«كورونا» من أجود أنواع التمور في مصر

التجار يروجون بضائعهم الرمضانية عبر الأسماء الشهيرة

تجار التمور يروجون بضائعهم الرمضانية عبر أسماء شهيرة (رويترز)  -  تجار التمور في مصر يطلقون اسم «كورونا» على أجود أنواعها (رويترز)
تجار التمور يروجون بضائعهم الرمضانية عبر أسماء شهيرة (رويترز) - تجار التمور في مصر يطلقون اسم «كورونا» على أجود أنواعها (رويترز)
TT

«كورونا» من أجود أنواع التمور في مصر

تجار التمور يروجون بضائعهم الرمضانية عبر أسماء شهيرة (رويترز)  -  تجار التمور في مصر يطلقون اسم «كورونا» على أجود أنواعها (رويترز)
تجار التمور يروجون بضائعهم الرمضانية عبر أسماء شهيرة (رويترز) - تجار التمور في مصر يطلقون اسم «كورونا» على أجود أنواعها (رويترز)

اعتاد تجار التُّمور في مصر التّفاعل مع الأحداث السياسية والاجتماعية والرياضية والفنية، عبر اختيارهم أسماء شهيرة لإطلاقها على أنواع مختلفة من التمور، خصوصاً قبيل موسم شهر رمضان، لكن إطلاقهم اسم «كورونا» على أحد أجود أنواع التّمور أخيراً كان مفاجأة للمستهلكين، لا سيما أنّ الفيروس صاحب هذا الاسم الشهير تسبب في قتل الآلاف حول العالم والعشرات في مصر.
وعلى الرّغم مما يثيره اسم الفيروس من هلع ورعب؛ كان يفترض معه أن ينأي التجار بأنفسهم عن استخدامه، فإنّ عبد الرحيم محمد، أحد تجار «سوق الساحل» في القاهرة، يؤكد أنّ «اختيار الاسم يعبّر عن موقف المصريين الذين يتَحدَوْن انتشار الفيروس»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نريد بإطلاق اسم (كورونا) هذا العام أن نقول إننا نحن المصريين قادرون على تحدي هذه الأزمة، والعبور إلى برّ الأمان».
واختار التجار إطلاق اسم الفيروس على أحد أنواع البلح الفاخر، ليباع بسعر 25 جنيهاً للكيلو، (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري) وهو أقل بكثير من سعر النوع نفسه العام الماضي، الذي كان يباع الكيلو منه بسعر 62 جنيهاً.
وبينما كان عبد الرحيم ينادي على زبائنه لشراء بلح «كورونا»، توقف خالد صابر (مدرّس)، أمام اللافتة التي تحمل الاسم، وقال مبتسماً: «أجدادنا أكلوا (الكورونا) شيكولاته، ونحن سنأكله بلحاً».
ويشير صابر بهذا التّعليق إلى إحدى شركات الشيكولاته التي أسسها «تومي خريستو» عام 1919، وكانت تنتج شيكولاته تسمى «كورونا»، وأُممت بعد ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، وتغير اسمها إلى «شركة الإسكندرية للحلويات والشيكولاته»، وأصبحت ملكاً للقطاع العام، قبل أن تُباع في عام 2000 لأحد رجال الأعمال.
وكانت قصة «شيكولاته كورونا» قد جرى تداولها بشكل كبير في وسائل الإعلام المصرية بعد أزمة الفيروس الذي لا يزال يضرب العالم منذ بدايات العام الحالي حتى الآن. وجاء البلح ليكشف عن سلوك متأصّل في الشخصية المصرية، هو قدرتها على استدعاء السخرية عند مواجهة أصعب المشكلات، حسب أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الدكتورة سامية خضر، التي تقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ «السخرية عند المصريين طابع أصيل في شخصيتهم منذ عهد الفراعنة وحتى الآن، فقد كانت إحدى وسائل مقاومة الأزمات».
ومنذ عهد الفراعنة تعوّد المصريون على مقاومة أزماتهم بالسخرية؛ إذ تُصوّر، على سبيل المثال، بردية مصرية فئراناً تركب العجلات الحربية وتمسك الحراب والدروع وتهمّ بمهاجمة القطط، في إشارة إلى تجرؤ الفئران من «الهكسوس» على غزو القطط التي ترمز للمصريين، واستمر هذا السلوك مع المصريين؛ فأثناء الاحتلال الإنجليزي انتشرت مقاهٍ تُسمى «المضحكخانة الكبرى»، وكانت تلك المقاهي منصاتٍ لإطلاق النكات الساخرة التي تسخر من المحتلّ، وأخيراً كان لأزمة «كورونا» نصيبٌ من دعابة وسخرية المصريين.
وعلى الرغم مما قد يعكسه هذا الطابع الساخر من «استهتار» بالأزمة، كما يرى البعض، فإنّ خضير تختلف مع هذا الرأي، وتقول إنّ «سخرية المصريين دليل على الذكاء، لأنّ النظر إلى الأمور ببساطة يمنع تفاقمها».
وبدأت ظاهرة إطلاق الأسماء على التمور في مصر منذ ثمانينات القرن الماضي، حين كانت قاصرة على التجاوب مع الأحداث الفنية، فكان التجار يختارون أسماء فناني الأعمال الرمضانية لإطلاقها على البلح، فظهر بلح الفنانة «صفية العمري» صاحبة دور «نازك السلحدار» في مسلسل «ليالي الحلمية»، وتوسع التجار في التجاوب مع الأحداث السياسية والاجتماعية، فأطلقوا قبل الانتخابات الرئاسية في 2014 اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي على أجود أنواع البلح، ثم أطلقوا اسم «بُشْرِة خير» على أحد الأنواع؛ مستغلين اسم أغنية حسين الجسمي التي حققت رواجاً كبيراً في الفترة الماضية، وكذلك بلح «تِسْلَم الأيادي»، وهي الأغنية التي قدّمها مصطفى كامل وإيهاب توفيق.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)