صراع الأجنحة يُفشل خطة الحوثي لتشكيل حكومة جديدة

رفض شعبي واسع لاستنساخ النموذج الإيراني

حجم المصالح التي تشكلت فرَضَ التعايش بين الأجنحة الحوثية المتصارعة (إعلام حوثي)
حجم المصالح التي تشكلت فرَضَ التعايش بين الأجنحة الحوثية المتصارعة (إعلام حوثي)
TT
20

صراع الأجنحة يُفشل خطة الحوثي لتشكيل حكومة جديدة

حجم المصالح التي تشكلت فرَضَ التعايش بين الأجنحة الحوثية المتصارعة (إعلام حوثي)
حجم المصالح التي تشكلت فرَضَ التعايش بين الأجنحة الحوثية المتصارعة (إعلام حوثي)

قبل ثمانية أشهر أعلن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، إقالة الحكومة الانقلابية التي لا يعترف بها أحد، وأطلق وعوداً بإحداث تغييرات جذرية في منظومة الحكم التي تسيطر عليها الأجنحة المتصارعة على الأموال والنفوذ، لكنه فشل في ذلك ولم يقدم أسباباً مقنعة، فيما رجحت مصادر سياسية أن يكون الرفض الشعبي والسياسي لاستنساخ النموذج الإيراني هو سبب التراجع عن تلك الخطوة.

فمع إعلان الحوثي ما سمّاها «التغييرات الجذرية» ووصفه الأوضاع في مناطق سيطرة جماعته بـ«المزرية»، هللت مجموعة من المعارضين لنفوذ أحمد حامد، مدير مكتب مجلس الحكم الانقلابي، لذلك الإعلان وذهبوا للتبشير باجتثاث الفساد وقرب انتهاء هيمنته على كل مؤسسات الدولة.

زعيم الحوثيين استغلَّ الحرب في غزة للهروب من وعوده بتنفيذ ما وصفها بـ«التغييرات الجذرية» (رويترز)
زعيم الحوثيين استغلَّ الحرب في غزة للهروب من وعوده بتنفيذ ما وصفها بـ«التغييرات الجذرية» (رويترز)

إلا أنه وبعد مضي هذه المدة الزمنية أدرك معظمهم أن إقالة حكومة عبد العزيز بن حبتور التي لا تفعل شيئاً، كانت مخيِّبة لآمالهم وأظهرت أن أحمد حامد، الذي يُعرف بأنه الحاكم الفعلي، باقٍ في موقعه والجناح الذي يتزعمه يمتلك القدرات والإمكانات التي تجعله يحتفظ بسيطرته.

ويعتقد النائب المعارض أحمد سيف حاشد أن عدم القدرة على تشكيل حكومة انقلابية جديدة، يشي بوجود أزمة في قيادة السلطة هناك جعلت التغيير مكلفاً أو غير ممكن أو مهدِّد بخطر سيلحق بتلك السلطة، ويرى أن استمرار الحال على ما هو عليه سيؤدي إلى شلل هذه السلطة بشكل تام، وتعفنها بفسادها وصراعات وخلافات أقطابها.

لكنَّ سلطان السامعي، وهو عضو في مجلس الحكم الحوثي الذي لا يمتلك أي سلطة فعلية، اتهم قيادات في الجماعة بالعمل لمصلحة أجهزة استخبارات أميركية وإسرائيلية، وقال إن هذه الأجهزة اخترقت سلطة الجماعة، وتعهَّد بالكشف قريباً عن هذه القيادات ومحاكمتها وسجنها.

وسبق أن أطلق السامعي تصريحات أقوى من هذه، وتبين لاحقاً أن الغرض منها هو انتزاع موقف أو تحسين موقعه لأسباب تتعلق بانتمائه الجهويّ (تعز)، إذ يمثل الجهة الأضعف في سلطة الانقلاب التي يتحكم فيها المنحدرون من محافظة صعدة أولاً.

حكومة بلا صلاحيات

في خضمّ هذا الصراع بين الأجنحة الحوثية، ترى مصادر مطلعة في صنعاء تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، بشرط عدم الإفصاح عن هويتها، أن الحكومة المقالة حتى وإن جاءت خلفاً لها حكومة أخرى فإن الأخيرة لن تمتلك أي سلطة، لأن إدارة مؤسسات الدولة المدنية والمحافظات والقطاع التجاري ليست بيدها.

عناصر حوثيون على متن مركبة في صنعاء (إ.ب.أ)
عناصر حوثيون على متن مركبة في صنعاء (إ.ب.أ)

وأوضحت أن القطاعات المدنية يتحكم فيها مدير مكتب مجلس الحكم الانقلابي أحمد حامد، عن طريق ما تسمى اللجنة الاقتصادية وما تسمى وزارة المالية، في حين أن الجانب الأمني والعسكري يتحكم فيهما عم زعيم الجماعة عبد الكريم الحوثي الذي يتولى وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب ويساعده فيها نجل مؤسس الجماعة علي حسين الحوثي، وعبد الحكيم الخيواني رئيس ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات، وجميع هؤلاء ينحدرون من محافظة صعدة.

وذكرت المصادر أن الحوثيين وعقب إقالة حكومة بن حبتور (غير معترف بها) كانوا يخططون لتشكيل حكومة بديلة تشارك فيها فروع الأحزاب في مناطق سيطرتهم حتى يوهموا الرأي العام بأن لهم شركاء سياسيين وأنهم لم يقصوا أحداً، لكنهم فشلوا في ذلك خصوصاً أن جناح حزب «المؤتمر الشعبي» أظهر معارضة واضحة لترؤس حكومة جديدة ووضع اشتراطات لمشاركة حقيقية، كما أن بقية فروع الأحزاب لم تتحمس للفكرة لأنها تدرك مَن هو الحاكم الفعلي.

ويشير مصدر آخر إلى أن الصراع كبير والتغيير مستحيل، وتوقع أن تجري عملية تدوير للمناصب فقط لأن حجم المصالح التي تشكلت كبيرة وغير متخيَّلة، ولهذا فإن كل جناح من الأجنحة لديه ملفات ضغط وداعمون، وأنه ولذلك فإن زعيم الجماعة سيعمل على التوفيق بين هذه الأجنحة من خلال تدوير المناصب وتقاسم الحصص، ورجّح أنه في حال فشلت هذه الخطة فقد يضطر إلى التخلص من أحد الأجنحة لتجنب الصدام الداخلي.

نموذج إيراني

على خلاف هذه الرؤى يقدم سياسيٌّ رفيع يقيم في صنعاء قراءة مختلفة، ويقول إن الهدف من «التغييرات الجذرية» التي كان عبد الملك الحوثي قد أعلن نيته إجراءها، كانت تمس دستور الدولة وطبيعة نظام الحكم بحيث يتحول إلى نسخة مطابقة لنظام الحكم في إيران، إلا أن ردة الفعل الشعبية ورفض فروع الأحزاب مناقشة الفكرة أو القبول بها، كان وراء هذا التأخير، وتوقع أن يتم إخراج التغيير بطريقة لا تمسّ جوهر السلطة الحالية ولا تركيبتها.

فاعلية الجناح الذي يديره محمد الحوثي ابن عم زعيم الجماعة تراجعت لمصلحة جناح أحمد حامد (إعلام حوثي)
فاعلية الجناح الذي يديره محمد الحوثي ابن عم زعيم الجماعة تراجعت لمصلحة جناح أحمد حامد (إعلام حوثي)

ويذكر السياسي اليمني الذي اشترط عدم الإفصاح عن هويته لأسباب تتعلق بأمنه الشخصي، أن الحوثيين أقاموا سلطة تعتمد على الانتماء السلالي وينحدر عناصرها من محافظة صعدة، المعقل الرئيسي للجماعة الانقلابية، ولهذا تشكلت مصالح كبيرة وأصبح هؤلاء مسؤولين وقادة عسكريين وتجاراً أيضاً وامتلكوا أموالاً لم يكونوا يحلمون بها.

ولهذا تعمل الجماعة -وفق قوله- بدأب على تشكيل طبقة جديدة في المجتمع اليمني من التجار والأثرياء، إذ يمتلكون مساحات كبيرة من الأراضي وإقامة المشاريع التجارية لأنهم بذلك سيضمنون حضور هذه الطبقة في أي عملية تسوية قادمة.

كان زعيم جماعة الحوثي قد قال في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي إن المرحلة الأولى من «التغيير الجذري» هي تشكيل حكومة كفاءات تجسّد ما سمّاها الشراكة الوطنية، ويتم فيها تصحيح السياسات وأساليب العمل، كما أعلن أن هذه المرحلة ستتضمن تصحيح وضع القضاء ومعالجة الاختلالات ورفده بالكوادر المؤهلة، وقال إنه متمسك بالشراكة الوطنية والمفهوم الإسلامي للشورى، حسب زعمه.


مقالات ذات صلة

البنتاغون: الجيش الأميركي استهدف أكثر من ألف موقع في اليمن منذ منتصف مارس

العالم العربي صورة نشرتها القيادة المركزية الأميركية للشرق الأوسط (سنتكوم) على منصة «إكس» في 28 أبريل 2025 تظهر طائرات أميركية تستعد لشن هجمات على الحوثيين (القيادة المركزية الأميركية)

البنتاغون: الجيش الأميركي استهدف أكثر من ألف موقع في اليمن منذ منتصف مارس

استهدف الجيش الأميركي منذ منتصف مارس (آذار) أكثر من ألف موقع في اليمن حيث تشنّ واشنطن ضربات جويّة ضدّ الحوثيين، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني خلال مشاركتها في الضربات ضد الحوثيين (أرشيفية - رويترز)

لأول مرة... بريطانيا تدخل على خط ضربات ترمب ضد الحوثيين

دخلت بريطانيا لأول مرة على خط الضربات الأميركية التي أمر بها ترمب ضد الحوثيين في اليمن، وسط تصاعد الحملة التي يقودها الجيش الأميركي منذ منتصف مارس (آذار) الماضي

علي ربيع (عدن)
العالم العربي رفض حكومي لتأجيل مكافحة الفساد بسبب الظروف الراهنة (إعلام حكومي)

رئيس الحكومة اليمنية يتمسك بنهج مكافحة الفساد ويرفض التأجيل

تعهّد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بالمضي قدُماً في مكافحة الفساد، وقال إنه لا يمكن القبول بتأجيل مكافحته بحجة الظروف الراهنة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي نيران تظهر في السماء بعد غارات جوية أميركية على اليمن (إ.ب.أ)

اليمن: سلسلة غارات أميركية تستهدف محافظتي صعدة والجوف

كشفت قناة «المسيرة» التي تديرها جماعة الحوثي اليمنية أن الولايات المتحدة شنت سلسلة من الغارات استهدفت محافظتي صعدة والجوف اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مقاتلة أميركية تقلع من متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

ضربات واشنطن على الحوثيين لا تتوقف... وقلق أممي على المدنيين

ضربت غارات أميركية مواقع مفترضة للجماعة الحوثية في صنعاء وصعدة وعمران، وذلك غداة خسارة واشنطن أولى مقاتلاتها منذ بدء حملة ترمب ضد الجماعة في منتصف مارس.

علي ربيع (عدن)

مصر: ارتياح عقب حكم بالسجن المؤبد لـ«ثمانيني» أُدين بـ«هتك عرض» طفل

دار القضاء العالي المصري وسط القاهرة (أرشيفية - أ.ف.ب)
دار القضاء العالي المصري وسط القاهرة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT
20

مصر: ارتياح عقب حكم بالسجن المؤبد لـ«ثمانيني» أُدين بـ«هتك عرض» طفل

دار القضاء العالي المصري وسط القاهرة (أرشيفية - أ.ف.ب)
دار القضاء العالي المصري وسط القاهرة (أرشيفية - أ.ف.ب)

سادت حالة ارتياح في أوساط الرأي العام بمصر، الأربعاء، عقب الحكم بالسجن المؤبد (25 عاماً) على مسن «ثمانيني»، أُدين بـ«هتك عرض طفل بالقوة»، وهو حكم عدّه مراقبون «فريداً»، إذ صدر من أول جلسة لنظر القضية.

وتعود وقائع القضية، حسب التحقيقات التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، إلى يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، حين اتهم والد طفل (6 سنوات)، المشرف المالي بمدرسة «الكرمة» للغات في دمنهور بمحافظة البحيرة (78 عاماً)، بهتك عرض نجله أكثر من مرة، داخل المدرسة.

وتصدرت قضية الطفل الرأي العام على مدار الأيام الماضية، وسط حالة تعاطف كبير مع الطفل وعائلته، في حين تحوّلت أجواء التضامن إلى احتفاء بالحكم الذي صدر بسرعة غير متوقعة.

ومنذ الساعات الأولى لصباح الأربعاء، احتشد المئات في محيط محكمة جنايات دمنهور، قبل بدء الجلسة لدعم أسرة الضحية، وسط إجراءات أمنية مشددة، بينما حضر الطفل مرتدياً قناع «سبايدر مان».

وتصدر وسم «#حكم_المؤبد» الترند في مصر بمجرد صدور الحكم، حيث عبّر خلاله البعض عن احتفائهم بالقضاء المصري الذي أنصف الطفل بسرعة، رغم محاولات الضغط على أهله، في حين تساءل آخرون عن مصير أطراف أخرى «متهمة» في القضية، في مقدمتهم مديرة المدرسة وإحدى العاملات، قيل إنهما «تسترتا» على المجرم.

وقال محامي الضحية عصام مهنا، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأطراف الأخرى لم تكن ضمن المتهمين المحالين جنائياً للمحكمة، ومن ثم فالجزاء الذي ينتظرهم – حال ثبت تورطهم - إداري أو تأديبي»، مشيراً إلى أن «الأسرة لم توجه الاتهام خلال التحقيقات بشكل مباشر سوى للمشرف المالي و(العاملة) التي كانت تصطحبه إليه، لكن النيابة لم تُحل سوى الأول للمحكمة».

وكانت وزارة التربية والتعليم قد قالت، في بيان الاثنين، إن «مديرية التربية والتعليم بمحافظة البحيرة ستتخذ مع الممثل القانوني والجهة المالكة للمدرسة جميع الإجراءات القانونية فور صدور حكم نهائي في القضية».

وأرجع مهنا سرعة صدور الحكم من أول جلسة لكون «أوراق القضية مستوفاة أمام القاضي»، مشيراً إلى أنه «اعتمد على تقرير الطب الشرعي الذي أثبت حدوث اعتداء على الطفل، بالإضافة إلى شاهدة إثبات وهي (ندا الغزالي) ولية أمر في المدرسة».

وعبرت الشاهدة ندا الغزالي، وهي أيضاً صديقة أسرة الضحية، عن سعادتها الشديدة بالحكم خلال اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» عقب صدوره، وقالت إنه بمثابة «انتصار للطفل وأسرته».

ووصف رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال في نقابة المحامين الدكتور أحمد مصيلحي، صدور الحكم من أول جلسة بالفريد والمهم في ظل اهتمام الرأي العام، وقال لـ«الشرق الأوسط»، بشأن الخطوات المقبلة في القضية: «سيطعن محامي المُدان على الحكم الصادر ضده، ومن ثم سيعاد النظر في القضية من جديد أمام محكمة الاستئناف في دمنهور، التي ستعيد التحقيق ودراسة القضية وكل الاحتمالات واردة».

ولا يبدي محامي الضحية عصام مهنا أي قلق من الاستئناف، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «نتمنى أن تؤيد محكمة الاستئناف نفس الحكم، وتقرير الطب الشرعي يتحدث عن إمكانية حدوث انتهاك أكثر من مرة».

وكان تقرير الطب الشرعي قد أفاد بأن توقيع الكشف الطبي على الطفل أثبت إمكانية حدوث اعتداء جنسي على الطفل مرة أو أكثر من مرة، لكنه أشار إلى أنه «لا يعد وحده دليلاً جازماً على وقوع الجريمة».