لطالما كانت هناك حساسية ما بين أهالي المدن وأهالي القرى والريف، في بريطانيا وفي أي بلد آخر، ولطالما كانت الطبقية موجودة، والعنصرية لا مفرّ منها، ولكن الوضع المستجد اليوم بسبب جائحة «كورونا» المستبدة التي غيرت معايير الحياة، ورسمت حدوداً جغرافية بين البشر، خلق أزمات إضافية؛ فالعالم يعيش مختبئاً، في وحدة وعزلة لم تستطع الحروب على فرضها، وكل منا اختار طريقة العزل الخاصة به.
غير أن طرق العزل التي اختارها أهالي العاصمة لندن في الانتقال إلى بيوتهم الثانية في الريف الإنجليزي أثارت حفيظة أهالي القرى والسواحل، وأدى انتقال اللندنيين للعيش في الريف، للحصول على مساحة أوسع للتنفس والمشي، إلى ولادة عنصرية من نوع جديد؛ عنصرية قروية تجاه المدن.
فمنذ أن فرض قانون التزام المنازل للحد من انتشار الوباء في بريطانيا، حزم كثير من أهالي العاصمة أمتعتهم وهجروا منازلهم باتجاه مناطق مثل كورنوول وشواطئ سانت إيف وويلز، بعضهم يملك بيوتاً صيفية فقرروا أن تكون عزلتهم الوقائية فيها، لأنها تؤمّن لهم الراحة ويمكن التحرك في تلك المناطق بشكل أسهل خاصة بالنسبة للذين يملكون حيوانات أليفة، ولكن مجيء اللندنيين إلى تلك المناطق أدى إلى موجة من العنصرية بدأت من خلال كتابة عبارات على الطرقات تصف اللندنيين بالجرذان، وأخرى كُتِبت على رمال الشواطئ طلبت منهم الرحيل، وعبارات أخرى كُتبت على مشارف الغابات، مفادها أن اللندنيين الذين جاءوا إلى قراهم أنانيون ولا يأبهون بصحة الغير.
المشكلة لا تزال قائمة ومتفاقمة، رغم طلب رئيس الحكومة بوريس جونسون من الشعب البريطاني البقاء في المنازل، ولكن هناك شريحة كبيرة من سكان لندن لم تأبه بالفعل لهذه التحذيرات، وانتقلت للعيش في الريف إلى أجل غير مسمى.
وليس فقط أهالي العاصمة الذين يملكون منازل في الريف هم مَن قاموا بترك المدينة الفارغة أصلاً بسبب وباء «كورونا»، إنما قام عدد كبير آخر بحجز بيوت عبر «إير بي إند بي» بأسعار تنافسية في أماكن بعيدة للاستفادة من فترة الحجر، والحصول على مساحات أوسع للمشي وتنفس الهواء النقي.
في اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع آن ماري ماغراث، وهي آيرلندية مقيمة في وسط لندن، وتملك منزلاً في أحد أرياف إنجلترا، قالت إنها تجد نوعاً من الأنانية لدى بعض الناس لأخذ قرار الانتقال إلى البيوت الصيفية خلال هذه الفترة، وشرحت بالقول: «قررتُ ملازمة منزلي في لندن لأنني قد أكون حاملة للفيروس من دون علمي، ومن غير المنصف أن انتقل إلى منطقة أخرى وأعرّض أهلها للخطر وانتقال العدوى، كما أن المستشفيات في القرى النائية ليست بحجم تلك التي تجدها في العاصمة، ولذلك يجب على الناس بأن يفكروا بعقلانية قبل الذهاب للحصول على قسط من الراحة في الريف على حساب أهله».
وتختلف الآراء والتبريرات، فانتقلت روزا لوبيز، وهي إسبانية متزوجة من إنجليزي، من منزلها في منطقة كينزينغتن إلى منزل العائلة في منطقة هينلي أون تيمز، والسبب هو أن زوجها متقدم في السن ولكنه نشيط وكثير الحركة، وارتأت أن الحل الوحيد للحد من تحركاته وتركه المنزل اللندني هو الانتقال إلى المنزل الصيفي.
وقالت روزا: «أنا مدركة للأزمة، ولكنني ضد العنصرية بشكل عام، ولا يجوز أن يُطلِق أهالي الريف مثل تلك العبارات على أهالي المدينة فقط لأنهم يملكون بيوتاً صيفية. أنا أحرص على التزام المنزل ولا أخرج إلا عند الضرورة القصوى، كما أن المنازل الواقعة في الريف الإنجليزي بعيدة عن بعضها البعض، والاختلاط والوجود مع أشخاص كثيرين في المكان ذاته ممكن تحاشيه».
7:57 دقيقة
حرب الطبقات والجغرافيا بين لندن والريف بسبب «كورونا»
https://aawsat.com/home/article/2215176/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%86%D8%AF%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%C2%AB%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7%C2%BB
حرب الطبقات والجغرافيا بين لندن والريف بسبب «كورونا»
أهالي كورنوول وويلز يطلبون من اللندنيين الرحيل
- لندن: جوسلين إيليا
- لندن: جوسلين إيليا
حرب الطبقات والجغرافيا بين لندن والريف بسبب «كورونا»
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة