لا ينسى المهندس عمر الديب شجرة التوت التي كان إلهامها سبباً في إنبات 100 ألف شجرة مُثمرة، فبعد أن رأى تلك الشجرة الراسخة أمام بيته يتحلّق حولها عدد من المارة ليأكلوا من ثمرها، وأغلبهم من الفقراء، ظل يفكر في زراعة أشجار مُثمرة في المدن والقرى، لتكون نواة طيبة لكل محتاج وعابر سبيل، حتى أثمرت الفكرة عن مبادرة أطلق عليها «شجّرها»، أسسها في أبريل (نيسان) عام 2016.
رغم التحديات البيروقراطية والمادية التي واجهها المهندس الثلاثيني عمر الديب ومن معه من المتطوعين الذين آمنوا بقيمة المبادرة، فإنهم استطاعوا حتى اليوم زراعة أكثر من مائة ألف شجرة مثمرة في 16 محافظة مصرية، وكذلك عشرة آلاف سطح وشرفة، ورغم أن عام 2019 شهد أوج نشاطهم وفعالياتهم التوعوية بأهمية التشجير بيئياً وإنسانياً، فإن عام 2020 أخلف الظنون والخطط الطموحة التي كان يهدف لها القائمون على المبادرة، يقول عمر الديب لـ«الشرق الأوسط»: «توقفنا منذ أزمة كورونا عن فعالياتنا بشكل كبير، منذ أيام باشرت بعض الأشجار التي أنبتت زيتوناً ورماناً وغيرها من الثمار، في مشهد مفرح للغاية، إذ يعتني المتطوعون بالأشجار المُجاورة لهم التي قاموا بزراعتها عبر المبادرة، ولكن في المقابل هناك انتعاش أكبر في حركة تشجير الأسطح والشرفات بسبب الإجراءات الاحترازية الحالية والبقاء لساعات أطول في البيوت».
تنقسم أهداف المبادرة إلى زراعة مليون شجرة مُثمرة في الشوارع والمدارس والأماكن العامة بدلاً من أشجار الزينة، وزراعة الشرفات والأسطح، والتنمية المستدامة ومواجهة ظاهرة التغيرات المناخية، وبسبب مواكبة فعاليات زراعة الأشجار المُثمرة لتجمعات المتطوعين وأهالي الأحياء، فقد تصدر الهدف الثاني للمبادرة وهو زراعة الأسطح والشرفات أكبر نقاشات المبادرة عبر موقعها على «فيسبوك»، الذي ينتعش بمواد فيديو تعريفية وتعليمية لكيفية زراعة الخضراوات بطرق بسيطة داخل المنزل.
أمل إبراهيم، 32 عاماً، تعمل في واحدة من الشركات التي تسمح لموظفيها بالعمل من المنزل في زمن «كورونا» بالقاهرة، قررت تحويل شرفتها إلى مكان يتسع لكرسيين وطاولة، تسمح لها وزوجها بمشاركة شرب الشاي في الهواء الطلق، تقول «أشعر بسعادة كبيرة عند قطف ورقات من النعناع الذي أزرعه حالياً في الشرفة، وأضعها في الشاي»، مضيفة: «بعد أزمة كورونا وتحديداً مع بداية فصل الربيع والصيف، وجدت العشرات من الصور التي تحمل أفكاراً لزراعة الشرفات وتنسيقها، وقمت فعلاً بإدخال بعض التغييرات عليها، اشتريت أوعية من مشتل مُجاور لنباتات مطبخية كالنعناع والبقدونس والكرفس، وكذلك اشتريت شتلات ورودا، وهذه المرة الأولى التي أقرر الاعتناء فيها بنباتات، ولكنني سعيدة لأن هذا الأمر أصبح يشجعنا الآن على الجلوس بالشرفة بعدما كنا لا ندخلها تقريباً، وأصبحت من طول ساعات البقاء داخل البيت أشعر أن الشرفة المُحاطة بأوعية الزرع كأنها متنفس حقيقي خارج جدران البيت».
وتلقى المواد التي ينشرها الديب عبر صفحة المبادرة على غرار طرق زراعة النباتات العطرية كالنعناع والبقدونس، وكذلك الخضراوات كالطماطم والفلفل والباذنجان داخل أوعية للزراعة أو حتى داخل زجاجات المياه البلاستيكية التي يمكن إعادة تدويرها بالزراعة داخلها تفاعلاً لافتاً من قبل المتابعين الذين يشاركون صور شرفاتهم المزروعة بتلك النباتات.
الاتجاه لزراعة الشرفات والأسطح بدأ في مصر قبل عدة سنوات، عبر أكثر من مبادرة حكومية وأهلية، لا سيما أنها غير مكلفة اقتصاديا، ولعل آخرها مبادرة «زراعة الأسطح» التي أطلقتها وزيرة البيئة المصرية الدكتورة ياسمين فؤاد في مطلع مارس (آذار) هذا العام، منطلقة من المركز الثقافي البيئي التعليمي «بيت القاهرة»، بالتعاون مع هيئة التعاون الدولي الألماني GIZ ومبادرة «شجّرها»، وذلك في إطار مبادرة «اتحضر للأخضر» تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لرفع الوعي البيئي.
وإلى جانب الجانب الغذائي والاقتصادي لتلك الزراعة المنزلية، فهناك أيضا الجانب الجمالي، فقد شجعت صورة نشرها عمر الديب على صفحة «شجّرها» عن كيفية تحويل شرفة بيته من مكان مهجور إلى مساحة مبهجة أقرب لحديقة صغيرة، الكثيرين على نقل التجربة إلى بيوتهم والتقاط صور لشرفاتهم بعد الاستعانة بالنجيلة الصناعية لتجليد أرضيات الشرفات، لتمنح انطباعاً ببهجة الزرع وملمسه.
يروي عمر قائلاً: «قمت وزوجتي بهذا التغيير قبل شهر رمضان الكريم، وضعنا أوعية الزرع المختلفة بعضها لنبات الصبار، وأخرى للنباتات العطرية، وجميعها لها فوائد كبيرة، كما استعنا بالزينة والأواني الفخارية ذات الطابع الشرقي، وفوجئنا بأن جيراننا بعدما شاهدوا التغير الذي حلّ بشرفتنا، تواصلوا معنا وقاموا أيضا بتنفيذ تلك الفكرة في شرفتهم أيضا، فالجمال معدٍ، ومن الرائع أن نصنع داخل بيوتنا أماكن مفتوحة لقضاء الوقت بشكل آمن وفي الهواء الطلق، ونقوم بإشراك أبنائنا في رعاية تلك النباتات، وقد شجعت تلك الصورة كثيرا من أعضاء الصفحة على مشاركة صور لشرفاتهم بعد إدخال تلك التعديلات البسيطة عليها والنباتات القادرة على تخفيف الشعور بالحصار داخل البيوت».
«عدوى الجمال» تنتقل عبر شرفات البيوت في مصر
ازدهار زراعة النباتات المثمرة لمقاومة «عزلة كورونا»
«عدوى الجمال» تنتقل عبر شرفات البيوت في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة