استعادت لندن، أمس، جزءا كبيرا من نشاطها وعادت المطاعم والحانات وصالونات الحلاقة، وحتى الفنادق، لاستقبال زبائنها بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الغياب فرضتها جائحة «كوفيد - 19».
وللمرة الأولى منذ أسابيع، شهدت شوارع العاصمة نشاطا شبه طبيعي، وامتلأت الأرصفة بطاولات متباعدة يتوافد عليها زبناء حذرون وموظفون من وراء الكمامات وعوازل بلاستيكية أحيانا. ويُتوقع أن يتوجه ملايين الإنجليز إلى المقاهي والمطاعم والحانات خلال عطلة نهاية الأسبوع التي يبدو أنها ستكون «تاريخية»، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول في القطاع. وشجع وزير المال البريطاني ريشي سوناك، أمس السبت، مواطنيه على «تناول الأكل في المطاعم» من أجل حماية الوظائف. وأضاف «علينا أن نتعلم من جديد ما يعني الخروج مجدداً». وفيما شدد مستشارو الحكومة الصحيين على ضرورة الحذر والالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي وغسل الأيدي وتفادي التجمعات لتفادي انتشار جديد للوباء، فضلت أسكوتلندا وويلز وآيرلندا الشمالية اعتماد جدول خاص بها لرفع تدابير العزل، وانتقد بعض مسؤوليها «إسراع» إنجلترا في العودة.
وأودى الفيروس الذي لا يزال بعيداً عن السيطرة في المملكة المتحدة، بـ44 ألف شخص على الأقل في هذا البلد الأكثر تضرراً في أوروبا. وقد تفشى مجددا في مدينة ليستر، ما دفع السلطات إلى فرض عزل من جديد على منطقة تعد 600 ألف نسمة.
وكانت منظمة الصحة العالمية، قد وجهت الجمعة إنذاراً للدول التي أعادت فتح اقتصاداتها، داعية إياها مرة جديدة إلى «الاستفاقة» في ظل التهديد. وقال المسؤول عن الطوارئ الصحية في المنظمة، مايكل راين، إن «منظمة الصحة العالمية تدرك تماما وجود أسباب وجيهة لدى الدول التي تريد إعادة اقتصاداتها للمسار الصحيح (...) لكن لا يمكن تجاهل المشكلة أيضا، إذ إنه (الفيروس) لن يختفي بطريقة سحرية».
في المقابل ورغم ترحيب جزء كبير من المجتمع بإعادة فتح الاقتصاد الإنجليزي، لا تزال النوادي الرياضية وأحواض السباحة والنوادي الليلية والقاعات الموسيقية مغلقة حتى إشعار آخر، وذلك لتصنيفها ضمن الأنشطة «مرتفعة المخاطر». ووجد البريطانيون بدائل مؤقتة في انتظار عودة النوادي الرياضية، عبر التمرن في المتنزهات والركض والمشي لمسافات طويلة رغم الطقس الماطر. وكان بين هؤلاء مدرب اللياقة البدنية برادلي، وأربعة من رواد ناديه الرياضي، الذين تناوبوا على إجراء تدريبات مختلفة من القرفصاء إلى تمارين البطن في أحد المتنزهات. ويستلقي البعض على حصر اليوغا، فيما يتمدد آخرون على العشب الرطب فيوسخ الوحل قمصانهم، وفق وصف وكالة الصحافة الفرنسية.
ويكافح أصحاب هذه النوادي من أجل الاستمرار من خلال حلول مرتجلة، من بينها تقديم حصص على تطبيقات مؤتمرات الفيديو، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة «إنستغرام». وقالت جو واتسون، التي أسست مع زوجها نادي «بادي سوساييتي» الرياضي، فيما بعض من رواد ناديها يمارسون التمارين في المتنزه: «إنها حقا فترة صعبة بالنسبة لنا». وافتتحت وزوجها النادي الرياضي العام الماضي، ولا يستفيد أي من موظفيهما من برنامج البطالة الجزئية الحكومي، والذي يغطي حاليا 80 في المائة من رواتب الموظفين. وقالت واتسون: «أصبح الوضع مقلقا جدا بالنسبة لنا. فنحن لا نكسب أي أموال حاليا، وشركتنا جديدة».
ويتوقع قطاع اللياقة البدنية البريطاني إغلاق 1300 منشأة للرياضة والترفيه في بريطانيا، أي نصفها تقريبا، بحلول نهاية العام ومعها 58 ألف وظيفة.
وسيعجز أكثر من ثلث تلك المنشآت عن إعادة فتح أبوابه عندما تعطي الحكومة الضوء الأخضر، «بسبب التكاليف العالية الناجمة عن عدم قدرتها على الحصول على الدعم الحكومي وخسارة العائدات». وقالت واتسون لوكالة الصحافة الفرنسية إن الأمر الأصعب هو الانتظار من دون معرفة كيفية الاستعداد للفترة التي سيتمكن فيها النادي فتح أبوابه للمرة الأولى منذ 20 مارس (آذار). وقالت هذه الأم الشابة: «لدينا فكرة عما نريد فعله، توفير مطهر الأيدي وشاشات عند نقطة الاستقبال... والعمل على أن تكون مواعيد الحصص متباعدة». وأضافت: «لكن لا أريد القيام بذلك قبل التأكد أن هذا ما تريد الحكومة منا فعله بالضبط».
وبابتسامة عريضة قالت إنها تحاول البقاء متفائلة. لكنها أقرت بأن الأسابيع القليلة الماضية كانت «مدمرة»، وتخشى أن يصبح العمل الشاق الذي قامت به مع زوجها لفتح النادي في مهب الريح.
ويرى كثيرون أن فكرة إبقاء النوادي الرياضية المفيدة للصحة مغلقة بينما يعاد فتح الحانات، «غير مقنعة». وقالت إن «ما يثير الاستياء هو أن الجميع في قطاع اللياقة البدنية يريدون مساعدة الناس وإرشادهم بشأن اتباع نمط حياة أكثر توازنا». وتضيف: «لكن في المقابل، سُمح لقطاعات أخرى غير مهتمة بهذا الجانب بإعادة فتح أبوابها». وردا على سؤال حول هذا التضارب، أقر رئيس الوزراء بوريس جونسون بأن «هناك جميع أنواع التناقضات». لكنه قال إن ثمة أسبابا طبية منطقية لكل واحد منها.
أما لوسي، مدربة اليوغا في لندن، فأقرت أن الاستديو الصغير الذي كانت تستخدمه لم يكن فيه جهاز تهوية فعال، وكان الناس يتعرقون. وقالت إن «الأمر أكثر تعقيدا ربما من مسألة التنفس فقط». وتضيف: «أتفهم أن الوضع بغاية الخطورة، ولا أريد أن أكون مسؤولة عن انتشار الفيروس». لكنها قالت هي أيضا إنها في الوقت الحاضر «تراكم الديون فحسب».
والقواعد الحكومية الجديدة تعني أن مالكي العقارات لا يمكنهم طرد المستأجرين لتأخرهم في سداد الإيجار لغاية شهر سبتمبر (أيلول)، لكن لوسي تخشى التفكير بما قد يحصل بعد ذلك. وترجح «أن نخضع جميعا لإجراءات إغلاق مجددا».
من جهته، يعتقد مدير نادي «هامبستيد» الرياضي للأطفال، ثيودور ليك، أنه في أفضل الأحوال يمكنه الاستمرار حتى أكتوبر (تشرين الأول). ويخشى أن يتركه مدربوه، الذين يعانون صعوبات جمة من دون رواتب مستقرة، للالتحاق بأعمال أخرى، وألا يعيد الأهالي أبناءهم إلى ناديه الرياضي خشية الفيروس. ويقول «إذا توقفت لفترة طويلة، ربما يقومون بالبحث عن أعمال أخرى».
إنجلترا «تعود» وسط تحذيرات من تفشٍ جديد
استياء من استمرار إغلاق النوادي الرياضية
إنجلترا «تعود» وسط تحذيرات من تفشٍ جديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة