«الموقع الأخير»... عن عدن التي لا يحضر فيها اليمنيون

مسلسل تابع نهاية الإمبراطورية البريطانية في قاعدة عسكرية

اقتحام حي في عدن بحثاً عن «إرهابيين»
اقتحام حي في عدن بحثاً عن «إرهابيين»
TT

«الموقع الأخير»... عن عدن التي لا يحضر فيها اليمنيون

اقتحام حي في عدن بحثاً عن «إرهابيين»
اقتحام حي في عدن بحثاً عن «إرهابيين»

هناك أعمال تلفزيونية تكون موجهة لجمهور محدد في الفئة العمرية، أو من حيث الاهتمامات، ينكشف ضعفها عند إتاحتها لجمهور آخر معني بمضمون النص. ينطبق هذا الكلام على المسلسل البريطاني «The Last post»، الذي يمكن ترجمته مبدئياً بـ«الموقع الأخير»، وتجري أحداثه في عدن، وما حولها منتصف ستينات القرن الماضي، مع أفول الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية مترامية الأطراف. فما الذي أراد هذا المسلسل ذو الإنتاج المشترك بين «بي بي سي» و«أمازون»، تقديمه للبريطانيين عن تلك الفترة، لكنه لن يرضي المشاهد العربي عند إتاحته على منصة بث أوسع؟
فرضت بريطانيا سيطرتها على عدن ومينائها الاستراتيجي المطل على باب المندب في البحر الأحمر وبحر العرب والقرن الأفريقي، في عام 1838، كأول موقع تسيطر عليه في المنطقة، مستبقة بذلك احتلالها قبرص 1878، ولاحقاً مصر. بعد أكثر من مائة سنة على الوجود الاستعماري البريطاني جنوب الجزيرة العربية، تشكلت في جنوب الجزيرة العربية، خصوصاً بعد استقلال مصر عام 1952 وفشل العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على السويس، حركة تحررية في الجنوب اليمني انطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 1963، قامت بعمليات مقاومة عديدة للتخلص من الوجود البريطاني الذي انسحب من عدن عام 1967.
على هذه الخلفية، تجري تفاصيل المسلسل التلفزيوني «The Last post»، (إنتاج «بي بي سي» و«أمازون»)، الذي عرض أواخر عام 2017. أحداث الحلقات تجري منتصف ستينات القرن الماضي، حيث يعيش جنود وقادة عسكريون مع عائلاتهم داخل قاعدة عسكرية مغلقة، لا دور للنساء فيها إلا تسيير شؤون البيت وتربية الأطفال، وقضاء الوقت الإضافي في نادي شركة النفط «ب ب»، الذي يطل على ساحل البحر، في ظل مناخ حار ورطب تصحبه أحياناً رياح مغبرة خانقة. 6 حلقات تدور 5 منها في فلك الحلقة الأولى، عندما يصل كابتن جو مارتن، الضابط في الشرطة العسكرية الملكية، مع عروسه، ليحل محل سلفه الذي تم نقله إلى موقع آخر. في هذه الدراما تركيز على 3 نماذج نسائية لشابات اصطحبهن أزواجهن بعيداً عن الوطن، وسط مناخات الستينات التحررية التي تنعكس على شكل الأزياء والقبعات، وتمرد واحدة من هذه النماذج (أليسون) على حياتها الزوجية، وعلاقتها بالقائد الذي تم نقله للتو، فتصاب بانهيار تحاول التغلب عليه بالتدخين وشرب الكحول، والتصرف بعبثية شديدة، بينما يستوعبها زوجها الملازم إد ليثوايت بالهروب معظم الوقت من البيت إلى الانشغال في القاعدة. ثم هناك ميري، زوجة الرائد هاري ماركهام، الرصينة المحبة لزوجها وطفليها، وأخيراً أونر العروس الصغيرة التي حطت حديثاً مع زوجها قادمين من إنجلترا.
يتابع المسلسل تفاصيل الحياة اليومية، داخل القاعدة العسكرية التي وُجد فيها رجال الشرطة العسكرية. وكان هناك من يقبع بعيداً عن الأضواء، إنه المسؤول الاستخباراتي وموظفوه، ويمثل كل ما هو نقيض للقيم العسكرية، حسب الرائد ماركهام، الذي رفض اللجوء للتعذيب وسيلة لأخذ اعترافات من عبد القادر حكيم القائد في المقاومة اليمنية، وقال لزميله الذي اعتبر أن اليمنيين لن يفهموا بهذه اللغة، «لنترك ذلك لهم»، أي للاستخبارات.
يقدم المسلسل حضور البريطانيين في تلك الحقبة داخل عدن، كما لو أنهم في أرضهم، لا في أرض محتلة. وعندما يسأل جندي صديقه «لماذا يكرهوننا»، أي اليمنيين، يجيبه الآخر: «لا أدري»! من هذا السؤال وجوابه يبتعد العمل عن إظهار أهل عدن أو الجنوب العربي، من منطلق التعاطف أو تفهم نضالهم ضد الاحتلال، فهم «إرهابيون»، كما ترد صفتهم في المسلسل.
في تصريحاته الإعلامية، قال كاتب السيناريو بيتر موفات، إن المسلسل يصور «الرجال المليئين بالحيوية والنشاط والرغبة في أن يكونوا أبطالاً في وضع لا يكون فيه ذلك ممكناً دائماً؛ إلى جانب الشابات اللواتي بدأن يشعرن بالستينيات والحريات الجديدة، لكنهن يعشن في بيئة مقيدة يفترض أن يكون دورهن فيها مجرد الدعم». وتابع: «كان هذا هو عالم والدي، وأردت أن أكتب عنه في مسار حياتي العملية». في الحقيقة، يبدو العمل نوستالجيا لزمن قديم، جمع فيه موفات مرويات وذكريات عائلية من والديه عن تلك الفترة مكتفياً بهذا الحد، واضعاً اليمنيين في خلفية المشاهد والحوارات، بصورة باهتة، فهم إما متمردون يحملون الأسلحة ويركضون طوال الوقت، في عتمة الليل، بين الجبال الوعرة بصورة عشوائية غير مفهوم إلى أين يتوجهون، أو يظهرهم يسيرون في السوق والشوارع، أو داخل مقهى شعبي، حيث تجري الصحافية الأميركية المتعاونة مع صحيفة «واشنطن بوست» مارثا فرانكلين، لقاءات العمل.
حضور النماذج اليمنية ضمن ضجيج الأجسام المعرضة لأشعة الشمس، أو تلك التي ترتدي آخر صيحات الموضة، قليل، هناك يسرى (الممثلة المغربية وداد إلما) تعمل مربية لجورج ابن عائلة ماركهام ويحبها العريف توني أرمسترونغ، لكنها تكلمه بسرعة أو عبر رسائل مخبأة، خوفاً من انتقام رجال قبيلتها. وهناك المخبر اليمني (يقوم بدوره الممثل المصري خالد أبو النجا) الذي يدلهم على تحركات المقاومة واجتماعاتهم. ثم قائد المقاومة عبد القادر حكيم المعتقل في القاعدة العسكرية. الأولى، يسرى، محايدة لا يبدو أن لها أو لعائلتها، موقفاً رافضاً للوجود الأجنبي في بلادها، وتحظى بأغلبية المشاهد مقارنة بالاثنين الآخرين، الثاني خائن وواشٍ ولن يتلقى أي عقاب، والثالث يريد أن يُخرج البريطانيين من بلاده، ويتحدث عنهم باحتقار أثناء تحقيق البريطانيين معه.
في ظل هذا الجو المتوتر، يتم خطف جورج ابن الرائد ماركهام مع المربية، والمطالبة بخروج القوات البريطانية مقابل إطلاق سراح الطفل، وإلا سيقتل مع نهاية فترة الإنذار. يرفض مسؤول الاستخبارات استعطافاً من ماركهام لتقديم بعض التنازلات حماية لابنه، ويبرر ذلك أن المصلحة العامة لبريطانيا أهم من حياة الطفل أو الحياة الشخصية لأي بريطاني، في هذه الأثناء يبادر كابتن مارتن والعريف توني، بدون الرجوع لأي مسؤول ولا حتى والد الطفل جورج، بمبادلة عبد القادر حكيم، بالطفل، لإنهاء مأساة الطفل وعائلته بهذه الطريقة.
درامياً، يمكن اعتبار الحلقتين، الأولى، والسادسة التي تنهي المسلسل القصير، خلاصة العمل بأكمله، وما بينهما مجرد «سوب أوبرا» كما يقال، بتفاصيل فائضة ومكررة للزوجة الخائنة العصابية التي يندر رؤيتها في المشاهد بدون سيجارة وكأس في يدها. في تلك الحلقتين تركيز للوجود البريطاني في القاعدة؛ التراتبية الوظيفية التي يتمسك بها داخل الجيش، وتنعكس على العلاقات بين عناصره وعوائلهم، فضح النفاق السياسي والاستخباراتي مقابل التزام العسكر، بعد كشف الصحافية الأميركية، عبر مصادرها في المقاومة اليمنية، أن وزير المستعمرات البريطاني موجود في عدن، ويجري مفاوضات مع قادة الحركة، بعلم مسؤول الاستخبارات (الذي رفض التدخل لإنقاذ الطفل، لأن بريطانيا لا تتعامل مع إرهابيين)، ويستخدم الدليل في المحكمة العسكرية لتبرئة الكابتن والرقيب، لكن يسرى تكون قد قتلت من المقاومة، وحرق بيت عائلتها باعتبارها خائنة، حسب المسلسل.
أليسون ذات الشخصية العبثية تستعيد إعجابها بزوجها الملازم إد ليثوايت وهو يترافع دفاعاً بكبرياء العسكر عن زميليه وتطالبه بعدم الاستقالة، لأن «وجود أمثاله في الجيش مهم». أما العروس أونر فتقترب أكثر من زوجها بعد تعثر انطلاقة شراكتهما الزوجية في الغربة.
تم تصوير المسلسل في جنوب أفريقيا، لتشابه التفاصيل الجغرافية من جبال وبحر، ووجود مبنى لقاعدة عسكرية سابقة هناك تم استغلالها في تصوير الحلقات. غير أن المشاهد العربي سيشعر بالغربة عن أجواء اليمن، فأصوات الشخصيات التي يفترض أنها يمنية على محدوديتها، بعيدة عن اللهجة المحلية، إضافة إلى ضعف حضور الشخصية اليمنية عموماً في العمل الدرامي، كلها عناصر تجعل عدم تصوير جزء ثانٍ للمسلسل، حسب «بي بي سي» قراراً صائباً، رغم حشد من الممثلين الجيدين الذي تحركوا فوق نص غير مقنع تماماً.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.