«الرياض الخضراء» يزرع ملامح تغيير بيئي في العاصمة السعودية

صورة جوية لمتنزه سلام (موقع مشاريع الرياض الكبرى)
صورة جوية لمتنزه سلام (موقع مشاريع الرياض الكبرى)
TT

«الرياض الخضراء» يزرع ملامح تغيير بيئي في العاصمة السعودية

صورة جوية لمتنزه سلام (موقع مشاريع الرياض الكبرى)
صورة جوية لمتنزه سلام (موقع مشاريع الرياض الكبرى)

كثيراً ما تتفاقم الآثار البيئية للتحضر بسبب التوسع السريع للمدن، وتغير المناخ في زيادة التلوث، والضغط البشري المنتج لآثار حتمية على البيئة في إحداث إشكالات مناخية عدة.
وبدأت ملامح ظهور مشروع الرياض الخضراء الذي يعد واحدا من أكثر مشاريع التشجير طموحاً في العالم التي يمكن أن تساعد الأشجار الحضرية في التخفيف من بعض الآثار البيئية السلبية، وبالتالي تجعل المدن أكثر مرونة في مواجهة هذه التغيرات. وتشتمل الأعمال في حزمتها الأولى على زراعة نحو 31 ألف شجرة، وذلك على امتداد 144 كلم من الطرق الرئيسية من مدينة الرياض، من بينها طريق الملك سلمان، وطريق الملك خالد، وطريق الملك فهد، وطريق المطار، وطريق مكة المكرمة، والطريق الدائرية الشمالية، والطريق الدائرية الشرقية.
ويسهم مشروع الرياض الخضراء، الذي يأتي ضمن مشروعات «الرياض الكبرى» التي وضع أساسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في مارس (آذار) 2019. في رفع نصيب الفرد من المساحة الخضراء في المدينة، وزيادة نسبة المساحات الخضراء الإجمالية فيها من خلال إطلاق نشر وتكثيف التشجير في كافة عناصر المدينة ومختلف أرجائها، مع تحقيق الاستغلال الأمثل للمياه المعالجة في أعمال الري، بما يساهم في تحسين جودة الهواء وخفض درجات الحرارة في المدينة، وتشجيع السكان على ممارسة نمط حياة أكثر نشاطاً وحيوية بما ينسجم مع أهداف توجهات «رؤية 2030». ولفت المُخطط الحضري، فؤاد العسيري بأن التشجير للمدن بشكل عام ذو أهمية قصوى، خاصة بما يتعلق بالمدن الصحراوية فإنها تكون عادة أكثر حاجة للتشجير إذا أُخذ بالمعايير المناسبة للمناطق الصحراوية لعملية التشجير؛ نظراً لتعرضها لحرارة الطقس، والأتربة، والملوثات.
وفي اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أشار العسيري أن غالبية مشاريع تخطيط المدن من السبعينيات ركَّزت على سهولة تنقل المركبات، ولم تراعِ المسافات بين المرافق في المدن، وتسهيل إمكانية الوصول إليها مشياً أو بالدراجة.
وأكد العسيري على عدم مراعاة أولوية حاجة تنقل الإنسان بين المرافق ذات المسافات بين المدن، وعلى ذلك فإن المناخ بمواسمه ليس سببا عائقا لقضاء الإنسان حوائجه مشياً على سبيل المثال، وإنما الإشكال يقع في عدم الأخذ بالمعيار الإنساني عبر الاستهلاك للمساحات السَّكنية الكبيرة مقارنة لمتوسط الاستخدام العالمي. ويأتي التشجير للمدن عاملاً محفزاً لجودة الحياة، وأنسنة المدن من خلال قصد الأفراد حوائجهم دون استخدام السيارة، موضحاً العسيري بأن المدن أصبحت متباعدة المرافق وفقد المعيار الإنساني في تهيئة وتسهيل بعض أو جزء من مقاصد الفرد اليومية.
من ناحيته، أوضح العسيري بأن مشروع «الرياض الخضراء»، يركز على أهمية زيادة التشجير وليس «المسطحات العشبية»، لأن المسطحات العشبية فائدتها الحضرية ضعيفة، وتستهلك كميات كبيرة من المياه، فبالتالي يركز المشروع على الفوائد الوظيفية وهي «التشجير».
مشيرا إلى أن إحدى النقاط الرئيسية لمشروع «الرياض الخضراء» إحاطة المنشآت ككل بأشجار الظل التي تصل لثلاثة أمتار فما فوق، مما يؤدي إلى اِنخفاض حرارة الطقس، واِمتصاص ضوء الشمس بدلاً من انعكاسه على المبنى، وانخفاض حرارة سطح الأرض من 10 - 12 درجة مئوية، بالإضافة إلى انخفاض تيار الهواء المحيط للمبنى إلى 7 - 5 درجات مئوية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».