في أنتاركتيكا... عزل ذاتي رغم غياب «كورونا»

المقيمون في أنتاركتيكا يتبعون قواعد العزل الذاتي المعمول بها في مختلف أنحاء العالم (بي بي سي)
المقيمون في أنتاركتيكا يتبعون قواعد العزل الذاتي المعمول بها في مختلف أنحاء العالم (بي بي سي)
TT

في أنتاركتيكا... عزل ذاتي رغم غياب «كورونا»

المقيمون في أنتاركتيكا يتبعون قواعد العزل الذاتي المعمول بها في مختلف أنحاء العالم (بي بي سي)
المقيمون في أنتاركتيكا يتبعون قواعد العزل الذاتي المعمول بها في مختلف أنحاء العالم (بي بي سي)

رغم كونها القارة الوحيدة التي لم تسجل أي حالات إصابة بفيروس كورونا المستجد، فإن المقيمين في القارة القطبية الجنوبية، أو أنتاركتيكا، يتبعون قواعد العزل الذاتي المعمول بها في مختلف أنحاء العالم.
وبحسب شبكة «بي بي سي» البريطانية، فرغم عدم وجود سكان أصليين في أنتاركتيكا، فإن هناك نحو 5 آلاف شخص، معظمهم من العلماء والباحثين يقيمون بها حالياً، حيث تمتلك 29 دولة قواعد للبحث العلمي دائمة في هذه القارة.
وقد أكد الباحثون أنه إذا وصل فيروس كورونا إلى أي من هذه القواعد، فقد يتسبب ذلك في كارثة كبيرة، حيث إن المرافق الطبية هناك محدودة واحتمالية تفشي الفيروس بين الأشخاص ستكون مرتفعة.
وقال براديب تومار، وهو أحد الباحثين الذين يقومون بمهمة بحثية في قاعدة بهاراتي «Bharati «الهندية في أنتاركتيكا: «سيكون الوضع هنا كارثياً إذا أصيب أي شخص بفيروس كورونا. لذلك فنحن نطبق قواعد العزل والإغلاق مثل معظم دول العالم. يبدو أننا معزولون داخل العزلة. الوقاية أفضل بكثير من العلاج».
وأشار تومار إلى أن فريقه البحثي المكون من 23 شخصاً يخضع للعزل الذاتي منذ شهر فبراير (شباط).
وقال تومار: «وصلت إلى قاعدة بهاراتي في مهمة بحثية، في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وكانت الأمور طبيعية جداً في ذلك الوقت، أما الآن فنحن نعاني من قلق دائم، ويتفاقم هذا القلق يومياً مع نقص المعلومات التي تصل إلينا حول تطورات فيروس كورونا، وخوفنا المستمر على عائلاتنا».
وأشار الباحث الهندي إلى أنه يحصل على المعلومات من أصدقائه وعائلته كلما أتيح له الاتصال بهم. وأضاف: «كان أصدقائي يخبرونني أنهم يعيشون في وضع مثل وضعنا، معزولون في منازلهم. الأمر الذي لا أستطيع استيعابه هو أن العالم كله أصبح يرتدي أقنعة الوجه أثناء خروجه من المنزل».
مع تدابير الحجر الصحي المعمول بها في جميع أنحاء العالم، قد يصبح السفر من وإلى القارة القطبية الجنوبية صعباً.
وقد يعني ذلك أنه سيتعين على العلماء الموجودين بالقواعد البحثية البقاء لشهور أطول بكثير مما توقعوا في مناخ أنتاركتيكا البارد وغير المضياف.
ويغطي الثلج ما نسبته 98 في المائة تقريباً من أنتاركتيكا، وهي أكثر القارات برودة وجفافاً ورياحاً.
وتلقى جميع فريق قاعدة بهاراتي تدريباً شاملاً قبل وصولهم للمكان، لتعلم كيفية الاستعداد بدنياً ونفسياً للبقاء هناك، حيث إن العزلة الاجتماعية المستمرة ونقص ضوء الشمس يعرض الباحثين الذين ينتقلون إلى هناك لخطر الإصابة بالاكتئاب.
وأوضح تومار: «نحن مدربون على العزلة الذاتية، ولكن باقي الناس في مختلف أنحاء العالم لم يعتادوا على ذلك، وهذا قد يعرضهم لمشكلات نفسية كبيرة». وأضاف: «أشعر أنني عندما أعود إلى وطني سأجد كل شيء اعتدت عليه قد تغير تماماً، فالعالم لم يشهد أزمة مشابهة من قبل».
وأنهى تومار حديثه بقوله إن آثار هذه الأزمة ستغير شكل العالم بأكمله.
يذكر أن فيروس كورونا تسبب في إصابة 4.5 مليون شخص ووفاة 299 ألف حالة حول العالم.


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
TT

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)

ما إنْ تدخُل معرض «المجهول» للفنان التشكيلي المصري أحمد مناويشي، حتى تستوقفك وجوه لوحاته، بريشة حرّة تستكشف ملامحَ وأحداثاً غامضة. أعماله تبحث عن مشاعر عميقة وعلامات استفهام تحضّك على التحليل وفكّ الألغاز.

ينقسم معرض مناويشي في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة البيروتية إلى قسمين، من بينها ما يروي حكايات أشخاص اختبأت مشاعرهم تحت الأقنعة الواقية من جائحة «كورونا»، وأخرى رسمها حديثاً لمَن عاشوا الحرب الأخيرة في لبنان.

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)

مع هذا المعرض، يستعيد غاليري «آرت ديستريكت» عافيته. فالحرب منعته قسرياً من إقامة نشاطات ثقافية. ومن خلال «المجهول»، يعلن صاحبه المصوّر الشهير ماهر عطّار انطلاق الموسم الفنّي في الغاليري.

في الجزء الأول من مجموعة أحمد منشاوي، تصطفُّ سلسلة لوحات صغيرة، تصوِّر جميعها وجوهاً يعتريها القلق. فالفنان المصري لفتته ملامح الإنسانية في زمن «كورونا». كان يرى الإنسان يمشي مرتدياً القناع خوفاً من الإصابة بالعدوى. وهو ما حضَّه، خلال إقامته في بروكسل، على تخيّل ملامحه الأصلية. وفي 30 لوحة يئنُّ أصحابها تحت وطأة أحاسيسهم، يُترجم أفكاره. مجموعة من النساء والرجال تصرخ بصمت، فتُخرج غضبها وقلقها وحزنها عابسةً في معظم الوقت.

تقنيته المرتكزة على الأكليريك تتدخَّل فيها أحياناً أنامل الفنان بعيداً عن ريشته (الشرق الأوسط)

يوضح مناويشي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأتِ التجربة عندما كنتُ في بروكسل عام 2021. كانت مفاعيل الجائحة لا تزال تسيطر على حياتنا. جميعنا اعتقدنا بأنّ هذه الحقبة أبدية، كأنَّ سوادها لا حدود له. فرحتُ أتخيّل الناس الذين أراهم كأنهم خلعوا أقنعة الوقاية ورسموها. جميعهم كانوا مجهولين بالنسبة إليّ، ولا تربطني بهم أي علاقة. عندما عدتُ إلى لبنان، انتابتني الأحاسيس عينها. كانت الحرب محتدمة، وكان الناس قلقين، لا يعرفون مصيرهم. فرأيتُ بوضوح المجهول الذين يتخبَّطون فيه. حالة الترقب هذه حرّضت ريشتي على التحرُّك من جديد. ومن خلال تلك الحالتين، تناولتُ موضوع (المجهول)، إنْ من ناحية المشاعر أو المصير».

الإحساس بالتأرجُح في طريق لا رؤية واضحة لنهايتها، يُترجمه أحمد مناويشي. ويعترف من خلال ريشته بأنّ الانتظار مخيف، فكيف إذا كانت الأجواء التي يعيشها الناس غامضة؟

تحمل وجوه لوحات مناويشي أسئلة مختلفة تتعلّق بقلق المصير (الشرق الأوسط)

في واحدة من لوحاته، يشير إلى شخصيات مجموعة «أنونيموس» العاملة في مجال «النضال» عبر الاختراق البرمجي. راجت أعمالها المثيرة للجدل عام 2003، فمثَّلت مفهوماً لمستخدمي الإنترنت المجهولين. حينها، عَبَروا من العالم الواقعي إلى الوهمي في أعمال تتعارض مع الرقابة. اخترقوا مواقع حكومية عدّة، وأنظمة كومبيوتر أهم شركات الحماية. وولَّدوا «بلبلة» على أصعدة مختلفة، وهم يرتدون أقنعة تُعرَف بـ«جاي فوكس».

يتابع الرسام المصري: «قناع (الأنونيموس) كان الأشهر في القرن الحالي، فرغبتُ بالربط بينه وبين عنوان معرضي، لتُولد هذه اللوحة الوحيدة عن تلك المجموعة. مبدأ هؤلاء يرتكز على الثورة ورفض حُكم الدولة العميقة والسلطات العليا».

لم يعنون مناويشي لوحاته بأسماء معيّنة، فتركها مجهولةً. يقول: «رغبتُ في أن يسمّيها ناظرها كما يشتهي. أرنو إلى هذا التفاعل المباشر بين المُشاهد واللوحة». وهو يميل إلى المدرسة التعبيرية في الفنّ التشكيلي: «أحبُّ حالة الحركة في لمسات اللوحة وموضوعها، وأرغب في التواصل معها القائم على الشعور بأنها حيّة، فلا تكون باهتة تمرّ من دون تَرْك أثرها على ناظرها. لذلك، تسير ريشتي بشكل غير مُنتظم باحثةً عن نَفَس لا ينقطع؛ ومرات تتدخَّل أناملي مباشرة، فأبتعدُ عن ريشتي لتخرُج أعمالي من رتابتها، وتكسر تلك القدرة على التحكُّم التقليدي بمشاعر مُشاهدها».

تؤلّف الألوان التي يستعملها مناويشي حالةً بذاتها. فهو جريء باختيارها زاهيةً مرّات؛ ودافئة أخرى. يُحدِث زوبعة بألوان تبدو ثائرة، فتُعبّر عن الظلم والقلق والعنف: «مشاعر الإنسانية لا يمكن حصرها في بوتقة واحدة. وهذه الألوان تعبّر عن المشهدية المدفونة في أعماقنا، فتُبرز التنوّع في أحاسيس تنتابنا وفيها كلّ الاحتمالات. وهنا يأتي دور المتلقّي الذي يرى اللوحة من وُجهة نظره، ويُلاقي ما يمثّل تفكيره ومشاعره في أحد هذه الألوان».

ينقسم «المجهول» إلى قسمين من الأعمال التعبيرية (الشرق الأوسط)

في قسم لوحات الحرب، تأخُذ أعمال الرسام أحمد مناويشي منحى آخر، فيكبُر حجمها بشكل ملحوظ لتضع تفاصيل الوجه تحت المجهر. يعلّق: «هذه المساحات الكبيرة تزوّدنا بفرصة للتوضيح بشكل أفضل. فالعبور من زمن (كورونا) إلى زمن الحرب، كان لا بدَّ أن يحمل التطوّر. واعتمدتُ هذا التغيير؛ لئلا أقع في التكرار والتشابُه».

وأنت تتجوَّل بين أقسام معرض «المجهول»، تستوقفك ملامح وجه رجل حائر، ووجه امرأة تنظر إلى الغد بعتب. وأحياناً تلمس صلابة وجه آخر على شفير هاوية. وفي أخرى، تحملك ملامح رجل تلقّى صفعات الحياة بعينين حزينتين. لكنَّ جميع الشخصيات لا تبدو مستسلمة لقدرها، كأنها تقول: «وماذا بعد؟» على طريقتها.

يبرُز العنصر الأنثوي بوضوح في مجموعة «المجهول». وهنا كان لا بدَّ للرسام التشكيلي أن يعترف: «النساء لا يعرفن إخفاء أحاسيسهن ببراعة. مشاعرهن تخرج بقوة. لذلك نكتشفها بصورة أسهل من تلك الموجودة عند الرجل. فالأخير يحاول أن يُظهر صموداً تجاه مشاعره. ويفضّل ألا تُقرأ بسهولة».

يؤكد أحمد مناويشي أنه لا يحبّ تقييد نفسه بأسلوب رسم واحد. ويختم: «أفضّل التنويع دائماً، وعدم طَبْع لوحاتي بهوية واحدة كما يحبّ بعضهم. أُشبّه نفسي بروائي يؤلّف القصص ليستمتع بها القارئ، فلا يكرّر نفسه أو يقدّم ما يتشابه. ما أنجزه اليوم في عالم فنّ (البورتريه)، لم أقاربه مِن قبل. هو نافذة للتعبير. وهذا الاختلاف في الأسلوب يُحفزّني على دخول مدارس فنّية مختلفة. ما يهمّني هو تقديمي للناس أعمالاً يستمتعون بها فتولّد عندهم حبَّ الاكتشاف».