«كورونا» يحاصر المهن التفاعلية... ويُجدد مهارات التكيُف

مصورون ومخرجون عرب دشنوا مبادرات لمساعدة المتضررين

«كورونا» يحاصر المهن التفاعلية... ويُجدد مهارات التكيُف
TT

«كورونا» يحاصر المهن التفاعلية... ويُجدد مهارات التكيُف

«كورونا» يحاصر المهن التفاعلية... ويُجدد مهارات التكيُف

رغم التداعيات النفسية والمالية السلبية لحصار وباء «كورونا» لأصحاب المهن التفاعلية حول العالم، فإنه تسبب كذلك في تجديد مهارات التكيف مع الأمر الواقع الجديد، الذي شهد تسريح ملايين الموظفين أو توقفهم المؤقت عن العمل بفعل الجائحة، لا سيما الوظائف التفاعلية التي لا يمكن إنجازها عن بُعد.
ودفعت الصورة الحالية القاتمة لوضع العمل حول العالم إلى ابتكار أفكار وحلول لمزيد من التكيف مع المستجدات التي ربما تعيش طويلاً، خصوصاً بعدما فقد ما يقرب من 30 مليون شخص وظائفهم في الولايات المتحدة الأميركية فقط، حتى الآن، حسب تقرير منشور في صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» يوم 3 يونيو (حزيران) الجاري، أمّا في الصين فإن نحو 130 مليون شخص فقدوا وظائفهم مؤقتاً، من بينهم 25 مليون شخص ربما يفقدون وظائفهم إلى الأبد. وفق ما نشره موقع «سكاي نيوز» في 22 مايو (أيار) الماضي.
ومن أجل مقاومة هذه الأرقام والأخبار التي تثير المخاوف والقلق على المستقبل المهني، اضطر المصور الإماراتي وليد شاه، المقيم في مدينة دبي، وأحد الشباب الذين تأثر عملهم بالجائحة، إلى التكيف مع الوضع عبر ابتكار حلول جديدة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «عملي في التصوير جاء بعد عشر سنوات من العمل بهندسة البترول، فهو شغف تخليت من أجله عن وظيفة الأحلام لأي شاب، لكن مع بداية إجراءات العزل المنزلي، كان الأمر بمثابة فرصة للاسترخاء وخوض تجارب جديدة مثل الطهي، لكن بعد مرور أسبوعين فقط لا أنكر أنني أصبت بالاكتئاب، فلم أتوقع أن تعود الحياة لسابق عهدها».
لا شك أن فقدان الوظيفة له تداعيات مالية مُلحة، فضلاً عن الجانب النفسي الذي وصفته دراسة، نُشرت في موقع «بي بي سي» يوم 2 أبريل (نيسان) الماضي، بأنّه لا يقل عن ألم فقدان شخص عزيز، حيث يمر الشخص بالمراحل عينها من الحزن والانكسار ثم التكيف. ويقول المصور وليد شاه: «بدأت الأفكار تتخاطر إلى ذهني عندما اشتدت الأزمة، في البداية حولت منزلي إلى ستوديو للتصوير لكن التجربة لم تنجح، فالسوق أصيبت بالشلل، والزبائن عزفت عن حركات الشراء، سوى الأساسية منها مثل الأطعمة والأدوية». ثم أطلق شاه مبادرة «موجود»، وهي طريقة لمساعدة الشباب المتضرر، لا سيما أن أغلب العاملين في وظائف تفاعلية مثل التصوير، والموسيقي، والفنون، والتصميم يتبعون نظام الرخصة الحرة، فإذا كانت الأزمة عصفت بمؤسسات اقتصادية ضخمة، فما بالك بالأفراد، وفقاً لشاه الذي يروي قائلاً: «عرضت على أي شخص فقد عمله أن أقوم بتصويره ونشر الصور مرفقة بمعلومات عن مهاراته، بأسلوب قريب لأغلفة المجلات، في محاولة لجذب الانتباه، ولم أشترط مقابلاً مادياً مُحدداً، بينما تُرك الأمر حسب قدرة كل شخص، حتى أنني قدمتها للبعض مجاناً».
وعن اختيار اسم «موجود» يقول شاه: «جاءت التسمية بسبب أن هذه الكلمة أصبحت الإجابة الكلاسيكية التي نطمئن بعضنا بعضاً بها، ونرسل من خلالها رسالة خجولة تبحث عن وظيفة». ويُقيّم المصور تجربته قائلاً: «لا يمكن قياس فعاليتها بعد، لكن على الأقل حققت الفكرة رواجاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وربما تحقق الغرض الفعلي منها مع بداية عودة الحياة في دبي في إطار خطة الدولة للتعايش».
ويعيش الملايين حول العالم خلال الفترة الحالية على أمل سرعة إنتاج لقاح أو علاج فعّال مضاد لفيروس «كورونا»، لإعادة دوران عجلة الحياة كما كانت، قبل ظهور الوباء في نهاية العام الماضي، خصوصاً بعد ظهور الموجة الثانية من الفيروس على غرار الصين التي أعلنت أخيراً عن ارتفاع حالات الإصابة وإعادة اتخاذ الإجراءات الاحترازية في العاصمة بكين للحد من تفشي الوباء مرة أخرى.
وفي مصر، لم يختلف المشهد كثيراً، فالحياة متعثرة وبعض المهن فُرض عليها الاختفاء مؤقتاً. يقول المخرج المسرحي والحكاء محمد عبد الفتاح لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أنني أمارس مهنتين، لكنهما من المهن التفاعلية، تصورت في البداية أنّه لا يمكن استكمالها من داخل غرف العزل المنزلي، وتوقعت أنّه لا يمكنني ممارسة عملي في الإخراج من دون خشبة مسرح وممثلين، كذلك مهنتي كحكاء أو صانع حكايات تقوم على إقامة ورش التدريب للأطفال والكبار، فورش التدريب هي مصدر الدخل الأساسي لأسرتي، التي توقفت نهائياً بعد الأزمة الحالية».
رغم اختلاف العمر والمهنة والمدينة التي يعيش فيها كل من المصور والحكاء، فإن فكرة «التكيف» جمعت بينهما، يقول عبد الفتاح: «الظرف القاسي الذي نعيشه فجّر طاقات إدارة الأزمات داخلنا، فرغم الإحباط في البداية، ثم ترقب أمل انقضاء الأزمة، حان الوقت للتعايش من خلال تطوير نظرة كل شخص لآليات مهنته». وحفاظاً على قواعد التباعد الاجتماعي، ذهب عبد الفتاح إلى فكرة إطلاق ورشة عبر الإنترنت، مؤكداً: «في حين أنّ الالتقاء بالمشاركين من خلال شاشات ربما يحول دون تعليم مهارة أداء الحكايات، لكنّه يتيح فرص تعلم الكتابة سواء للأطفال أو الكبار». ويبدو أن الجميع يبحث عن فرصة لعودة الحياة».
مشيراً إلى أنّه «لم يتوقع هذا التفاعل»، وقال: «لقد حان الوقت لتغيير آليات المهن وكسر القوالب الكلاسيكية، فقد يكون ذلك بداية الخروج من الأزمة بدلاً من أمل اللقاح المُنقذ».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».