لبنان يعلق تسديد كامل ديونه بالعملة الصعبة تمهيداً للتفاوض

صعوبات تحول دون تشريع الـ«كابيتال كونترول» بسبب معارضة بري

رئيس الحكومة حسان دياب يترأس غداً جلسة لمجلس الوزراء تبحث الأوضاع المالية (الوطنية)
رئيس الحكومة حسان دياب يترأس غداً جلسة لمجلس الوزراء تبحث الأوضاع المالية (الوطنية)
TT

لبنان يعلق تسديد كامل ديونه بالعملة الصعبة تمهيداً للتفاوض

رئيس الحكومة حسان دياب يترأس غداً جلسة لمجلس الوزراء تبحث الأوضاع المالية (الوطنية)
رئيس الحكومة حسان دياب يترأس غداً جلسة لمجلس الوزراء تبحث الأوضاع المالية (الوطنية)

أعلنت الحكومة اللبنانية التوقف عن دفع كل سندات الديون بالعملة الأجنبية (يوروبوند) المستحقة عليها، والبالغة قيمتها نحو 30 مليار دولار، من أجل حماية الاحتياطي من العملات الأجنبية، وهي تمتد آجالها من العام الجاري وحتى عام 2037، في خطوة غير مسبوقة تندرج تحت عنوان «الامتناع القسري» عن الدفع، تمهيداً لإعادة هيكلة الدين العام.
يأتي هذا القرار في ظل محاولات حكومية للتعامل مع الأزمتين الاقتصادية والنقدية المتنامية، الساعية لوضع خطة اقتصادية تنقذ البلاد من عثراتها الاقتصادية، وتُضاف إلى إجراءات أخرى تتخذها الحكومة اللبنانية، من بينها تشريع القيود الاستثنائية التي تتخذها المصارف على السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول). ويعقد مجلس الوزراء جلسة اليوم في السراي الحكومي، لاستكمال البحث في مشروع القانون المعجل الرامي إلى تنظيم ووضع ضوابط استثنائية موقتة على بعض العمليات والخدمات المصرفية، والبحث في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ضوء التدابير المتخذة بسبب إعلان التعبئة العامة، واستكمال البحث في الوضعين المالي والنقدي.
وفيما رجحت معلومات أن تناقش الحكومة اليوم موضوع «الكابيتال كونترول»، على أن يقر الخميس، علمت «الشرق الأوسط» أن هناك صعوبات تحول دون تشريع «الكابيتال كونترول»، بالنظر إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يؤيد تشريعه عبر مشروع قانون يُحال من الحكومة إلى مجلس النواب لإقراره، وتقول المصادر إن بري يقترح أن تكون المعالجة بين وزير المال (غازي وزني) وحاكم مصرف لبنان (رياض سلامة)، وليس بوارد تشريعه بمشروع قانون في المجلس، وقد أبلغ رئيس الحكومة حسان دياب بموقفه.
في هذا الوقت، استكملت الحكومة اللبنانية الإجراء الأول الذي اتخذته هذا الشهر، والقاضي بتعليق تسديد المستحقات عليها من الديون السيادية بالعملة الصعبة، بقرار جديد أعلنته أمس، وقضى بالتوقف عن دفع كامل الديون السيادية بالعملة الصعبة. وقالت مصادر مواكبة إن هذا الامتناع «قسري وليس كيفياً»، موضحة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن عدد الإصدارات 29 إصداراً، تبلغ قيمتها 30 مليار دولار، بينها 12 ملياراً لدائنين محليين. وقالت المصادر إن آجالها تتراوح بين استحقاقات في 2020، وتنتهي في 2037، موضحة أن فوائدها تتراوح بين 5.8 في المائة في أدنى معدل فائدة على تلك السندات، و12 في المائة في أعلى نسبة في الفوائد المترتبة على تلك السندات.
وقالت المصادر إن التوقف عن الدفع تمهيد للتفاوض على كامل الحزمة من الديون السيادية بالعملة الصعبة، ضمن عملية إعادة هيكلة الدين العام. وقالت إن التفاوض الذي يتوقع أن يبدأ خلال أشهر، يشمل 3 مناحٍ أو أحدها أو اثنين منها، وهي: التفاوض على الآجال، والفوائد، والقيمة الأصلية، وهي أمور لا يمكن الجزم بها حتى الآن لأنها خاضعة للتفاوض. وأشارت المصادر إلى أن أغلب الظن أن يتفاوض لبنان مع الدائنين على تسديدها خلال مدة أطول وفائدة أقل، لافتة إلى أن الطرح الذي يطرحه لبنان يتلخص بالتفاوض على آجال تتراوح بين 10 و20 عاماً.
وتندرج إعادة الهيكلة ضمن إطار إدارة مالية جديدة للاقتصاد اللبناني، وهو ما أوحى به البيان الصادر أمس عن وزارة المالية التي قالت إن الحكومة ستتخذ جميع الإجراءات التي تعدّها ضرورية لإدارة احتياطي لبنان المحدود من العملات الأجنبية بحكمة وحذر. وقالت المالية: «لا تزال الحكومة ملتزمة بشكل صارم بمبادرتها ثلاثية المحاور الخاصة بالإصلاح الاقتصادي، وهي في صدد تطوير خطة اقتصاد كلي مستدامة لتصحيح وضع الاقتصاد اللبناني».
واستندت إلى إعلان دياب أن المبادرة الخاصة بالإصلاح الاقتصادي في لبنان تهدف إلى إعادة الاستدامة إلى المالية العامة من خلال إعادة هيكلة الدين العام واعتماد سلسلة من التدابير المالية، وإرساء بيئة مواتية للنمو من خلال برنامج إصلاحي هيكلي شامل يتضمّن تدابير آيلة إلى تحسين الحوكمة ومكافحة الفساد، وإعادة الاستقرار إلى النظام المالي وإصلاحه من خلال إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
وقالت المالية إن الحكومة تعتزم إجراء محادثات حسن نية مع دائنيها في أقرب وقت ممكن عملياً. وتحقيقاً لهذه الغاية، تخطط وزارة المالية لإجراء تبيان للمستثمرين (Investor Presentation) في 27 مارس (آذار) 2020. وقد تم إعطاء توجيهات إلى المستشارين الماليين للبنان، أي شركة لازارد المالية (Lazard Frères)، ليباشروا بالترتيبات المناسبة في ظل الظروف الحالية لتسهيل هذه المحادثات.
وأحالت الدائنين للاستفسار إلى شركة «لازارد» الفرنسية، فيما بدا أن مقترح تعليق دفع السندات يأتي نتيجة لاستشارة الشركة، تمهيداً للتفاوض مع الدائنين. ويقول المصرفي والخبير الاقتصادي الدكتور جو صرّوع إنه بعد تعليق الدفع على الاستحقاق الأول في 9 مارس الماضي، بات تعليق الدفع الذي سيلي القرار الأول طبيعياً، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن عملية التفاوض لإعادة جدولة الدين يلزمها وجود معلومات واضحة تعزز الثقة، مثل معرفة حاملي السندات موعد الدفع، بالنظر إلى أن التسديد يجب أن يكون مستداماً، وهو يتطلب سيطرة حكومية لبنانية على العجز بالموازنة. ويقول إن ضمانة الأمرين تحتاج إلى خطة كاملة وشاملة تتبنى فلسفة اقتصادية ومالية تكون لديها آليات تنفيذ شفافة وخاضعة للتدقيق والمحاسبة، مشدداً على أن وجود هذه الخطة يجب أن يكون حاضراً قبل الانطلاق بالمفاوضات.
ويشير صرّوع إلى أن الاتفاق على تمديد الآجال قد يتلازم مع «هير كات»، أي اقتصاص جزء من قيمة السندات أو فوائدها، لذلك «يجب الذهاب إلى تصور داخلي لتحديد فلسفة التفاوض والرؤية الحكومية ومداها وأفقها وتكلفتها ومصادر تمويلها». ويرى أن هناك تداعيات ستكون على رأسمال المصارف وإعادة رسملة القطاع المصرفي بغياب ثقة بالاقتصاد المالي، لافتاً إلى أن إعادة الثقة لن تكون بإعادة هيكلة المصارف كما يُشاع، أو دمجها، والتي لها تداعيات على العمالة ومستوياتها بالنظر إلى تأثيرات لها على مصرف لبنان. ويشدد على ضرورة وجود خطة ورؤية للقطاع المصرفي واستعادة الثقة.
وإذ طلب التمهل لمعرفة رد فعل الدائنين، أكد ضرورة أن تكون هناك ضمانات معنوية عبر تعزيز الثقة بخطة إنقاذية قابلة للتنفيذ، ومادية للتسديد. وشدد على أنه «لا تستقيم خطة إذا لم تكن مدعومة بنمو اقتصادي مستدام».



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.