هاجس الرواتب يشغل العراقيين... و«المركزي» ينفي طباعة أوراق نقدية

بعد انخفاض أسعار النفط مصدر الدخل الرئيسي

TT

هاجس الرواتب يشغل العراقيين... و«المركزي» ينفي طباعة أوراق نقدية

يخيم على المواطنين العراقيين هذه الأيام شبح الأزمة المالية المتوقعة وعدم قدرة السلطات في البلاد على تأمين رواتب الموظفين الحكوميين نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي يرفد موازنة البلاد المالية بنحو 90 في المائة من إجمالي دخلها السنوي.
ومع عدم عودة أسعار النفط إلى سابق عهدها، تعددت السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة العراقية لتأمين رواتب الموظفين، ومن بين تلك الاحتمالات التي طرحها مقرب من رئاسة الوزراء، قيام الحكومة بطبع أوراق نقدية. غير أن البنك المركزي العراقي أصدر، أمس، بياناً نفى فيه ذلك. وقال مصدر مخول في البنك عبر البيان إن «طبع الأوراق النقدية العراقية إجراء روتيني فني يمارسه البنك المركزي وفق متطلبات التداول النقدي، وإن طبع الأوراق النقدية عملية منفصلة تماماً عن عملية الإصدار النقدي». وأضاف: «لا تستطيع أي جهة سحب الأوراق النقدية من البنك المركزي ما لم تكن في حساباتها أرصدة تغطي المبلغ المطلوب سحبه، ولذلك، لا يعني القول بطبع الدينار أي معنى سوى تعزيز خزائن البنك المركزي وفقاً لسياسة إدارة النقد، وليس أي معنى أو غرض آخر، فقانون البنك المركزي والسياسة النقدية لا يسمحان بإصدار النقد لصالح حساب بدون رصيد». وورد في البيان كذلك قول المخول: «عندما ترغب وزارة المالية تمويل الإنفاق على وحدات الإنفاق المختلفة والرواتب، تطلب من البنك المركزي تعزيز حسابها لديه بالدينار العراقي مقابل السحب من حسابها بالدولار، فلا يودع في حساب المالية بالدينار أي مبلغ ما لم يقابله سحب من حسابها الدولاري».
وكان مصطفى جبار سند؛ رئيس خلية المتابعة في مكتب رئيس الوزراء، أكد الجمعة الماضي، أن الحكومة ستتمكن من توزيع رواتب شهر مارس (آذار) الحالي بينما ستلجأ لبعض الحلول لضمان توفير رواتب الشهر المقبل، مما آثار موجة الذعر الأخيرة، خصوصاً حين أشار سند إلى أن «مدخول العراق الشهري من النفط يقدر حالياً بمليار دولار فقط (بعد هبوط سعر البرميل إلى 18 دولاراً)، فيما رواتب الموظفين تبلغ 3 مليارات ونصف للشهر الواحد، وهو ما قد يدفع بالعراق لطباعة العملة بوصفها خياراً أخيراً، حيث سيتأثر وضع الدولة بدءاً من الشهر المقبل».
غير أن المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، تحدث، أول من أمس، عن خيارات العراق لمواجهة الوضع المالي الجديد الذي فرض على البلاد بعد هبوط أسعار النفط، وظهور فيروس «كورونا»، وأكد أن موضوع طباعة عملة عراقية لتلافي الأزمة مجرد رأي ومقترح. وقال صالح، في تصريح أوردته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) إن «فريقاً يعمل مع المجلس الوزاري لإعادة هيكلة مصروفات الدولة، وخياراتنا لمواجهة الوضع المالي تتجه صوب ضغط النفقات». ورأى أن «موضوع طبع العملة مجرد رأي شخصي ومقترح لا ينسجم مع قانون البنك المركزي، ورواتب الموظفين من أولويات الحكومة ولديها إجراءات مالية لن تؤدي إلى تعثرها».
وغالباً ما تعرضت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 إلى تحذيرات وانتقادات واسعة نتيجة إصرارها على استمرار اعتماد البلاد على موارد الريع النفطية وعدم تعظيم مواردها المالية عبر طرق أخرى كالاستثمار والصناعة والزراعة، وذلك إلى جانب سوء الإدارة والفساد الذي لازم سياساتها الاقتصادية والتنموية.
بدوره، رأى القيادي في ائتلاف «النصر» علي السنيد، أن خيار طباعة العملة العراقية من قبل الحكومة «سيدمر الاقتصاد الوطني»، ودعا في بيان مجلس النواب إلى «محاسبة الحكومة الحالية لسياساتها الإنفاقية المتهورة، وسوء استخدام السلطة في إدارة المصالح العامة». وقال السنيد إن «ما كشف عنه رئيس خلية المتابعة بمكتب رئيس الوزراء، من خيارات لمواجهة الأزمة المالية، تعدّ خيارات كارثية لأمن الدولة المالي والاقتصادي والمجتمعي». وأضاف أن «هذه الحكومة ورثت فائضاً نقدياً 14 مليار دولار حين تسلم عبد المهدي رئاسة الحكومة، إضافة إلى موازنة 2019، إلا إنه تم إهدارها، وها نحن اليوم على أعتاب أزمة مالية خانقة بسبب تردي أسعار النفط».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.