يجد كثير من الفنانين في عزلتهم هذه الأيام معاني وتفاصيل أكثر من مجرد عزل وقائي وإجراءات احترازية، لا سيما مع إتاحة السوشيال ميديا وسيطاً مُواتياً لتداول أفكارهم الفنية في تلك اللحظة الغارقة في غموض «كورونا»، وخرجت أخيراً مبادرة فنية بعنوان «الفن للخير» أطلقها الفنان التشكيلي والمخرج السينمائي المصري وحيد مخيمر، التي تهدف إلى جمع مشاركات 100 فنان وفنانة من أجل توجيه عائدها لصالح دعم جهود مواجهة فيروس «كورونا» في مصر.
ومع إعلان المبادرة، تدفقت أعداد المشاركات لتتعدى المائة مشاركة فنية، تضم فنانين من أجيال ومدارس فنية مختلفة. ووفق مخيمر فإن «فكرة المبادرة لاقت اهتماماً كبيراً من الفنانين وجميعهم حريصون على المشاركة في دعم المبادرة بأعمال فنية لافتة، أمّا آليات عائد اللوحات فسوف تُحددها جهة رسمية تتولى تنفيذ المبادرة على أرض الواقع».
وحتى تحديد جهة رسمية فنية لتولي مسألة عرض اللوحات للبيع ورصد عائدها المادي لتوجيهه لصالح دعم جهود مواجهة فيروس «كورونا المستجد»، تتوالى الأعمال المشاركة التي تُنشر على صفحة مؤسس المبادرة. وقام الفنان الدكتور أشرف رضا، أستاذ ووكيل كلية الفنون الجميلة في مصر، بتصميم شعار خاص ليجمع تحت مظلته أعمال المبادرة، كما اتفق على أنّ الأعمال المشاركة ستكون جميعها باللونين الأبيض والأسود فقط، يتحدث الفنان وحيد مخيمر عن فلسفة هذا الاختيار، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الأبيض والأسود لهما مدلول النور والظلام، وأردت أن يكون هناك موضوع للمبادرة، وليست مجرد لوحات وأعمال فنية، حتى تكون هناك شخصية للمبادرة، فالأبيض والأسود يُظهران إبداعات وقدرات المشاركين، لما لهما من جماليات خاصة».
ترى الفنانة التشكيلية المصرية رشا سليمان المُشاركة في المبادرة بلوحتين تصوران رؤية بانورامية لمصر، أن اللون الأبيض يرمز للنقاء والبساطة والاكتمال، فيما يرمز الأسود للعمق والقوة والتميز والأناقة وتضيف: «هما معاً وما بينهما من عالم شاسع من الرمادي، يتيحون لي التعبير عن روح وجوهر الأشياء». وتعدّ سليمان «المشاركة في هذه المبادرة واجباً إنسانياً لمن يستطيع، خصوصاً أن الفنانين لديهم الكثير ليقدموه لصالح المجتمع وتغييره».
تتنوع المشاركات التي تزيد على المائة ما بين ألوان تجريدية، وانطباعية، وفوتوغرافية، وطباعة، وكاريكاتير وغيرها، وكانت لوحة الفنان وحيد مخيمر باكورة الأعمال المشاركة، وهي لوحة تُصوّر طقس المرماح الشعبي عبر تصويره لساحة يسودها هدير الخيل الراقص تحيطه خطوط صاخبة عفوية تُمثل البشر المُتحلق حول الخيل، في تكوين تعبيري تتلاقي فيه حكايات الواقع مع الخيال.
وتجد الطقوس المحلية ذات الجذور التاريخية صدى في العديد من الأعمال المشاركة، منها لوحة تصور أسطح بيوت للفنان محمد الطراوي، ولوحة تُبرز طقس التحطيب للفنان علاء عوض، ولوحة لبيوت الفلاحين وأبراج الحمام للفنان أسامة ناشد.
ويُطل الكاريكاتير ضمن مشاركات المبادرة منها عمل للفنان سامي أمين الذي صنع مقاربة فنية لفكرة ثقل مرور الوقت هذه الأيام عبر تخيل أبو الهول وقد تبدل وجهه ليصير ساعة كبيرة، وتعبر في الإطار سُلحفاة تُضاعف من ثيمة البطء التي يسجلها التاريخ.
وتجد في ثقل الوقت والترقب والانتظار والحيرة الكثير الذي يجمع خيوط الأعمال المشاركة، سواء تلك التي تسود الملامح التعبيرية لأبطال وبطلات البورتريهات، كما في البورتريه الذي يُشارك به الفنان عمر الفيومي في المبادرة، وكذلك الملامح التي تُشاطرها بطلة لوحة مع قطتها وفقاعات الصابون كمفردات لونس تستعيره البطلة من الطفولة، وهي لوحة للفنانة رندا فخري، أو لوحة تتخيل العالم في لحظة انصهار مُجسدة في ذوبان ملامح البطلة كما في لوحة الفنانة إيمان خطاب، وأعمال تبحث في الفضاء المشترك بين الإنسان والطبيعة فتجدها تُحاكي جذور الأشجار العتيقة كما في عمل الفنان مصطفى حمود، وتستعير من الطبيعة زخارف الطير والنبات لتهدي بها الفتيات كما في لوحة للفنان مصطفى طه.
وتتراوح استخدامات أقلام الفحم والباستيل، والأحبار في لوحات المعرض، علاوة على الأعمال الفوتوغرافية باللونين الأبيض والأسود، التي يقترب بعضها من البحر، ومراكب الصيد، ويقترب بعضها من التقاط جماليات الحمام في لحظات ملامسته الحذرة للأرض، ورقصات المولوية، وساعات القطار ذات الشأن الأعلى دائماً في محطات السفر.
«الفن للخير»... مبادرة تشكيلية تكافح تأثيرات «كورونا» بمصر
توجيه عائد بيع لوحات المشاركين بها لدعم جهود الدولة
«الفن للخير»... مبادرة تشكيلية تكافح تأثيرات «كورونا» بمصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة