تصالُح أكبر في مصر مع «العمل من المنزل» وهجر المكاتب

تصالُح أكبر في مصر مع «العمل من المنزل» وهجر المكاتب
TT

تصالُح أكبر في مصر مع «العمل من المنزل» وهجر المكاتب

تصالُح أكبر في مصر مع «العمل من المنزل» وهجر المكاتب

بعد أن أدخل فيروس «كورونا» الملايين حول العالم في تجربة العمل من المنزل، يبدو أن هذه التجربة تتطور كل يوم لتُصبح نمط حياة، وسياسة متواصلة لدى المؤسسات والشركات، خصوصاً مع عدم التأكد من موعد الخروج من نفق «كورونا»، ما يدفع العديد من الشركات هذه الأيام للإعلان عن وظائف شاغرة من المنزل.
شركات الاتصالات في مصر واحدة من أبرز الجهات التي تتوسع في جذب عاملين للعمل من منازلهم، وقد خرج بعض إعلانات التوظيف أخيراً من هذه الشركات، التي تطلب موظفين جُدداً مصحوبة بعبارة «للعمل من المنزل»، بعد أن أثبتت تجربة «كورونا» عدم الحاجة لعمل جميع العاملين من مكاتبهم، وهي تجربة تتحدث عنها إيمان سليمان، مسؤولة خدمة عملاء بواحدة من شركات الاتصالات في مصر، تقول إيمان: «بعد تلك الأزمة أصبح نحو 80% من موظفينا يعملون من البيت، وهو وضع جيد نرجو أن يستمر خصوصاً أنه لا أحد يعلم إلى متى ستستمر تلك الأزمة الصحية».
تعمل إيمان، كفريق خدمة العملاء في الشركة، بنظام نوبات عمل صباحية ومسائية حسب الجداول التي يعملون وفقاً لها قبل بقائهم في البيت، وهي الجداول التي يلتزمون بها وبساعاتها المقررة، يتحدثون للعملاء، ويُجرون الاجتماعات عن بُعد، ويتناقشون في المشكلات عبر تقنيات التواصل، و«سيستم» الشركة الذي يجمع كل العاملين بالشركة، ويُدير العمل فيما بينهم على اختلاف مواقعهم عبر محافظات مصر. وكانت القرية الذكية بمدينة السادس من أكتوبر (تشرين الأول) (غرب القاهرة) تجتذب آلاف الموظفين يومياً قبل جائحة «كورونا»، لكن حالياً تغيّر المشهد، بعدما بات الكثير من الشركات التكنولوجية يعتمد على عمل موظفيها من المنزل في ظل الوباء حالياً، وتعمل أكثر من مائة شركة عالمية متخصصة في مجال التكنولوجيا والذكاء الصناعي، في «القرية الذكية» التي تم تأسيسها في بداية الألفية الجديدة.
وتعد المؤسسات الإعلامية والإذاعية من بين أكثر الهيئات في مصر التي تعتمد على عمل موظفيها من المنزل، وتقول نهى محمد سعد، مسؤولة العلاقات العامة بمحطة راديو «إينرجي»، لـ«الشرق الأوسط» إنها تبدأ يومها حالياً بتحديد جدولها للعمل ما بين مُهمات ورسائل إلكترونية واجتماعات من البيت، وترى أن فكرة العمل من البيت أثبتت فعاليتها رغم التخوف منها في البداية، «فالعمل عن بُعد أصبح أمراً واقعاً في العالم كله، حتى في نطاق محطة الراديو استطعنا إدارة الموقف بهذه الطريقة، ما بين مناوبة مُذيع واحد في الاستوديو في موعد برنامجه، ويتم بعدها تعقيم الاستوديو استعداداً لمناوبة زميل آخر في وقت لاحق، فيما يقوم باقي المذيعين بتسجيل برامجهم وفقراتهم من بيوتهم عبر أجهزة تسجيل خاصة، وبهذه الآلية يتم الحفاظ على استقرار البث الإذاعي وصحة العاملين في الوقت نفسه».
ولا تستبعد نهى أن يتم التوسع في العمل من البيت في الفترة المقبلة، بوصفه «الأنسب» لتلك المرحلة، على حد تعبيرها، وترجو أن يتمّ السعي خلال الفترة المقبلة لتقليص العمل الذي يعتمد على التعامل المباشر مع الجمهور، بما في ذلك الأعمال الحكومية كالسجل المدني وغيرها من الخدمات التي يمكن التوسع في تقديمها عن بُعد عبر الإنترنت كما في العديد من دول العالم.
وإذا كان العمل من المنزل قد بدأ كواحد من الإجراءات الاحترازية لتجنب التجمعات، وما ينتج عنها من توسيع دائرة الإصابة بفيروس «كورونا المستجد»، إلا أن العديد من جهات العمل تستبعد العودة لنظام العمل المكتبي ما قبل «كورونا» في الوقت القريب، حسب عمرو مدحت، 38 عاماً، صاحب شركة تعمل في مجال التصميم والديكور، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن تجربة العمل لديهم من المنزل نجحت إلى حد كبير بفضل وسائل التواصل الحديثة، ما جعل هناك اتجاهاً لعدم العودة لنظام العمل المكتبي في شركتهم خلال الفترة المقبلة»، مؤكداً: «لم تعد هناك حاجة للعودة للعمل خارج المنزل إلا للضرورة، سواء لمعاينة موقع أو مقر جديد، أو للتعاقد مع عميل جديد، غير ذلك فمجال عملنا يمكن أن يتم التعاطي معه بالتواصل الإلكتروني وعلى مدار اليوم».


مقالات ذات صلة

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».