الهند والصين صراع النفوذ في جنوب آسيا

الاشتباكات الأخيرة أكبر من مجرد نزاع حدودي

الهند والصين صراع النفوذ في جنوب آسيا
TT

الهند والصين صراع النفوذ في جنوب آسيا

الهند والصين صراع النفوذ في جنوب آسيا

ثمة لعبة كبرى على الصعيد الجيوسياسي تجري حالياً داخل شبه القارة الهندية والصين، المنطقة الأكبر عالمياً من حيث عدد السكان مع تكدس 3.1 مليار نسمة في 9 دول فقط. ويتزامن هذا الحدث مع تفشي جائحة «كوفيد - 19» على مستوى العالم.
والواقع أنه من قلب الجائحة، اشتعلت حالة من تبادل الاتهامات وإلقاء اللوم عن المسؤولية في تفشيها بين الهند والصين اللتين تمثلان قوتين كبريين ومؤثرتين على مستوى آسيا والعالم. ومن جانب آخر، ثمة محاولات لتنفيذ مناورات سياسية داخل المنطقة من جانب قوى من خارجها مثل الولايات المتحدة واليابان.

خاضت الهند والصين خلال الأيام القليلة الماضي مواجهة عسكرية دامية وإن كانت محدودة داخل إقليم لاداخ، حيث يرابط الجيشان على طول ما يعرف باسم «خط السيطرة الفعلية»، وحتى هذه اللحظة، وبعد التقارير عن سقوط ما لا يقل عن 20 قتيلاً من القوات الهندية لم تعد الأوضاع إلى طبيعتها بعد.
الأمر الخطير هنا، إنه للمرة الأولى منذ عام 1962، يشهد الإقليم اشتعال توترات بين الجانبين، وذلك رغم أن «خط السيطرة الفعلية» محدد بوضوح ومتفق عليه من الطرفين. وكان بناء حشود عسكرية على طول الخط الحدودي قد بدأ في الأسبوع الأول من مايو (أيار) على امتداد منقطتي لاداخ (شمال كشمير) غرباً وسيكيم شرقاً (بين نيبال وبهوتان)، حيث وقعت مواجهات بين قوات هندية وأخرى صينية. وبعد ذلك، تفاقمت المواجهات بين الجانبين وامتدت إلى مناطق أخرى على طول خط السيطرة.
ومنذ منتصف الأسبوع تجرى مباحثات بين وفود عسكرية رفيعة المستوى من الهند والصين لتسوية حالة التأزم الراهنة على الحدود واحتوائها. وما يجدر ذكره أن مواجهات عنيفة كانت قد وقعت بين قوات الجانبين في 5 و6 مايو، وأعقبتها مواجهات أخرى في 8 و9 مايو. وما زالت المباحثات الدبلوماسية والعسكرية مستمرة بين المسؤولين الهنود والصينيين بهدف التوصل إلى تسوية عاجلة للأزمة الحدودية. ومن المنتظر عقد مزيد من المباحثات العسكرية بين الجانبين سعياً لتهدئة التوترات على الحدود.

حسابات سياسية
للعام، هذه ليست المرة الأولى التي تخوض الهند والصين فيها اشتباكات مباشرة عند المنطقة الحدودية. وكانت آخر المواجهات قد وقعت عام 2017 في دوكلام على الحدود الثلاثية بين الهند والصين وبهوتان واستمرت 83 يوماً. ويرى كثيرون من المراقبين - الهنود على الأخص - أن الانتكاسات التي عانت منها الصين جراء تفشي جائحة «كوفيد - 19» وانتكاسة أوضاعها الاقتصادية، ربما دفعت بكين نحو اللجوء إلى شن عدوانها الأخير في المناطق الحدودية مع الهند، سعياً لتشتيت الأنظار بعيداً عن مشاكل بكين الداخلية، وفي الوقت ذاته، استعراض قوة الصين أمام العالم. إلا أن بعض الخبراء المعنيين بشؤون جنوب آسيا يشيرون إلى «نظرية مؤامرة» مؤداها أن الأزمة الحالية قد تكون محاولة استباقية من جانب بكين لإحباط نوايا هندية مزعومة لتنفيذ مغامرة عسكرية في مناطق شمال باكستان (تحديداً غيلغيت وبالتيستان)، التي يمر من خلالها «الممر الاقتصادي» بين الصين وباكستان.
الخبير الهندي أبرانا باندي، من «معهد هدسون» الأميركي أعرب في تقرير وضع عن الوضع، عن اعتقاده بأن: «الصين تبعث برسالة قوة وعزيمة في لحظة تواجه فيها انتقادات حادة من الرأي العام العالمي. ولقد وجدت نفسها مضطرة إلى تبني مسار هجومي من أجل تشتيت الانتقادات والتهديدات التي تواجهها مكانتها، على الصعيدين الداخلي والخارجي. والمعروف أنه في أوقات كهذه، تتفاقم التوترات الاجتماعية، ومن الواضح أن الصين رأت أن تلقين الهند درساً السبيل الأمثل أمامها لدعم مكانتها الدولية وإعادة بناء شرعية نظامها في الداخل. على الجانب الآخر، فإن الهند القوية اقتصادياً وعسكرياً والمستقرة سياسياً واجتماعياً، تشكل منافساً محتملاً للصين داخل آسيا. والمؤكد هنا أنه كلما زادت قوة التحالفات والشراكات التي تشارك بها الهند مع دول في آسيا والغرب، تضاءلت احتمالات إقدام الصين على الضغط عليها. ومن أجل هذا، تدعم الصين باكستان، وسعت لتأليب جميع الدول المجاورة للهند ضدها».

الهند ونيبال
من جهة ثانية، شهدت الفترة الأخيرة اندلاع خلاف حدودي بين الهند ونيبال رغم العلاقات الوثيقة التي تجمع البلدين منذ قرون. واشتعل هذا الخلاف بسبب تدشين الهند طريقاً في جبال الهيمالايا قرب الحدود مع إقليم التيبت الذي يتبع الصين. وتحول الأمر إلى قضية سياسية مشتعلة داخل نيبال، مع أن الطريق لم تُشق بطبيعة الحال بين عشية وضحاها، وثمة من يؤكد أن الحكومة النيبالية على علم بجهود شق الطريق وبنائها، وكانت تتابعها على مر السنوات. من ناحيته، مرر البرلمان النيبالي، الأسبوع الماضي، تشريعاً يبدل شكل الخريطة السياسية للبلاد، ويضم ثلاثة مناطق هندية إلى البلاد هي: ليمبيادهورا وكالاباني وليبولكه.
وفي حادثة مختلفة على الحدود بين نيبال والهند، فتحت قوات الشرطة النيبالية المسلحة النار ليسقط شخص واحد قتيلاً على الجانب الهندي. وأشارت مصادر إلى أن قرويين يدّعون أن الشرطة النيبالية طلبت منهم عدم التجول حول الحدود لأنهم ينشرون فيروس «كوفيد - 19» داخل نيبال.
وسط هذه الأجواء، ينظر مراقبون سياسيون في شبه القارة الهندية إلى رئيس الوزراء النيبالي كيه. بي. شارما أولي على أنه يميل ناحية الصين. ولقد سبق أن اشتعلت خلافات بينه وبين الهند في الماضي، إذ اتهم أولي السلطات الهندية عام 2016 بالوقوف خلف إسقاط حكومته. وهنا، تجدر أنه نظراً لكون نيبال دولة حبيسة - لا تطل على البحار - فإنها اعتمدت لسنوات طويلة على الواردات الهندية، واضطلعت الهند في المقابل بدور نشط في الشؤون النيبالية. إلا أن الوضع تبدل خلال السنوات الأخيرة مع تحرك نيبال بعيداً عن دائرة النفوذ الهندي ودخول الصين وسدها الفجوة التي تركها الانحسار التدريجي للنفوذ الهندي - تحت حكم ناريندرا مودي رئيس الوزراء اليميني الهندوسي القومي الحالي - عبر استثمارات ومساعدات وقروض سخية.
من جهتها، تنظر الصين إلى نيبال باعتبارها شريكاً محورياً في «مبادرة الحزام والطريق»، وترغب في ضخ استثمارات بالبيئة التحتية النيبالية في إطار خطط كبرى لها لتعزيز نشاطاتها التجارية العالمية.
وما يستحق الذكر في هذا السياق أن الرئيس الصيني شي جينبينغ أصبح خلال العام الماضي أول رئيس صيني يزور نيبال منذ زيارة جيانغ زيمين عام 1996. وخلال زيارة شي، قرر البلدان رفع مستوى الروابط بينهما إلى «شراكة استراتيجية».

تقارب صيني - نيبالي
الدبلوماسي الهندي السابق كريشان سينغ يتساءل في تعليقه على التقارب الصيني - النيبالي «كيف يمكن التعامل مع الصين؟... نحن نتصدى لهم... لكن عندما يتعلق الأمر بمنطقة جوهرية داخل دائرة نفوذك، وهي نيبال، يصبح لزاماً عليك التخلص من (رئيس الوزراء) أولي».
ويضيف كريشان سينغ: «لدينا أصول كافية هناك، فهناك البرلمان النيبالي، بجانب وجود انقسامات داخل الحزب الشيوعي النيبالي الحاكم. كما أننا نعرف جميع العناصر الفاعلة... لذا، علينا أن نتحرك للتخلص من الدمية الصينية الموجودة بالجوار، ودعم حكومة موالية للهند في (العاصمة النيبالية) كاتماندو... ومن شأن هذه الصفعة الموجهة إلى الصين أن تبعث برسالة واضحة لجميع دول الجوار مفادها أنك إذا سعيت للحصول على حماية الصين، فإنها لن تتمكن من إنقاذك لأنها لا تعرف آلية عمل الأنظمة الديمقراطية. قد يظل سفيرك يجري من مكان لآخر دون جدوى، لكن إذا فقد رئيس الوزراء شعبيته وتفكّك حزبه، فإن هذه تحديداً الرسالة التي تبعث بها. إننا لا نلقي اللوم على الصين، ولا ينبغي لنا منحها أهمية تفوق حجمها بمناشدتنا النيباليين بأن يبعدوا عنها، وإنما علينا فقط أن ندفعهم فعلياً للبعد عنها».
في أي حال، الملاحظ أن هذه الانتكاسة التي منيت بها الهند مع نيبال جاءت في توقيت شديد السوء، في ظل وجود أزمة عالقة على الحدود المتنازع عليها مع الصين شرق لاداخ. ومن المحتمل أن تمضي الصين في مساندة محاولات باكستان تدويل نزاعها مع الهند حول جامو وكشمير (الولاية الهندية السابقة، والمنطقة التابعة للهند في كشمير الطبيعية)، كما فعلت في أعقاب قرار حكومة مودي بتجريد الولاية من وضعها الاستثنائي وإعادة تنظيمها لتصبح منطقتين اتحاديتين في الخامس من أغسطس (آب) 2019. وفي هذا الصدد، أوضح الصحافي الهندي أنيربان بهاوميك أن «تردي العلاقات مع نيبال جاء بمثابة انتكاسة للتحركات الهندية الأخيرة لإعادة التأكيد على دورها القيادي داخل «رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي». وقد سارعت إسلام آباد بالفعل لاستغلال تجدد الاهتمام بالأزمة الحدودية بين الهند من جهة والصين ونيبال من جهة، لاتهام نيودلهي بالسعي خلف أطماع توسعية».

الصين في مواجهة الحوار
الأمني الرباعي
يرى البعض الآن أن حلم الصين في تسيد العالم وحتى احتلال المرتبة الثانية في الهيمنة على العالم بعد الولايات المتحدة، يبدو بعيد المنال في ظل الأوضاع الجيوسياسية الراهنة. وما يدعم هذا الاعتقاد التكتل المناهض للصين الذي نجح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تكوينه رغم كل المصاعب التي يواجهها في الداخل الأميركي بسبب جائحة «كوفيد - 19» وتداعياتها. فاليوم، بدأت ألمانيا وبريطانيا وأستراليا في تقليص علاقاتها مع الصين، والعمل على إعادة ترتيب العلاقات الدبلوماسية معها، واضعة نصب أعينها اجتماع مجموعة «السبعة الكبار» المقبل، الأمر الذي زاد من شعور بكين بالإحباط.
وفي هذا الصدد، أوضح الكاتب الصحافي الهندي مانيش بانديا أن «الأزمة الصينية - الهندية على الحدود مرتبطة بتردي العلاقات الدبلوماسية بين بكين وواشنطن. ولا تبدو الهند الدولة الوحيدة التي وجدت نفسها محصورة في التوتر المشتعل بين الجانبين. إلى جانب ذلك، فإن ما تفعله بكين لقمع الاضطرابات في هونغ كونغ، وأصوات الاعتراض داخل تايوان، أو ما تفعله من أجل فرض الاحتلال الكامل للتيبت ليس بالأمر الجديد أو المفاجئ للكثيرين من مراقبي العلاقات الهندية - الصينية». وإضافة لذلك، عمدت الصين إلى توريط أستراليا في توتراتها الأمنية مع الهند بعد توقيع نيودلهي وكانبيرا اتفاقية دفاعية تتشارك القوات العسكرية بالبلدين في منشآت داخل مضايق بحرية تنافس بكين بحدة للسيطرة عليها.
ومع تعبئة الصين والهند للمزيد من القوات والمعدات على امتداد الحدود الجبلية في سلسلة جبال الهيمالايا، ذكرت صحيفة «غلوبال تايمز» المدعومة من الحزب الشيوعي الصيني أن بكين تنظر إلى الاتفاق الهندي - الأسترالي باعتباره تهديداً مباشرا لها.
وحول هذا الجانب، أشار الكاتب الصحافي الهندي إم. دي. نالابات إلى أن «لدى كل من ترمب ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ورئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خططه الخاصة لنظام عالمي جديد في القرن الـ21».
وأردف نالابات: «في عام 2020. «ثمة ميثاق لمنطقة الهند والمحيط الهادي» آخذ في التشكل سريعاً كخيار يكسب تأييد أعداد متزايدة، خاصة داخل الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان. وفي الدول الأربعة، يدرس صانعو السياسة على نحو غير رسمي إمكانية العمل على الميثاق المقترح لمنطقة الهند والمحيط الهادي. وتبدو الدول الأربعة المشاركة في «الحوار الأمني الرباعي» (أستراليا واليابان والولايات المتحدة والهند) عناصر مثالية لإطلاق مثل هذا الخطوة، مثلما كانت بريطانيا والولايات المتحدة فيما يخص «الميثاق الأطلسي». وفي الوقت الذي تعتبر الدول الأربعة الأعضاء في «الحوار الأمني الرباعي» أنظمة ديمقراطية، فإن الميثاق المقترح يمكن بمرور الوقت أن يضم دولاً مثل فيتنام وجنوب أفريقيا.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».