كيف سيؤثر تدهور الأسعار المستقبلية للخام الأميركي على صناعة النفط؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصف الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط الاثنين بأنه «قصير الأجل» وناجم عن «ضغوط مالية» (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصف الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط الاثنين بأنه «قصير الأجل» وناجم عن «ضغوط مالية» (أ.ف.ب)
TT

كيف سيؤثر تدهور الأسعار المستقبلية للخام الأميركي على صناعة النفط؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصف الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط الاثنين بأنه «قصير الأجل» وناجم عن «ضغوط مالية» (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصف الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط الاثنين بأنه «قصير الأجل» وناجم عن «ضغوط مالية» (أ.ف.ب)

انخفض سعر نفط خام «غرب تكساس الوسيط» المؤشر إلى حدود دنيا يوم الاثنين الماضي، ليصل إلى معدلات سلبية (تحت الصفر) لأول مرة في تاريخ الصناعة، متأثراً بالعوامل الآتية: أولاً، تدهور الطلب على وقود المواصلات بسبب منع نحو 40 في المائة من سكان العالم من التنقل براً أو جواً لمنع الاختلاط ولتفادي فيروس الكورونا، هذا بالإضافة إلى الإغلاق المؤقت لمعظم المصانع في العالم، مما يعني أنها لا تستهلك المنتجات البترولية، الأمر الذي يعني انخفاض الطلب بنحو 20 -25 مليون برميل يومياً، أو ما يساوي ربع الطلب العالمي قبل الأزمة البالغ نحو 100 مليون برميل يومياً. ثانياً: امتلاء الخزانات وعدم تمكنها من استيعاب إمدادات إضافية من النفط الخام. وثالثاً: حلول تسوية عقود نفط غرب تكساس الشهرية «المستقبلية» لشهر مايو (أيار) يوم الثلاثاء، وهذه هي عقود «البراميل الورقية» التي تمتد لمدة شهر عادة والتي يتم التداول بها في بورصة نيويورك، حيث يتوجب على المشتري للعقد أن يسلم عند الموعد المحدد كمية النفط الخام لمشتري آخر، ويعرف هذا النوع من المعاملات بـ«الشراء المستقبلي» للنفط، أي بيعه على أساس سعر أعلى من الذي اشتراه به، وفي حال البيع هذا، الذي يشترط فيه تسليم كميات النفط المحددة، تنتهي مسؤولية المشتري الأول ويتحمل المشتري الثاني، الذي يراهن بدوره، بحيث إن السعر سيرتفع إلى الأعلى خلال الشهر المقبل. فالذي حدث هذا الأسبوع، أن وجد أصحاب العقود أنه لا يوجد مشترون لعقودهم عند نهاية هذا الشهر. وأحد أسباب عدم وجود مشترين للعقود المستقبلية هو اضطراب الأسواق النفطية، كما بقية الأسواق العالمية، والأهم من هذا هو ماذا سيفعلون ببراميل النفط، وأين يخزنونها للأسابيع المقبلة؟!
في ضوء هذه العوامل السلبية، وأهمها عدم وجود خزانات كافية لتخزين النفط، وللمخاطر الكثيرة في الالتزام بشراء النفط على أساس أسعار «مستقبلية» في هذه الأسواق المضطربة، ازداد عدد البائعين للعقود «المستقبلية» على عدد المشترين، وانهارت أسعار «غرب تكساس»، النفط المؤشر الذي يتم تداوله في السوق الأميركية، إلى أسعار قياسية متدنية. بمعنى أن أصحاب العقود «المستقبلية» من مضاربين أو مستثمرين أو حتى إدارات التسويق في شركات نفطية أبدوا استعدادهم لتحمل خسارتهم الحالية لتفادي خسارة أكبر مستقبلاً. وكذلك، بما أن الكثير من حاملي هذه العقود «المستقبلية» هم «أفراد طارئون» على صناعة النفط، ينتهزون الحالات الطارئة لشراء العقود القصيرة الآجلة «المستقبلية» لكي يحصلوا على أرباح عالية سريعة. بمعنى آخر، أن ديناميكية هذه الأسواق «المستقبلية» مستقلة إلى حد كبير عن صناعة النفط العالمية.
وتتم عملية المضاربة المستقبلية في أسواق النفط في بورصات نيويورك ولندن وسنغافورة. وقد بلغ حجم وقيمة العقود التي يتم المضاربة بها في بعض الأحيان أعلى مما يتم بيعه وشراؤه بين المنتجين للنفط والشركات النفطية العالمية. وتزدهر عمليات هذه البورصات أثناء اضطراب الأسواق كما هو الحال الآن.
هناك سوقان رئيسيان للنفط الخام على المستوى العالمي. فالسوق الأساسي والأكبر بل والأهم هو ما يتم بيعه وشراؤه من قبل المنتجين وشركات النفط. وعقود هذين الطرفين يتم التفاوض والاتفاق عليها بشكل مستقل تماماً لا علاقة له البتة بالعقود «المستقبلية».
أما في الأسواق «المستقبلية»، فإن العقود هي ما بين مستثمرين ومضاربين. ولكل عقد فترة شهر وأسعار مختلفة عن الشهر السابق أو الشهر الذي يليه. لذا نجد، أنه خلال التدهور الذي حصل يوم الاثنين الماضي فإن حملة العقود «المستقبلية» لشهر مايو قد حافظوا على عقودهم، نظراً إلى توقعهم حصول معطيات جديدة.

كيف يتفاعل العالم؟

خلاصة الأمر، يواجه العالم برمته اليوم مأساة وتحدياً ضخمين. فلا يمكن تفادي الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه المأساة. ومن غير الواضح متى ستنتهي هذه الكارثة، أو كيف يتوجب التعامل مع آثارها؟. وكما ذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع في مقابلته مع صحيفة «فايننشال تايمز» اللندنية، ما معناه: نحن أمام كارثة من نوع جديد. نتعامل معها على أساس المعطيات الجديدة والمتغيرة التي أمامنا. وهكذا الصناعة النفطية التي شاهدت الطلب على النفط ينهار أمام أعينها مع سياسات عدم الاختلاط الاجتماعي أو التنقل بالطائرات والسيارات. هذا معناه أنه يتوجب العمل تدريجياً بتخفيض إنتاج النفط لجميع الدول النفطية الكبرى، دون استثناء، لأجل عبور هذه الفترة الحرجة خلال الأشهر المقبلة. وهذا ما سيتم فعله منذ الأول من شهر مايو المقبل من قبل أقطار أوبك والدول المنتجة الحليفة مع أوبك (أوبك بلس)، ودول منتجة أخرى مثل الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والنرويج.
ورغم أن دول هذه المجموعة الأخيرة لم تعلن عن موقف واضح لتخفيضها للإنتاج، فإن معطيات الأسواق من انخفاض الطلب وامتلاء الخزانات سيجبر الشركات على تخفيض مجمل الإنتاج العالمي نحو 19 مليون برميل يومياً.
والسؤال: هل سيؤثر انهيار قيمة عقود نفط غرب تكساس «المستقبلية» على الصناعة النفطية العالمية؟ نعم هناك تأثير لهذا، وعلى كل من الشركات النفطية والمصارف... لكن هذا لا يعني تهويل الأمور بانتكاسة صناعة النفط العالمية، فهذه الصناعة ضخمة ومتعددة الأطراف والمصالح ولا تزال هذه الصناعة أساسية في الاقتصاد العالمي. فهي ضخمة بحيث تستطيع استيعاب هذه الانتكاسات، لكن طبعاً، يترتب عليها أمور أخرى كثيرة ومختلفة، مثل الخطط المستقبلية لإنتاج النفوط ذات الأسعار العالية، البحرية أو الصخرية. كما هناك إغلاق لبعض الحقول والخسائر المترتبة على ذلك. فمن المحتمل جداً، وهذا ما يحدث الآن فعلاً، إغلاق بعض آبار النفوط ذات التكلفة العالية. وهذا يعني خسائر بملايين بل مليارات الدولارات.
لقد أوضح انهيار السوق «المستقبلية» لنفط غرب تكساس أهمية التوازن والتكامل ما بين العرض والطلب على إمدادات النفط، ومدى ضرورة توفر سعة تخزينية وافية. كما أوضح انهيار الاثنين الماضي ضرورة مراجعة دور الأسواق «المستقبلية» عند وقوع الكوارث، وما مدى دورها في استقرار الأسواق أو زيادة الاضطراب فيها عند هذه الفترات المقلقة السياسية أو الطبيعية. وطالما اشتكت منظمة أوبك من دور الأسواق «المستقبلية» في تقلبات الأسعار في هذه الأحوال.

التبعات الشرق أوسطية

ماذا يعني هذا لاقتصادات الدول العربية؟ إن الجواب واضح. فقد حذر الاقتصاديون العرب منذ عقود بضرورة تنويع اقتصادات الدول العربية والكف عن هذا الاعتماد الكلي على الريع النفطي. كما أن هناك دعوات إلى ترشيد الاستهلاك. والتحدي الأكبر هنا هو للدول العربية ذات الاقتصادات الضعيفة، التي لم تحاول تنويع قطاعاتها الاقتصادية أو اعتماد الشفافية والحوكمة في الإدارة العامة.
* كاتب عراقي متخصص
في أمور الطاقة



سندات لبنان السيادية ترتفع لأعلى مستوى في عامين وسط آمال بوقف إطلاق النار

رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)
رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)
TT

سندات لبنان السيادية ترتفع لأعلى مستوى في عامين وسط آمال بوقف إطلاق النار

رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)
رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)

ارتفعت سندات لبنان السيادية المقوَّمة بالدولار إلى أعلى مستوياتها منذ عامين، يوم الثلاثاء؛ حيث راهن المستثمرون على أن الهدنة المحتملة مع إسرائيل قد تفتح آفاقاً جديدة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

وعلى الرغم من أن هذه السندات لا تزال تتداول بأقل من 10 سنتات للدولار، فإنها حققت مكاسب تتجاوز 3 في المائة هذا الأسبوع. وكان سعر استحقاق عام 2031 قد وصل إلى 9.3 سنت للدولار، وهو أعلى مستوى منذ مايو (أيار) 2022، وفق «رويترز».

وفي هذا السياق، أشار برونو جيناري، استراتيجي الأسواق الناشئة في شركة «كيه إن جي» للأوراق المالية الدولية، إلى أن «بعض المستثمرين يتساءلون ما إذا كان الوقت مناسباً للشراء؛ حيث تُعدُّ الهدنة الخطوة الأولى اللازمة لإعادة هيكلة السندات في المستقبل».

ورغم استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان يوم الثلاثاء، والتي أسفرت عن تدمير البنية التحتية وقتل الآلاف، فإن هذا الارتفاع غير المتوقع في قيمة السندات يعد بمثابة انعكاس للرغبة في إعادة تنشيط النظام السياسي المنقسم في لبنان، وإحياء الجهود لإنقاذ البلاد من أزمة التخلف عن السداد.