«كورونا» يغيّب العادات الرمضانية المتوارثة في الجزائر

الحنة للطفل في حفل الختان
الحنة للطفل في حفل الختان
TT

«كورونا» يغيّب العادات الرمضانية المتوارثة في الجزائر

الحنة للطفل في حفل الختان
الحنة للطفل في حفل الختان

يحتفي الجزائريون بشهر رمضان المبارك أيّما احتفاء فيسمونه: «سيدنا رمضان». وقبل أيام من حلوله تشرع ربات البيوت بتنظيف المنازل والأثاث، واقتناء لوازم رمضان، وشراء أوانٍ منزلية «فأل خير»؛ قدور فخارية لطبخ شوربة الفريك، وصحون بيضاء تبهج الصائمين. وتقول رتيبة (ربة بيت): «الأكل يصبح أشهى بالصّحون الجديدة، والشوربة طعمها بقدرة الفخار لذيذ، ولا بدّ في رمضان من التّجديد استقبالاً للضيف (سيدنا رمضان)، يزورنا مرة في العام». وتهتم ربات البيوت كثيراً بتوابل رمضان، مثل القرفة والفلفل الأسود والحرور (سبع بهارات) والفليفة الحمراء، تطحنها ربة البيت بعد تنقيتها، فتفوح رائحتها في المنزل معلنة قدوم رمضان. تلك التّوابل تستخدم في أشهى المأكولات الرمضانية التّراثية، منها «اللحم الحلو»، وشوربة الفريك، وخبز المطلوع والبوراك، يومياً على مائدة رمضان، والإفطار بشربة حليب وبضع حبات تمر دقلة نور الشهير بالجزائر.
لقد أخفق فيروس «كورونا» في انتهاك عادات الجزائريين الرمضانية المنزلية، فلم يقتحم الحجر الصّحي، الذي ساهم، كما تقول عزيزة (ربة بيت) «في زيادة التّفنن بالمأكولات والحلويات لتزجية الوقت». لكنّ «كورونا» قصم ظهر العادات الاجتماعية والدينية المألوفة في رمضانات سابقة، فغابت أفراح الشهر وطقوسه الليلية.
- عادات رمضانية متوارثة
صلاة التراويح شعيرة دينية يتوق الصائمون إليها كل رمضان، فتكتظ المساجد بالمصلين، وفي بعضها يحتل المصلون الأرصفة والطرقات، فيتوقف المرور خلال صلاة التراويح. النساء أيضاً يذهبن لصلاة التراويح في المساجد في قسم خاص. وعند خروج المصلين تمتلئ الشوارع بهم وبملابسهم البيضاء مبتهجين لينتشروا في أماكن مختلفة، أغلبهم يتسلى في المقاهي حيث يلتقون الأصدقاء، ويعلو الهرج والضّحك وهم يشربون الشاي الأخضر بالنعناع أو يرتشفون القهوة، والبعض الآخر يذهب إلى الحفلات الدينية التي تحييها فرق شعبية في الساحات العامة، أو حفلات تنظمها وزارة الثقافة في القاعات الكبرى، يدعى إليها فنانون عرب احتفاء برمضان.
وتحتفل العائلات الجزائرية بليلة النصف من رمضان بالبخور والأدعية والاستغفار، ويتصدقون على الفقراء باللحم. وتقول السيدة الزهرة من حي باب الواد الشعبي: «لا نزال متمسكين بالاحتفال بليلة نصف رمضان، لأنّها فرصة للمّ شمل العائلة والأقارب بعد الإفطار، وهي ليلة مميزة لإعداد موائد الرحمة لإطعام الفقراء وأبناء السبيل». وتختلف طقوس إحياء ليلة النصف بين منطقة وأخرى، وإن اشتركت بلمة دافئة وتقديم الصدقات والأدعية.
- صوم الصغار
عادة رمضانية من عادات الأجداد، تقول السيدة فضيلة، وتضيف: «نشجع الطفل على صيام رمضان عندما يتحمس لتقليد الكبار. فيصوم تدريجياً ليتعلّم الصبر على الجوع والعطش مع الترغيب بالهدايا والمأكولات التي يحبها في إفطاره الأول. ويفطر (بالشربات) وهو ماء ممزوج بماء الزهر ومحلى بالسكر، ونضع بالكأس خاتم فضة للذكر، وخاتم ذهب للبنت، كفأل خير، وتختلف طقوس الإفطار من منطقة إلى أخرى، في منطقة القبائل يفطر الصائم الصغير على السطح دلالة بلوغه الرفعة والسمو، ويطعمونه بيضاً مسلوقاً رمز الخصوبة، بينما في الجنوب الجزائري يذبحون خرافاً ويولمون على شرف الصّائمين الصغار احتفالية تشبه العرس، لتشجيعهم على مواظبة الصّوم دون إكراه».
...وختان الأطفال
غالباً ما يكون في العشر الأواخر من رمضان، لكنّ الجزائريين يفضلون ختان أطفالهم في ليلة القدر، احتفالية تشبه العرس للعائلة. يرتدي الطفل ملابس خاصة للختان؛ طربوشاً أحمر وخُفَّاً تقليدياً وصدرية مطرزة وسروالاً حريرياً أبيض، وحوله الشّموع، ويغنون التواشيح الدينية خلال وضع الحناء في كفه الصغيرة، ويقدم المدعوون الهدايا و«التويسة» أو «النقوط»؛ نقوداً ترمى في منديل مطرز بجانب الطفل، تساهم في تكاليف الاحتفالية من طعام وحلوى وشاي أخضر وقهوة.
لكنّ اللجنة العلمية لرصد ومتابعة تفشي فيروس «كورونا» دعت العائلات الجزائرية إلى «تأجيل عمليات الختان إلى ما بعد نهاية الجائحة، حفاظاً على إجراءات الوقاية وتفادياً لأخطار العدوى الناشئة عن الاجتماع والاختلاط في مثل هذه المناسبات».
- البوقالة لمّة العازبات والمتزوجات
طقوس السّهرات الرّمضانية النسائية تحلو مع «البوقالة»، موروث شعبي عريق، فيها كثير من الحلم والأمل للعازبات «العواتق»، يترقبن فألاً جميلاً لمستقبلهن. تتوسط الجلسة لوازم البوقالة؛ إناء فخاري يسمى بالأمازيغية «البوقال»، فيه قليل من الماء، وبجواره بخور الجاوي بإناء نحاسي، والفحم بالكانون «النافخ». تضع العازبات خواتمهن في البوقال، وكل صبية تنوي بعقد طرف ثوبها أو خمارها أو قطعة قماش، وعلى رائحة البخور تلقي امرأة مسنة شعر البوقالة، وهو من الشعر الشّعبي المسجوع. وبانتهاء البوقالة تسحب طفلة صغيرة خاتماً من الخواتم يكون فأل البوقالة لصاحبته، ومن حق الفتاة ألّا تبوح باسم الشخص الذي عقدت النية عليه. عرفت «البوقالة» في حي القصبة العتيق بالعاصمة الشهير بأزقته الضيقة وأسطحه المتلاصقة، فتجتمع النسوة على أسطح المنازل أو في فناء البيت. ويُقدّم الشاي الأخضر بالنعناع مع المكسرات والزلابية والبقلاوة وقلب اللوز (الهريسة)، منسقة بأناقة على صينية فضية ومناديل مطرزة، تشي بمهارة «عواتق» الدار.
تلك العادات الرمضانية اختفت مع «كورونا»، الذي فرض الحجر الصحي على الجزائريين للحدّ من انتشار الوباء. حتى العيد هذا العام ليس عيداً، سيكون حجراً شاملاً خلال يومي العيد، ومنع الحضن والتقبيل في المغافرة، ويكتفي بالإشارة؛ حسب بيان لجنة الإفتاء في وزارة الشؤون الدينية: «لا يجوز أن نجعل من المغافرة وصلة الأرحام والتزاور سبباً في حدوث العدوى وانتشار فيروس (كورونا)»، مضيفة أنه «ينبغي الاكتفاء في التهاني والمغافرة وصلة الأرحام بوسائل الاتصال الحديثة للجمع بين تجسيد هذه القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية وبين ضمان التباعد الاجتماعي وتجنب الاحتكاك». وحثت على «دفع هذا الضرر والاكتفاء في السلام بالإشارة».
كان رمضان حزيناً في الجزائر شأنه في الدّول الإسلامية، تسببت به جائحة «كورونا» التي شلت الحياة. الغياب القسري لعادات رمضان التراثية جراء الحجر الصّحي جعلهم يتذكرونها بحنين لأيام زمان.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.