بعد صراع «مرير» دام نحو 43 يوماً مع «كورونا»، انتصر الفيروس «الشرس» في النهاية، وتسبب أمس الأحد، بوفاة الفنانة المصرية رجاء الجداوي «نجمة الأناقة» التي كانت تلقب بـ«مكلة جمال القطن المصري»، في منتصف القرن الماضي.
وفجرت دراما رحيل الجداوي 82 سنة، موجة حزن كبيرة في الوسط الفني والشعبي المصري، لا سيما بعدما تصدرت أخبار متابعة حالتها الصحية منذ دخولها المستشفى قائمة الموضوعات الأكثر قراءة في المواقع الإخبارية المصرية، خصوصاً بعدما صدم خبر إصابتها بالفيروس الكثير من المصريين، وخلال فترة الحجر الصحي بالمستشفى عانت الجداوي من تدهور حالتها الصحية بشدة، مما دفعها إلى التحذير من خطورة الفيروس عبر رسالة مسجلة تداولتها المواقع الإخبارية المصرية أمس على نطاق واسع، قالت فيها: «الموضوع صعب والعلاج مكلف على الدولة لازم تخافوا»، وخضعت رجاء الجداوي لجرعات علاجية مكثفة ومتنوعة، لكنّها لم تفلح في إنقاذ حياتها، بعدما تمكن الفيروس التاجي من رئتيها تماماً، وتسبب في موتها في نهاية المعركة.
ورغم تحذير السلطات المصرية من التجمعات البشرية في الجنازات، حرص عدد من الفنانين والفنانات أمس على حضور تشييع جنازة رجاء الجداوي من مقابر البساتين بالقاهرة، على غرار فيفي عبده وميرفت أمين، ودلال عبد العزيز، وإلهام شاهين وشيماء سيف وزوجها، وأشرف زكي ومحمد الشقنقيري ومنير مكرم.
ونعت السيدة انتصار السيسي، قرينة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الفنانة الراحلة عبر حسابها الرسمي على «فيسبوك» قائلة: «أنعى ببالغ الحزن والأسى الفنانة القديرة رجاء الجداوي، والتي رحلت عن عالمنا تاركة خلفها تاريخاً من الأعمال الفنية الراقية والصادقة، التي ستبقى باقية وخالدة في وجداننا وذاكرتنا للأبد».
وعبّر الإعلامي عمرو أديب الذي كانت تشاركه رجاء الجداوي الظهور في برنامجه «الحكاية» على قناة «إم بي سي مصر» عن حزنه لرحيلها، قائلاً على «تويتر»: «لم تكن سيدة عادية... لديها قدرة غريبة على توليد الحب بشكل مستمر وتسامح لا نهائي واحتواء مستمر، كانت أماً للجميع وكانت من أرقى الشخصيات التي عرفتها في حياتي وكل مكان كانت تشاركني فيه كان يحل التوفيق... لن تعود رجاء الجداوي للحياة... ذهبت وأخذت معها كل المعاني الجميلة... الله يرحمك ويصبرني على فراقك».
وسيطرت حالة من الحزن على حسابات الكثير من الفنانين المصريين والعرب أمس بمواقع التواصل، بعد الإعلان عن وفاة رجاء الجداوي، ونعوها بكلمات مؤثرة، من بينهم الفنان شيكو الذي كتب على حسابه الرسمي على «إنستغرام»: «لا توجد كلمات تصف رجاء الجداوي، فطيبتها على الشاشة لا تمثل سوى 10 في المائة من طيبتها ومشاعرها وأمومتها لكل من حولها». وقالت عنها الفنانة ايمي سمير غانم: «ربنا يرحمك يا أمي وصاحبتي وأغلى الناس في قلبي من وأنا طفلة... ربنا يرحمك ويصبر بنتك وكل أهلك وحبايبك»، كما نعتها دنيا سمير غانم بقولها: «كانت مثال للأم الجدعة المشرفة المكافحة الحكيمة الأنيقة الطيبة البشوشة، ستظلين بقلوبنا بجمال روحك ونصائحك وخفة دمك وحبك واحترامك لكل زملائك وبلدك».
فيما قالت الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي: «وداعاً الممثلة القديرة رجاء الجداوي سنشتاق لك، ولفنّك الراقي ولجمال أدوارك وتمثيلك».
رجاء الجداوي التي كانت تعد من أقدم الفنانات العرب اللاتي داومن على الظهور على الشاشة حتى إصابتها بـ«الفيروس القاتل» في نهاية شهر رمضان الماضي، خلال تصوير مسلسل «لعبة النسيان»، بدأت مشوارها الفني عبر فيلم «غريبة» عام 1958، ليمتد نشاطها الفني على مدار أكثر من 60 سنة، قدمت خلالها عشرات الأدوار المهمة واللافتة، إذ تميزت بإطلالتها الأنيقة والجذابة على الشاشة، وفق فنانين ونقاد مصريين.
وحسب تصريحات سابقة لرجاء الجداوي فإنّها لم تخطط لشيء في حياتها، بل جاء كل شيء بالصّدفة، خصوصاً بعدما عاشت سنوات طفولتها مع خالتها الفنانة تحية كاريوكا، والتحاقها بمدرسة فرنسية داخلية. وبسبب فوزها بمسابقة ملكة جمال القطن، عام 1958، اختارها المخرج هنري بركات لتقديم دور «خديجة» ابنة المأمور، في فيلم «دعاء الكروان»، أمام فاتن حمامة، كما اختارها في نفس الليلة بيير كلوفس مصمم الأزياء اليوناني الشهير، للعمل كعارضة أزياء، ورغم أنّ هذا الأمر أثار غضب خالتها تحية كاريوكا، فإنّه كان لا بدّ أن تعمل لأنّ والدتها كانت تحتاج إلى المال وفق تصريحاتها.
تألق رجاء الجداوي ذات الملامح المصرية الأصيلة التي لقبت بـ«سمراء القاهرة» في مجال عرض الأزياء، جاء على حساب أحلامها في التمثيل ولعب دور البطولة السينمائية المطلقة، إذ كانت تسافر كل عام عدة مرات، وأحياناً كمرافقة لرئيس الجمهورية لتسويق القطن المصري في الخارج، مؤكدة أنّه «لم يظلمها أحد، لأنّ صاحب بالين كداب»، حسب تعبيرها، وذكرت أنّها كانت تشعر خلال تلك الفترة بأنّها «إمبراطورة في عروض الأزياء، وأميرة في السينما».
وشاركت رجاء الجداوي في عشرات الأعمال السينمائية من بينها «أصعب جواز» للمخرج محمد نبيه مع الثلاثي حسن يوسف ومحمد عوض ويوسف فخر الدين، «وثلاث بنات»، و«زائر الفجر» عام 1975. و«ليتني ما عرفت الحب»، و«الأزواج الطائشون»، و«ابتسامة واحدة لا تكفي»، و«موعد على العشاء» و«انهيار»، و«بريق عينيك»، و«حدوتة مصرية»، و«أيام في الحلال»، و«الوحل»، و«عاد لينتقم»، و«حنفي الأبهة» مع عادل إمام، و«البيه البواب» مع أحمد زكي.
ومن أبرز أعمالها التلفزيونية مسلسل «العائلة» و«عروسة البحر» و«أولاد آدم» و«الخريف لن يأتي أبداً» و«حارة المحروسة» و«عروسة البحر» و«للعدالة وجوه كثيرة» و«يوميات زوج معاصر» و«أحلام الفتى الطائر» و«غراند أوتيل» وأخيراً «لعبة النسيان».
وبسبب خفة ظلها وحضورها اللافت، اختارها الفنان عادل إمام لمشاركته في أعماله المسرحية على غرار مسرحية «الواد سيد الشغال»، والتي حققت نجاحاً كبيراً على مدار 8 مواسم متتالية.
ولم تكتف نجاة علي حسن الجداوي، الشهيرة برجاء الجداوي بالمشاركة في الأعمال الدرامية والسينمائية، خلال الأعوام الأخيرة، بل تألقت كذلك في تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية وتميزت بإطلالتها الأنيقة و«الشيك» ونبرتها المميزة، برفقة الإعلامي المصري عمرو أديب، في برنامج «الحكاية».
الفنانة الراحلة التي تزوجت حارس مرمى النادي الإسماعيلي ومنتخب مصر الأسبق حسن مختار في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970 وأنجبت منه ابنتها الوحيدة أميرة، أكدت قبل إصابتها بـ«كورونا» اعتزازها بإشادة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال احتفال اليوم العالمي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، في عام 2018 حين قال: «أستاذة رجاء هتفضلي طول عمرك شيك جداً، ليس بـأزيائك فقط، بل في كل شيء»، لترد رجاء عليه قائلة: «لقد حصلت اليوم على أعلى وسام».
ووافت رجاء الجداوي المنية في مستشفى «أبو خليفة» بمدينة الإسماعيلية (شرق القاهرة)، وهي المدينة التي وُلدت فيها في نهاية ثلاثينات القرن الماضي، قبل انتقالها إلى القاهرة برفقة شقيقها الأكبر فاروق للإقامة مع خالتها الفنانة تحية كاريوكا، من ثمّ عادت للعاصمة أمس للمرة الأخيرة لتواري الثرى، حيث ودعها محبوها وزملاؤها في مشهد «حزين».