كانت الساعة تشير إلى الثامنة من صباح الثلاثاء في مدينة سانت لويس عندما قام كبير لاعبي الشطرنج في الولايات المتحدة فابيانو كاروانا، الذي يحتل المرتبة الثانية على العالم، بنقل البيدق إلى المربع (إي 4) على لوحة اللعب.
وكان الوقت يشير إلى الساعة 06:30 مساء على مسافة أكثر من 8 آلاف ميل في مدينة ناشيك الهندية، عندما استجاب منافسه، فيديت غوجراثي، في منزله بعد ذلك بثواني معدودة من خطوة كاروانا: ناقلاً بيدقه إلى المربع (إي 5) على اللوحة ذاتها.
وبهاتين الخطوتين، بدأت بطولة كأس الأمم للشطرنج عبر شبكة الإنترنت، وهي بطولة الشطرنج الدولية التي لم يسبق لها مثيل، والتي تمخضت عن تداعيات وباء كورونا الراهن.
وفي حين أن تفشي الوباء قد أسفر عن توقف أغلب الرياضات حول العالم، إلا أن الشطرنج لم يجد وسيلة للاستمرار فحسب، وإنما للازدهار كذلك في بعض النواحي. وخلال الأسابيع العديدة الماضية، كانت هناك زيادة ملحوظة في مشاركات لعبة الشطرنج التي واكبت عدداً من الفعاليات البارزة في عالم هذه اللعبة على شبكة الإنترنت.
وفي الأسبوع الماضي فقط، تمكنت بطولة الأمم للشطرنج على الإنترنت من جمع أفضل اللاعبين على مستوى العالم من داخل منازلهم عبر مختلف المناطق الزمنية المتعددة، من بروكلين في نيويورك وحتى بكين الصينية. وواصل اللاعبون تحريك قطع الشطرنج على لوحات اللعب الإلكترونية عبر حواسيبهم الخاصة في المسابقات المتنوعة، وفي جوهر الأمر، إنها نفس اللعبة التي يتنافسون على الفوز فيها وإنما مع اختلاف الظروف الراهنة.
ويمكن متابعة مجريات البطولة الحالية عبر العديد من المنصات، وتملك اللعبة محفظة مالية بمقدار 180 ألف دولار، ويجري بثها بعشرات اللغات الحية.
يقول دانيال رينش، المؤسس المشارك لموقع اللعبة الإلكتروني، والذي يعلق على الفعالية مباشرة: «إنها واحدة من أكبر الفعاليات التي قمنا بتدشينها على الإطلاق عبر موقع [chess.com]».
وتشتمل إصدارات ألعاب الفيديو لمعظم الألعاب الرياضية على مجموعة مختلفة تماماً من المهارات التي لا تماثل الواقع الحقيقي، فإن التحكم في جهاز إلكتروني عن بُعد لا يشبه على الإطلاق الملاحقة في الملعب بواسطة مساعد الحكم في إحدى الرياضات. غير أن ممارسة لعبة الشطرنج عبر الإنترنت لا تختلف في شيء عن الواقع الحقيقي للعبة، وعندما توقفت الرياضات الأخرى تماماً في مارس (آذار) الماضي بسبب حالة الإغلاق العالمية، كان المشجعون يبحثون عما يسد نهمهم لمشاهدة المباريات الرياضية، وربما الممارسة نفسها كذلك.
ومع وقت الفراغ الهائل الذي أجبرنا عليه فيروس كورونا، تحول اهتمام الملايين من الناس إلى ممارسة لعبة الشطرنج على الإنترنت.
يقول أركادي دفوركوفيتش، رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج، وهي الهيئة الدولية الحاكمة للعبة الشطرنج حول العالم، والتي تشارك في استضافة كأس الأمم عبر شبكة الإنترنت: «لقد تضاعفت نسبة المشاركة على الإنترنت بمقدار الضعف على أقل تقدير».
ودفع طوفان الحماس الكثير من المتابعين إلى الاندفاع نحو موقع «chess.com»، ومواقع الشطرنج الكبيرة الأخرى مثل «Chess24»، وموقع «Lichess»، لمواكبة البطولة الدولية الراهنة. وقال نيك بارتون، مدير تطوير الأعمال في موقع «chess.com»، إنه تحتم عليهم زيادة الطاقة الاستيعابية للخوادم في الموقع من أجل مواكبة الطلب المتزايد عليه، «وطلبنا من المهندسين والفنيين العمل لساعات دوام إضافية، وتمت الاستعانة بموظفين آخرين للتعامل مع الاندفاع العالمي المشهود».
كان الإغلاق العام يعني أن أغلب البطولات الحية، التي تقام في المعتاد داخل الساحات، وقاعات الفنادق، وقاعات المؤتمرات، قد جرى إلغاؤها تماماً، ولم يكن هناك بديل معقول لتنظيم أغلب البطولات. وعندما تم تأجيل بطولة أولمبياد الشطرنج، التي تُنظم مرة كل عامين في أغسطس (آب) في العاصمة الروسية موسكو، إلى العام المقبل، طرح الاتحاد الدولي للشطرنج رفقة موقع «chess.com» المفهوم الذي كان قيد المناقشة فيما بينهما منذ سنوات ويتعلق بتنظيم فعالية لفرق الشطرنج العالمية عبر شبكة الإنترنت.
ولقد عكفوا على تنظيم الفعالية في غضون ثلاثة أسابيع تقريباً، وقام أغلب كبار ممارسي اللعبة بالتسجيل فيها، باستثناء ماغنوس كارلسن، المصنف الأول على العالم، والذي كان قد انتهى لتوه من استضافة فعالية فريدة من نوعها للعبة الشطرنج على الإنترنت في الآونة الأخيرة.
ولقد فاز كارلسن بهذه الفعالية بتاريخ 3 مايو (أيار) الجاري. ومع انتهاء الفعالية، خرج اللاعب الكبير يان غوستافسون من المنصة الإلكترونية - حيث كان يُعلق بصوته على مجريات المنافسة - موجهاً الشكر العميق لكافة المعجبين والمشاهدين الذين تابعوها، وأضاف قائلاً: «ليس لدينا خيار آخر أيها الرفاق، دعونا نواجه الواقع بشجاعة، ليست هناك بطولات أو فعاليات رياضية أخرى في أي مكان».
لكن هناك لعبة الشطرنج الحقيقية. وبعد مرور يومين فقط، بدأت بطولة كأس الأمم للشطرنج على الإنترنت، كأحد أثرى فعاليات فرق الشطرنج التي نُظمت على الإنترنت، حيث يتقاسم الفريق الفائز الجائزة التي تبلغ قيمتها 48 ألف دولار. إنها جولة «راوند روبن» المضاعفة التي تُجرى على مدار ستة أيام مع مشاركة ستة فرق من الولايات المتحدة، والصين، والهند، وروسيا، وأوروبا، وفريق يحمل اسم «سائر العالم». وسوف يتنافس الفريقان الفائزان في المباراة النهائية التي تُقام يوم الأحد المقبل.
ولوحظت هناك بعض الثغرات الطفيفة، مثل انقطاع الاتصال عن تطبيق «زووم» لفريق أوروبا لفترة وجيزة في اليوم الثاني من البطولة. ولكن بعد انتهاء 4 جولات من 24 مباراة في اليوم، ساعدت هذه البطولة، رفقة فعالية ماغنوس كارلسن على الإنترنت من قبلها، على إخماد نهم عشاق الشطرنج للعبتهم المحبوبة.
وقال السيد رينش، الذي أصابه الإرهاق إلى حدٍ ما يوم الأربعاء الماضي بعد بث جولتين متتاليتين من المباراة: «هناك الكثير من المباريات، والكثير من التفاعل الكبير، وهذا أمر مدهش للغاية. وفي بعض الأحيان تخرج الأمور عن منوالها المعتاد، غير أنها كانت تجربة مثيرة جداً للجميع».
- «نيويورك تايمز»
ازدهار الشطرنج على الإنترنت برغم الوباء
ازدهار الشطرنج على الإنترنت برغم الوباء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة