تركيا: تسارع الوفيات والإصابات يفجر القلق وخبراء يتوقعون قادماً أسوأ

وفاة 50 مواطناً في الخارج و75 في الداخل... وحجر صحي على مدن وقرى

رجل يرتدي كمامة واقية يسير على جسر غالاتا وسط إسطنبول (أ.ف.ب)
رجل يرتدي كمامة واقية يسير على جسر غالاتا وسط إسطنبول (أ.ف.ب)
TT

تركيا: تسارع الوفيات والإصابات يفجر القلق وخبراء يتوقعون قادماً أسوأ

رجل يرتدي كمامة واقية يسير على جسر غالاتا وسط إسطنبول (أ.ف.ب)
رجل يرتدي كمامة واقية يسير على جسر غالاتا وسط إسطنبول (أ.ف.ب)

فجر التصاعد السريع للوفيات والإصابات نتيجة الإصابة بفيروس «كورونا المستجد» في تركيا حالة من القلق الشديد في ظل نقص في المعدات اللازمة لإجراء الفحص بأعداد كبيرة والتعتيم على حقيقة انتشار الفيروس والمناطق التي يتركز فيها.
وقال نائب رئيس جمعية أطباء الأسرة مصطفى تيمور إننا نتلقى يوميا معلومات عن إصابة زملاء لنا من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، لكن لا أحد يعلن عن الإجراءات التي تتخذ لمنع هذه الإصابات أو وقف تفاقمها.
وحذر خبراء من الوتيرة المرتفعة لتفشي الفيروس، بعد أن ارتفع عدد الوفيات بالفيروس ليلة أمس إلى 75 شخصا مسجلا زيادة بواقع 16 حالة في يوم واحد وارتفاع الإصابات إلى 3629 بزيادة بنحو 1200 حالة في يوم واحد للمرة الأولى منذ الإعلان عن ظهور الفيروس في تركيا في العاشر من مارس (آذار) الحالي، وأكدوا أن الوضع بات مقلقا جدا.
وحتى الآن لم تتمكن وزارة الصحة التركية من تحقيق هدفها بإجراء 10 آلاف فحص يوميا للمشكوك في إصابتهم بالفيروس على الرغم من استيراد 50 ألف جهاز للقياس السريع من الصين، ما اضطرها إلى طلب توريد مليون جهاز جديد.
وطالب رئيس جمعية المسعفين التركية، سنان آزيميان، بتشديد الإجراءات من أجل إجبار المواطنين على البقاء في منازلهم بسبب ضعف القدرة على إجراء الفحص اللازم للفيروس على نطاق واسع.
ولفت إلى أن إطلاق الحكومة لإجراءات مواجهة الفيروس كانت بطيئة ومتأخرة في عدد من المجالات مثل تأجيل البطولات الرياضية ونقل القادمين من الخارج إلى الحجر الصحي.
وذكر آزيميان أن الحكومة لم تتخذ إجراءات تجاه نحو 20 ألف شخص دخلوا البلاد منذ بدء إجراءات الحجر، ماعدا إجراء فحص بسيط للحرارة ثم سمح لهم بالانطلاق في أنحاء البلاد.
وإجمالا أجرت تركيا، حتى الآن، نحو 40 ألف فحص للفيروس، منها نحو 7 آلاف أول من أمس، بعد أن حدد وزير الصحة التركي هدفا يتمثل في إجراء 10 آلاف فحص في اليوم.
ولا تعطي وزارة الصحة معلومات دقيقة حول مناطق انتشار الفيروس أو من أين جاءت الحالات المصابة، لكنها مستمرة في تشديد الإجراءات على غرار تمديد فترة توقف الدراسة بالمدارس والجامعات وتحديد ساعات العمل بالمحال التجارية وتقليص الأعداد في وسائل النقل بين المدن. بينما على الجانب الآخر أعلن رجب طيب إردوغان أن تركيا ستتغلب على الفيروس في فترة تتراوح بين أسبوعين و3 أسابيع.
وخلافا لذلك، أكد رئيس قسم أمراض الشيخوخة في كلية الطب بجامعة حاجة تبة في أنقرة، مصطفى جان كورتاران، أن «الشهر المقبل سيكون حاسما لأن انتشار الفيروس سيتسع».
في الوقت ذاته، أعلنت وزارة الخارجية التركية عن وفاة 50 مواطناً تركياً في 8 دول أجنبية جراء فيروس كورونا، وقال نائب الوزير ياووز سليم كيران، في تصريح اليوم: «مع الأسف العدد في تزايد، ووفقاً للمعلومات التي وردتنا حتى اليوم توفي 50 من مواطنينا في ثماني دول مختلفة في العالم جراء الفيروس».
وأضاف أن 151 مواطناً آخرين أظهرت التحاليل التي أجريت لهم إصابتهم بفيروس كورونا في دول أخرى، مؤكداً أنهم يتابعون من كثب أوضاع المصابين الأتراك.
وأعلنت السلطات، الجمعة، فرض حجر صحي على مدينة و4 قرى في ولاية ريزا في شمال البلاد.
وقالت مديرية الصحة في ريزا إنه تم البدء في تنفيذ الحجر الصحي على مدينة كانديرلي المتصلة بمركز مدينة ريزا وقرى ينى السليمية وبشيكتاش وأنيتبه ومالتبه.
وأضافت أنه سيتم التدقيق على مداخل ومخارج هذه القرى ولن يسمح بالدخول والخروج مرة أخرى، وستقوم الفرق الطبية بزيارة جميع المنازل وفحص كل شخص وأن من تراه لديه أعراض مثل السعال وارتفاع الحرارة فسيتم عزله، وإن اضطر الأمر فسيتم نقله إلى المستشفى.
وشددت السلطات، على أن المخابز والأسواق التي تلبي احتياجات المواطنين ستخضع لرقابة أشد.


مقالات ذات صلة

صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟