مهنة المسحراتي رمز رمضاني لا يزال حاضراً

تشهد رواجاً في مدينتي صيدا وطرابلس اللبنانيتين

TT

مهنة المسحراتي رمز رمضاني لا يزال حاضراً

لا تزال مهنة المسحراتي في لبنان تمارس على أصولها في مدن لبنانية عديدة في شهر رمضان من كل عام. فهي تعد واحدة من رموزه المشهورة بين أهالي المدن، وهم يرفضون غيابها عن أحيائهم وأزقتهم، لا سيما الشعبية منها، حتى في زمن الجائحة.
وهذه المهنة عادة ما يتم توارثها أباً عن جدّ، فيعلمها الأب لابنه وأحياناً لأحفاده كي تشهد الاستمرارية. فيتنقل المسحراتي بين عمارات الأحياء وهو يضرب على الطبلة قائلاً: «يا صايم وحّد الدايم، وحّد الله قوم يا نايم». ويرافقه في جولاته مجموعة من أولاد الحارة التي يعيش فيها، كي تحفر هذه المهنة في ذاكرتهم ويكملون بها عند الكبر.
وفي مدينة صيدا الجنوبية يسير يومياً المسحراتي محمد غزاوي بين شوارعها الشعبية ويحرص على مناداة كل شخص باسمه. فيطل الأهالي من شرفاتهم يستقبلونه مهللين وليؤكدوا له بأنهم على الموعد دائماً. ولكن كيف اختلفت مهنة المسحراتي هذا العام عن باقي السنوات؟ يرد محمد غزاوي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أحاول دائماً تحديث هذه المهنة كي تواكب الزمن الذي نعيشه. والجميع ينتظر سماع طبلتي والأناشيد بأصوات منشدين مشهورين تصدح من آلة تسجيل أحملها معي. كما أحاول تحديث شكلي الخارجي كمسحراتي من خلال ارتدائي أزياء تلائم المناسبة. فالأطفال يفرحون عندما يلمحونني من بعيد واضعاً الكفية والعقال على رأسي ومرتدياً العباءة المطرزة، بينما كنت في العام الماضي أعتمر الطربوش الأحمر. وحتى في زمن (كورونا) وفي ظل التباعد الاجتماعي المفروض علينا، فإن أهالي صيدا لا يرفضون استقبالنا وفتح أبوابهم لنا أثناء قيامنا بلمّ (العيدية)».
والـ«عيدية» التي يتحدث عنها محمد، هي كناية عن مبلغ مالي يتصدّق به أهالي كل بيت في العشرة أيام الأخيرة من الشهر الفضيل على المسحراتي. فتكون بمثابة أجر له على ما يقوم به تسهم في تحسين وضعه المعيشي.
ويضيف محمد في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «رغم كل شيء وضيق العيش وتردي الأوضاع الاقتصادية وتدهورها بشكل كبير في لبنان، فإنه لا يزال أهالي صيدا يتفاعلون معنا. فسكان أحيائها وأزقتها القديمة يعرفونني منذ سنوات طويلة ويتكفل بعضهم بتزويدي بالـ(عيدية) ولو كانت رمزية».
وقبل 10 أيام من انتهاء شهر رمضان يجري واجب الوداع من قبل المسحراتي لأهالي الأحياء التي يزورها. وهذه العادة معروفة في جميع المدن اللبنانية، إذ يزور المسحراتي سكان كل عمارة يناديهم بأسمائهم ليتمنى لهم شهراً كريماً. فيدق الأبواب وهو يضرب على آلات إيقاعية كالطبل والدف ويحمل الفانوس أو مصباحاً يعرف بـ«لوكس» ويتميز بضوئه القوي، فينير دروبهم في حال انقطاع التيار الكهربائي أو خلال تسلقهم سلالم عمارات لا تتمتع بإنارة جيدة. وتجري فترة الوداع وسط النهار وليس عند الفجر كما تتطلب شروط هذه المهنة باقي أيام الشهر.
وفي مدينة طرابلس الشمالية يتجول المسحراتي خليل منوري في أحياء الرفاعية وأبو سمرا وسوق العطارين.
ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن أن تندثر هذه المهنة ما دمنا نشهد حماساً كبيراً من قبل العائلات الطرابلسية التي تنتظر مرور المسحراتي كل يوم وتومئ له من على شرفات منزلها». ويضيف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أستعد للقيام بهذه الجولة منذ الثانية فجراً ويرافقني فيها عديد من أولاد الحي وأنا أمارسها منذ أكثر من 26 عاماً عندما كنت أرافق والدي وجدي في جولاتهما كمسحراتيين معروفين في المدينة. فهذا التراث لن يموت في مدينتنا الفيحاء ويعتبره كثيرون بمثابة بركة الشهر الكريم». ويعلق من ناحية أخرى: «ما يؤلمنا هذه السنة هي الأجواء السلبية التي تعكر علينا الاستمتاع بالشهر الفضيل على أصوله. فالناس بغالبيتها محبطة وأحوالها المادية على تراجع مستمر وأتمنى ألا يؤثر ذلك على مهنة المسحراتي وتصبح من ذكريات الماضي. فالناس ما عادت تفتح لنا أبواب بيوتها لإعطائنا (العيدية) وتلتزم الصمت عندما تسمع خطواتنا نتسلق سلالم طوابق العمارات التي تسكن فيها».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.