البريطانيون يلجأون إلى المزارع لمواجهة الإغلاق التام

بعد أن كان العمال الموسميون من أوروبا الشرقية يقطفون الثمار

البريطانيون يلجأون إلى المزارع لمواجهة الإغلاق التام
TT

البريطانيون يلجأون إلى المزارع لمواجهة الإغلاق التام

البريطانيون يلجأون إلى المزارع لمواجهة الإغلاق التام

لو كنا في عام غير العام الحالي، لكانت إيلا تشاندلر (19 سنة) حتماً ستلعب الكريكيت كل يوم تقريباً، ولكان زاك أورزونيسكي (23 سنة) يبحث عن وظيفة طاهٍ في لندن، ولكانت بيث بليز، مدربة شخصية (24 سنة) ساعدت زبائنها في التأقلم مع فصل الصيف، ولكان سام ريتشاردز (32 سنة) يجلس الآن خلف مكتبه للعمل في المبيعات. بيد أننا نعيش عام الوباء الذي بتنا نشاهد فيه بريطانيين في مناطق أخرى من البلاد يؤدون أعمالاً لم يكن لهم أن يتخيلوها قبل بضعة أشهر، وهي العمل في المزارع وفي قطف ثمار الكرز، وربما يستمتعون بما يفعلون إلى حد كبير.
بهذا المعنى، قالت شاندلر، لاعبة الكريكيت المحترفة في فريق نيوزيلندي اختُصر موسمه الرياضي بسبب الوباء: «لقد استمتعنا حقاً، وكان العمل شاقاً»، مضيفة أنّها التقطت في الأيام الأخيرة نحو 556 رطلاً من الفراولة خلال ما يقرب من خمس ساعات ونصف الساعة، وهو ما كان «مُرضياً للغاية».
وأوضحت شاندلر أنّها علمت من نشرات الأخبار أنّ هناك حاجة إلى جامعي ثمار في المزارع البريطانية بسبب نقص العمالة المتوقع، وقالت إنّها قررت التقدم بطلب للعمل في إحدى المزارع القريبة من منزلها في ساري، وهي مقاطعة تقع جنوب غربي لندن.
وأفاد جامعو الثمار بأنّه بالإضافة إلى فرصة كسب بعض المال، وإن كان محدوداً، فقد كانت فكرة جيدة للالتقاء بالناس والتّحدث معهم في وقت الإغلاق العام في البلاد وليثبتوا لأنفسهم أنّه بإمكانهم فعل شيء غير متوقع.
وقال أورزونيسكي، الذي يجمع الفراولة أيضاً في المزرعة ذاتها التي تعمل بها تشاندلر: «لقد فعلت شيئاً على الأقل، لم أجلس هنا على الأريكة. أنا فخور بنفسي للقيام بذلك».
المهمة ليست بذلك البريق. العمل صعب، يبدأ في الساعة السابعة صباحاً، ويمكن أن يختلف الدخل من شخص لآخر، حسب أورزونيسكي، الذي أضاف: «يقول الناس، يمكنك كسب كثير من المال، ولكنّ الأمر يعود إلى العامل نفسه». وتابع أنّ العمال في المزرعة يحصلون على الحد الأدنى للأجور في بريطانيا، وهو 8.72 جنيه إسترليني (أقل بقليل من 11 دولاراً أميركياً) للساعة، لكن يمكنهم كسب الكثير بناءً على كمية الفاكهة التي جمعوها.
في شركة «هول هنتر» التي تدير المزرعة، كان متوسط الأجر الأسبوعي في عام 2019، 414 جنيهاً إسترلينياً (نحو 520 دولاراً)، وفقاً لموقع الشركة على الإنترنت. لكنّ أورزونيسكي ذكر أن «شابين انسحبا من العمل لأنّ الراتب لم يكن كما توقعا». فعلى الرغم من أنّ الوظيفة كانت ممتعة، فقد كانت صارمة أيضاً ومليئة بالتعليمات (على سبيل المثال، جرى تدوين بعضها عن طريقة التخلص من قشر البرتقال في الأدغال). وأضاف: «إنها ليست الوظيفة المثالية لي. هي ليست شيئاً سأفعله دائماً. لكنها أبقتني مشغولاً طوال الوقت».
تُقطف الثمار في بريطانيا بشكل تقليدي من قبل العمال الموسميين من أوروبا الشرقية. وبشكل عام، هناك حاجة إلى ما بين 70.000 و90.000 عامل موسمي لجمع الفواكه والخضراوات التي تزرع في عموم البلاد.
وبسبب قيود السفر للحد من انتشار فيروس «كورونا»، لم يتمكن العديد من هؤلاء العمال من القيام بالرحلة أو تأخروا أو آثروا عدم الحضور. وعندما ضرب الوباء جميع أنحاء أوروبا، كانت معظم المحاصيل قد زرعت.
ونتيجة لنقص العمالة الذي يلوح في الأفق، بدأت الحكومة حملة «اجمع الثمار لبريطانيا» في أبريل (نيسان)، لجذب العمال البريطانيين، فيما نشر الأمير تشارلز مقطع فيديو قال فيه إنّ البلاد بحاجة إلى «جامعي ثمار».
كانت باليز من بين من سجلن أسماءهن، وهي مدربة شخصية تعمل لحسابها الخاص ولم تتمكن من العثور على عمل بسبب الإغلاق، تعمل في نوبات لتسع ساعات تجمع خلالها ثمار الفراولة والهليون وتُعبئها في مزرعة «كليرمونت» في شمال إنجلترا للحصول على الحد الأدنى من الأجور. وقالت إنّ العمل مجزٍ يتجاوز الأجر. واستطردت: «علينا جميعاً أن نكون في الخارج في تلك المزارع نزرع محاصيلنا ونعيش خارجاً في هذه الأرض، لكننا نسينا ذلك». وأضافت أنّها تأمل عندما يتلاشى الوباء أن تمتلك مزرعة، حيث يمكن للأفراد الذين يعانون من القلق أو الاكتئاب أو اضطرابات الأكل القيام بالعمل نفسه.
كذلك قالت ريتشاردز التي تعمل في «مزرعة كليرمونت» بعد أن فقدت وظيفتها كمديرة حسابات لشركة بيرة أثناء الوباء، إنّها «أصعب وظيفة عملت بها على الإطلاق وأقل مالاً جنيته، لكنّها كانت أسعد أوقات لي، أليس هذا غريباً؟». واستطردت: «أريد المضي قدماً في العمل في الهواء الطلق. فأن تكون في الخارج لهو في حد ذاته مصدر سعادة كبير».
ويقول المزارعون إنّهم فوجئوا بقدر الاهتمام بهذه الوظائف. كانوا يخشون أن يبتعد البريطانيون عن الوظائف التي يؤديها عادة العمال الأجانب.
ولكن تعيين العمال وتحديد أماكن عملهم له تحدياته. فالعمل المكتبي ليس كالعمل في المزارع، الذي يتطلّب الالتواء والانحناء، والحاجة إلى تناسق جيد بين اليد والعين والمهارات الحركية الدقيقة (لتجنب تمزق النبات عند قطف الفراولة الرقيقة).
انسحب أربعة أخماس الأشخاص الذين أبدوا اهتمامهم في البداية قبل الانتقال إلى المرحلة التالية وهي المقابلة الشخصية، وفقاً لشركة «هوبس لابر سوليوشنز» لتوظيف العمال الزراعيين. فقد أدرك البعض أنّ العمل اليدوي ليس لهم أو أن العقود التي عرضتها المزارع كانت طويلة جداً.
وصرحت شيريل ليدل المتحدثة باسم الشركة بأنه «بسبب عدم اليقين بشأن الوباء، فإن العديد من عمال المملكة المتحدة غير قادرين على الالتزام بأشهر من العمل».
وذكر توم مارتن، الذي كان يعيش في لندن ليبيع حقوق بيع الأفلام، لكنّه انضم للعمل في مزرعة عائلته في مقاطعة كامبريدجشاير قبل 5 سنوات: «إنه تحدٍ ضخم وواسع. أسمع عن الأشخاص الذين يأخذون 10 أشخاص للعمل معهم، وفي نهاية الأسبوع لا يتبقى منهم سوى ثلاثة».
وبالنسبة للمزارعين، فإنّ توظيف البريطانيين دون أي خبرة في جمع الفاكهة يعقبه العديد من التحديات؛ أهمها ارتفاع الإنتاج.
يدرك مايك أشبي ذلك، فعادةً ما يستأجر عمالاً موسميين من رومانيا لجمع ثمار الهليون في مزرعته والقمح والشعير وغيرها. العام الجاري، لم يكن بالإمكان فعل ذلك، ولذلك استأجر «ثمانية عمال إنجليز لم أكن لأحصل عليهم في الأحوال العادية». وقال: «يحتاج العاملون الإنجليز إلى مزيد من التدريب المستمر. فالوقت الذي يقضونه في التدريب هو ذاته الوقت المفترض أن يقضونه في الإنتاج».
وأفاد علي كابر، الموظف في هيئة البستنة والبطاطس في اتحاد المزارعين الوطنيين في إنجلترا وويلز، بأن «العامل الجديد أغلى بنسبة من 10 إلى 30 في المائة، إذ يستغرق الأمر من ثلاثة إلى أربعة أسابيع للوصول إلى الإيقاع المطلوب».
واختتمت شارماي براوت، العضو المنتدب لشركة «فليفر فريش»، للإنتاج الزارعي في شمال غربي إنجلترا، حيث يعمل 27 عاملاً بريطانياً مقارنة بـ10 عاملين في العام الماضي، بقولها إن «العاملين ذوي الخبرة من أوروبا يتمتعون بالمهارة والسرعة».
ينظر العاملون في هذا المجال إلى الوضع الحالي على أنّه علامة تحذير. كانت مسألة ما إذا كان العمال الموسميون سيستمرون في القدوم إلى بريطانيا كل ربيع في ذهن المزارعين منذ أن صوتت البلاد لمغادرة الاتحاد الأوروبي (بريكست) عام 2016. ومن المقرر أن تدخل القواعد التي تحكم السفر من الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا حيز التنفيذ في عام 2021، وهي لم تكتمل إلى الآن.
وقال ديباك رافيندران، المؤسس المشارك لشركة «أودبوكس»، وهي شركة لبيع صناديق المنتجات الطازجة لنحو 50 ألف عميل في لندن، إنّ «هذا ما كان سيحدث مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بلا خطة مناسبة. وهذا ما يحدث بالضبط الآن، إنّها علامة تحذير».
ومع تخفيف عمليات الإغلاق في القارة الأوروبية وإعلان بريطانيا أنّ العمال الموسميين لن يخضعوا للحجر الصحي لمدة 14 يوماً، يأمل المزارعون في أن يتمكن مزيد من العمال من أوروبا من القدوم لجزء من الموسم.
وعلى الرغم من الحاجة الملحة، فإنّ العثور على عمل جامع ثمار ليس بالأمر السهل، إذ يلجأ بعض المتفائلين إلى مجموعات عبر «فيسبوك» تفصيلياً.
جونتي ستيفنز، ممثل فقد دَخله عندما انتهت جولته في البلاد قبل موعدها بسبب الإغلاق، هو الآخر أحد الأشخاص الذين ينتظرون معرفة ما إذا كان أحد سيحتاجه في الحقول، أم لا، مضيفاً: «إنه لأمر مقلق. نحن نحاول القيام بشيء استباقي». فبعد أن تقدم ستيفنس، وهو في الخمسينات من عمره، بطلب للحصول على وظيفة في أبريل، أبلغته المزرعة أنّها ستعود إليه، لكنّه لم يسمع أي شيء بعد. واستطرد قائلاً: «نحن ننتظر الآن. علينا فقط أن ننتظر ونرى».
خدمة «نيويورك تايمز»



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».