مدير عام وزارة المال «الضحية الثالثة» من الفريق اللبناني المفاوض مع صندوق النقد

TT

مدير عام وزارة المال «الضحية الثالثة» من الفريق اللبناني المفاوض مع صندوق النقد

لا يتوقع أن تكون استقالة مدير عام وزارة المال آلان بيفاني عابرة في خضم التحولات الصادمة التي تعصف بالمشهد المالي والنقدي يومياً، ولا سيما في ظل تفاقم الصعوبات التي تعترض مفاوضات الحكومة اللبنانية بقيادة وزير المال غازي وزني مع خبراء صندوق النقد الدولي سعياً إلى برنامج تمويل ميسر بقيمة منشودة تصل إلى 10 مليارات دولار خلال 3 إلى 5 سنوات.
وكانت الحكومة اللبنانية قد قررت، في الجلسة التي عقدتها أمس، إرجاء البت باستقالة بيفاني إلى جلستها المقبلة.
استقالة بيفاني هي الثالثة ضمن الفريق المالي، وقد لا تكون الأخيرة ربطاً بتدهور الأوضاع المالية والنقدية وتبادل المسؤوليات بشأن القصور عن استيعاب الصدمات الناشئة والشروع بمعالجات مجدية بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية. فقد سبق هذه الاستقالة انسحاب هادئ للدكتور أحمد الجشي من موقعه مستشاراً رئيسياً لرئيس الحكومة، ثم قدم هنري شاوول استقالته من منصبه مستشاراً لوزير المالية. وسبقهم جميعاً ومن خارج الفريق المالي الدكتور محمد علم الدين، الذي كان مستشار رئيس الحكومة حسان دياب لشؤون العلاقات الدولية، «اعتراضاً على منهجية العمل».
والمدير العام المستقيل، الذي يحظى بدعم فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، تولى دور «رأس الحربة» في إعداد مشروع خطة التعافي الحكومية المرفوعة إلى صندوق النقد، والمدافع الشرس عن تقديرات الفجوة المالية للدولة والبنك المركزي والمصارف بنحو 241 ألف تريليون ليرة. وهو الأمر الذي رفضه البنك المركزي وجمعية المصارف الممولان للدولة، ونقضته لجنة التقصي المنبثقة عن لجنة المال النيابية التي توصلت إلى نتيجة رقمية تقل عن 90 ألف تريليون ليرة، نتيجة الاختلاف في المقاربات والتوصيفات بين خسائر محققة والتزامات آجلة. وأيضاً بنتيجة الاستناد إلى تقديرات لجنة الرقابة على المصارف بشأن التمويل القابل للتعثر ضمن محفظة الديون المصرفية للقطاع الخاص.
ويبدو أن تماهي التقديرات والمقاربات بين ثلاثي السلطة التشريعية والبنك المركزي وجمعية المصارف، أوقع الفريق المالي الحكومي في ارتباك لم تبادر الحكومة إلى التخفيف من وطأته وتداعياته على أعضاء الفريق بمواقعهم الوظيفية والشخصية. وزاد التعقيد خصوصاً بعد دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى توحيد الخطط والأرقام واعتماد لغة واحدة للتفاوض مع الصندوق، ومن ثم تصريح مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا التي قالت «يفطر قلبي على لبنان. إنما ليس لدي أي سبب حتى الآن لتوقع تحقيق تقدم في المفاوضات». وهو ما شكل إحباطاً إضافياً للفريق الذي يقترب من تمضية 20 جولة تفاوض متتالية.
وبحسب معلومات «الشرق الأوسط»، فإن انكفاء الحكومة عن صد الحملات المكثفة على فريق العمل والمستشارين الذين تشاركوا في صياغة خطة التعافي وبياناتها المالية بالتعاون مع شركة «لازارد» الدولية، وتموضع وزير المال الطبيعي إلى جانب فريقه السياسي (الرئيس بري)، كشف فريق «الخطة» أمام منتقديهم من مسؤولين ومؤسسات، وبما يشمل مسؤولين من الأطراف السياسية الداعمة للعهد وللحكومة، علماً بأن بيفاني نفسه واجه خصومة كامنة مع أغلب وزراء المالية الذين تعاقبوا على مدى 20 عاماً من توليه المنصب. وخلال الفترة الأخيرة كان اسمه الأكثر تداولاً ودعماً لحاكم مصرف لبنان بعدما توجهت الحكومة إلى اقالته أو دفعه للاستقالة.
وبرر بيفاني استقالته بـ«أن النظام استخدم شتى الأنواع لضرب الخطة الحكومية، وأظهروا بأننا فاسدون، لكن سيكون للقضاء الكلمة الفصل لهذه الاتهامات الرخيصة». وجزم بأن «المقاربة التي اعتمدتها خطة الحكومة وضعت تقويماً صحيحاً وتم إقرارها بالإجماع وحصلت على ترحيب من المؤسسات المالية بالجدية اللبنانية في مقاربة الأمور»، مشيراً إلى أن «الخطة تناولت ضرورة استرداد الأموال المنهوبة وضرورة الإصلاح الشامل للنظام». وأكد ضرورة «الاستماع إلى صوت الناس ومصارحتهم، وهذه المرة كانت الفرصة حقيقية بعدما أصبح من الواضح أنه لا يمكن الحصول على التمويل (ببلاش) من دون عملية إصلاحية كبيرة»، لافتاً مجدداً إلى ما أعلنه صندوق النقد من أن «أرقام الحكومة ومقاربتها هي الصحيحة».



كيف يؤثر تصنيف «الحوثي» منظمة «إرهابية» على توترات البحر الأحمر؟

مدمرة صاروخية تابعة للبحرية الأميركية تعبر قناة السويس (رويترز)
مدمرة صاروخية تابعة للبحرية الأميركية تعبر قناة السويس (رويترز)
TT

كيف يؤثر تصنيف «الحوثي» منظمة «إرهابية» على توترات البحر الأحمر؟

مدمرة صاروخية تابعة للبحرية الأميركية تعبر قناة السويس (رويترز)
مدمرة صاروخية تابعة للبحرية الأميركية تعبر قناة السويس (رويترز)

عودة التصنيف الأميركي لجماعة «الحوثي» منظمة «إرهابية»، لأسباب بينها تهديدها الملاحة بالبحر الأحمر، فتحت تساؤلات بشأن تأثير القرار على وقف الهجمات التي كانت سبباً في تضخم عالمي، وشكاوى دول عديدة بخاصة مصر، مع تراجع إيرادات قناة السويس لنحو 7 مليارات دولار.

ووسط آمال باستعادة الملاحة بالبحر الأحمر نشاطها مع دخول هدنة قطاع غزة حيز التنفيذ قبل أيام، يتوقع خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن يؤثر قرار واشنطن «إيجابياً» على الحد من عمليات الحوثي بالبحر الأحمر، مرجحين أن يكون عام 2025 بداية نهاية تلك العمليات، وأن تبتعد قناة السويس عن خسائرها استفادة من القرار الأميركي.

وأصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، أمراً بإدراج جماعة الحوثي، بقائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية لأسباب بينها «تهديد استقرار التجارة البحرية العالمية»، مؤكداً أن سياسة بلاده «إنهاء هجماتها» على الشحن البحري، خاصة أنها «هاجمت السفن التجارية المارة عبر باب المندب أكثر من 100 مرة، وأجبرتها على التوجه بعيداً عن البحر الأحمر لممرات أخرى، ما أسهم في ارتفاع التضخم العالمي».

سفينة شحن تعبر قناة السويس (رويترز)

وبهذا يعود ترمب لقرار مماثل اتخذه بولايته الأولى (2017: 2020)، قبل أن يلغيه جو بايدن عقب توليه منصبه عام 2021، «استجابة لمطالب إنسانية»، ثم شهد الوضع تحولاً عقب اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مع شن الحوثيين هجمات على السفن التجارية بدعوى دعم غزة، ليقوم بإدراجهم ضمن قائمة «الإرهابيين العالميين المصنفين بشكل خاص»، وهو تصنيف أقل صرامة يسمح باستمرار المساعدات الإنسانية إلى اليمن.

ولم يعلق الحوثيون على قرار ترمب، غير أنه جاء مع خطوات تهدئة، وإعلان الجماعة الموالية لإيران، الأربعاء، الإفراج عن طاقم السفينة «غالاكسي ليدر» بوساطة عمانية بعد مرور 14 شهراً من احتجازه، فيما عد رئيس مجلس الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، القرار الأميركي، في منشور، الخميس، عبر منصة «إكس»، «مدخلاً للاستقرار في اليمن والمنطقة».

ولم تعلق مصر المتضررة من هجمات الحوثي على قرار ترمب بعد، غير أن تداعيات تلك الهجمات كانت مدار محادثات عديدة، أحدثها، الخميس، بين وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء بالقاهرة، مع نظيره البريطاني ديفيد لامي.

كما بحث سكرتير عام المنظمة البحرية الدولية أرسينيو دومينجيز، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونائب وزير الخارجية المصري، السفير أبو بكر حفني، تهدئة الأوضاع بالبحر الأحمر، وأهمية قناة السويس، وفق بيانين منفصلين للخارجية والرئاسة بمصر، يومي الثلاثاء والأربعاء.

وأعاد الرئيس المصري التنبيه لخسائر قناة السويس جراء الأوضاع في البحر الأحمر في كلمة، الأربعاء، باحتفالية عيد الشرطة (25 يناير «كانون الثاني» من كل عام)، قائلاً: «إن انخفاض مواردنا من القناة كان له تأثيره علينا كدولة». فيما كشف رئيس القناة الفريق أسامة ربيع عن أن إيراداتها بلغت 4 مليارات بانخفاض قرابة 7 مليارات دولار خلال عام واحد.

موقف القاهرة

ويعتقد رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد العرابي، أن قرار ترمب «يأتي في إطار إضعاف الحوثيين، إحدى أذرع إيران بالإقليم، بعد تهديدهم لإسرائيل، وحرية الملاحة بالبحر الأحمر»، متوقعاً رداً حوثياً ضد إسرائيل.

وبشأن الموقف المصري، يعتقد العرابي «أن الجماعة الحوثية لا تشكل مشكلة أمنية للقاهرة بل اقتصادية، وكان لهجماتها أثر مباشر على الاقتصاد، لكن لم نتدخل في مواجهة مباشرة سابقاً ولا حالياً بعد قرار ترمب، باعتبار أننا لسنا طرفاً في معركة الحوثيين مع إسرائيل، وكان موقف القاهرة واضحاً بأن وقف حرب غزة سيعيد الأمور لطبيعتها، دون أن يستدعي ذلك أي تدخلات، وهذه سياسة حكيمة مصرية تتوافق مع رؤيتها لأزمات المنطقة وسبل حلها».

ويعتقد الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء سمير فرج، «أن الموقف المصري عادة يميل إلى ألا يكون طرفاً، خاصة وهو يدرك أن حل المشكلة بوقف حرب غزة، وهذا من أطر السياسة الخارجية الحكيمة».

سلاح ذو حدين

ويرى المحلل السياسي اليمني، معين الصيادي، أن قرار ترمب «سيستغله الحوثي لتسويق نفسه أمام الرأي العام المحلي في مناطق سيطرته، بهدف كسب تعاطف الشارع والتهرب من أي تسويات سياسية بشأن الملف اليمني».

ومن المتوقع أن تستغرق عملية إعادة التصنيف عدة أسابيع قبل أن تدخل حيز التنفيذ، ما يمنح الأطراف المعنية وقتاً للتكيف مع الإجراءات الجديدة، وفق ما أوردته «فرانس 24»، الخميس.

ونقلت «رويترز»، الخميس، عن شركة «دي بي وورلد» تقديراً بأن السفن غير المرتبطة بإسرائيل، قد تبدأ في العودة للبحر الأحمر قريباً، ربما خلال أسبوعين فقط، مع تراجع في أسعار الشحن «بما لا يقل عن 20 و25 في المائة» على مدى شهرين إلى ثلاثة أشهر.

ويتوقع العرابي أن يكون للقرار أثر في إضعاف نشاط الحوثيين بالبحر الأحمر، ورجح اللواء فرج أيضاً خفض تصعيدهم، مع عقوبات اقتصادية أميركية أكبر ضدهم.

ويتوقع الصيادي «أن يكون عام 2025 هو بداية نهاية تمدد الجماعة الموالية لإيران حال تم تعزيز القرار بعمليات عسكرية برية وبحرية وجوية، ما يدفعها للقبول بأي حلول سياسية بأقل المكاسب الممكنة».