظفين العموميين الذين رفضوا المشاركة في دورات ثقافية تنفذها الجماعة لنشر أفكارها، وغيرهم ممن لا يشاركون في فعالياتها ومظاهراتها واحتفالاتها.