لا شك أن فيروس «كورونا» غيّر وجه العالم في عدة أسابيع فقط. فالنشاطات الرياضية والاجتماعية والثقافية توقفت وتحولت آلاف الوظائف إلى العمل من المنازل وخلت الشوارع من السيارات. وأغلقت مدن بأكملها ثم أغلقت بلدان حدودها. رحلات الطيران والرحلات السياحية أُلغيت ووجد البعض أن طريق العودة إلى بلده الأصلي أصبح مغلقاً.
قيود الإغلاق الجبري تشمل الآن المدارس والمحال العامة (باستثناء الصيدليات ومحال السوبرماركت ومنافذ بيع تيك آواي) والعديد من المصالح الحكومية. الاختلاط والتجمع ممنوع ومن يشك في إصابته عليه عزل نفسه عن الجميع لمدة أسبوعين على الأقل. وبدأت هجمات تفريغ الرفوف على محلات السوبرماركت في موجات غير مسبوقة منذ أيام الحرب العالمية الثانية.
في وسط هذا الفزع الشامل تبدو هناك قطاعات نالت من الخسائر أكثر من غيرها. القطاع السياحي ومكوناته يواجه الموقف بوجل ولا يعرف كيف يتطور الأمر في المستقبل مع استمرار الامتناع عن السفر الجوي ورحلات السياحة. شركات الطيران والفنادق والمطارات والمطاعم والمقاهي والملاهي والمعالم السياحية تقف حالياً مهجورة بانتظار دعم حكومي قد لا يصل أو نهايةٍ للأزمة لم تظهر بوادرها بعد. شركات هذه القطاعات المتضررة لن تستمر طويلاً على هذه الحال قبل إعلان إفلاسها إن لم يصلها الدعم الحكومي المنشود.
- قطاع الطيران
توقعات خبراء الصناعة لقطاع الطيران تبدو قاتمة. فمن دون دعم حكومي سريع سوف تنهار معظم شركات الطيران في العالم على نهاية شهر مايو (أيار) 2020، وتدعو شركات الطيران الحكومات إلى التدخل السريع بمليارات الدولارات لإنقاذ الصناعة التي تقف على حافة الهاوية.
وتشمل الأزمة شركات السياحة التي تدير طائراتها بنفسها مثل شركة «توي» الألمانية التي أعلنت أنها بصدد تجميد الأغلبية الساحقة من رحلاتها السياحية حتى إشعار آخر. وتشمل نشاطات الشركة التي تتعرض للإغلاق الباقات المتكاملة لرحلات تشمل الطيران والإقامة والمواصلات ورحلات الكروز البحري وإدارة الفنادق. وقالت الشركة إن قرارها يدعم توجهات الحكومات للتخفيف من آثار انتشار فيروس «كورونا». وتقدمت الشركة بالفعل لطلب دعم حكومي للاستمرار في السوق.
وقال بيتر نوريس، رئيس مجلس إدارة شركة «فرجن»، إنه سوف يكتب لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، لتحذيره من أن قطاع الطيران يحتاج إلى الدعم المالي السريع بحجم 7.5 مليار إسترليني. ويساهم هذا الدعم في طمأنة شركات الائتمان بأن شركات الطيران لن تفلس.
من ناحيتها قالت نقابة العمال «يونايت» إنه من دون الدعم الحكومي سوف تنهار آلاف الوظائف. واقترحت النقابة أن تساهم الحكومات بنسبة في ملكية شركات الطيران والمطارات، مما يعني التأميم الجزئي، حتى تنتهي الأزمة.
وتواجه صناعة الطيران والسفر «عاصفة متكاملة»، مع الحظر الأميركي على الطيران من أوروبا، بما في ذلك بريطانيا وآيرلندا، وقيوداً إضافية على السفر إلى بلدان أميركا اللاتينية. كما أن أستراليا ونيوزلندا تطلبان من المسافرين إليهما الالتزام بالعزل الذاتي لمدة أسبوعين.
حتى شركات طيران السفر الرخيص مثل «إيزي جت» و«رايان إير» قررت خفضاً جذرياً في رحلات الطيران إلى دول أوروبا في ظل الإغلاق الكامل لدول مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
وصرحت الخطوط البريطانية بالفعل لموظفيها بأنها تحارب من أجل البقاء وأنها قد تُضطر إلى تسريح آلاف الوظائف وإلغاء الرحلات الجوية بشكل غير مسبوق. وتطالب الخطوط البريطانية حالياً بعقد اجتماعات مع الحكومة البريطانية لبحث تطورات الموقف يوماً بيوم. وقالت الخطوط الاسكندنافية (SAS) إنها سوف توقف معظم رحلاتها وتسرّح 90% من موظفيها، وهي نسبة يبلغ عددها 10 آلاف موظف. وقالت مصادر هولندية إن الحكومة تحاول الإبقاء على نشاط اتحاد الخطوط الهولندية والفرنسية واستمرار فتح مطار شيبول الدولي. أما الحكومة الإيطالية فهي تفكر جدياً في تأميم الخطوط الإيطالية التي تبدو على شفا الإفلاس.
وتطالب شركات الطيران الأميركية بدعم طوارئ حكومي يصل إلى 50 مليار دولار نصفها قروض ميسرة والنصف الآخر إعانات. وقالت شركات الطيران الأميركية التي تضم «يونايتد» و«دلتا» و«أميركان إيرلاينز» إنها في أزمة تفوق تلك التي تعرضت لها شركات السيارات في عام 2008 عندما تدخلت الحكومة الأميركية لإنقاذها بمليارات الدولارات.
هذا، وبدأت «أميركان إيرلاينز» في تصفية رحلاتها الطويلة بسبب القيود الحكومية على السفر عبر الحدود وعدم وجود ركاب. وتبعتها شركات «يونايتد» و«دلتا» و«إيبريا» الإسبانية، والخطوط الفنلندية و«فرجن أتلانتيك» و«لوفتهانزا» والخطوط الأسترالية والنيوزلندية.
- قطاع الفنادق
تتفاقم الأزمة في قطاع الفنادق الذي يفوق قطاع الطيران عدة أضعاف. وإذا كانت مطالب قطاع الطيران الأميركي من المساعدة الفيدرالية يصل إلى 50 مليار دولار، فإن قطاع الفنادق يطالب بدعم حكومي يبلغ 150 مليار دولار لكي يتجنب الانهيار. وفي اجتماع مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض قال رؤساء الصناعة إن قطاع الفنادق يواجه وضعاً أكثر صعوبة من الهجمات الإرهابية في عام 2001 والأزمة الاقتصادية في عام 2008.
وتواجه الحكومة الأميركية أيضاً مطالب بالتعويض من قطاعات الملاهي ومنتجعات التزلج على الجليد وشركات السياحة وقاعات المؤتمرات والتي تطالب فيما بينها بنحو 100 مليار دولار. ويقول روجر داو رئيس اتحاد صناعات السفر الأميركية، إنه من دون هذا الدعم سوف تفقد الصناعة أربعة ملايين وظيفة خلال عام 2020 مما يرفع معدل البطالة الأميركي من 3.3% حالياً إلى 6.3%.
ويشير داو إلى أن معدل حجوزات الفنادق قبل الأزمة كان في حدود 80%، ولكنه انهار الآن إلى نحو 10%. وقال متحدث من مجموعة فنادق «بيبلبروك» الأميركية التي تملك 54 فندقاً يعمل فيها ثمانية آلاف موظف إن الحاجة إلى الدعم فورية لأن تسريح الموظفين بدأ بالفعل ويجري على نحو يومي. وأضاف أنه تم تسريح أربعة آلاف عامل وقد يلحق بهم ألفان آخران على نهاية الشهر الجاري (مارس)، مع إغلاق نصف فنادق المجموعة.
من ناحية أخرى، قال متحدث من مجموعة فنادق «ماريوت» العالمية التي تملك سبعة آلاف فندق تحت 30 علامة مختلفة، إن معدل إلغاء الحجوزات قد يجبرها على تسريح أيدٍ عاملة وإغلاق فنادق. ويعمل في المجموعة 174 ألف عامل على مستوى العالم (إحصاء نهاية 2019). ولجأت المجموعة إلى خفض ساعات العمل في بعض الدول وإعطاء العمال عطلات إجبارية.
وتقدَّر خسائر صناعة الفنادق الأميركية وحدها بنحو 1.4 مليار دولار أسبوعياً من الدخل المفقود، وفقاً لإحصاءات من هيئة السفر الأميركية. وفي السيناريو الأسوأ لن تزيد حجوزات عام 2020 في الفنادق على نسبة 25% مما يعني أن نصف الفنادق سوف يغلق أبوابه على نهاية العام.
ويشير الوضع الحالي في أميركا إلى مدى التدهور الذي أصاب صناعة السياحة رغم أن أميركا لم تصل إلى الوضع الحرج التي تعاني منه الدول الأوروبية حالياً. في لاس فيغاس، تم إغلاق 14 فندقاً، مؤقتاً، كما تم إغلاق كل الفنادق والمطاعم في منتجعات يوسيمايت الطبيعية.
وفي جنوب كاليفورنيا تم تأجيل افتتاح فندق «ماريوت» المكون من 466 غرفة إلى أجل غير مسمى. وتم إغلاق فندقين في منتجع ديزني لاند في كاليفورنيا.
وقالت عاملة في فندق «فورسيزونز» لوس أنجليس، اسمها مايرا مدريد، إنها فقدت وظيفتها وقيل لها إنها ستعود عندما تتحسن الأحوال، وهي تشعر بالخوف لأنها لا تستطيع أن تدفع فواتير منزلها وتقول إنها لا تعرف ماذا تفعل.
الوضع في أوروبا خرج عن إرادة الزبائن أو إدارات الفنادق، فالحكومات اتخذت قرار الإغلاق التام لكل المرافق بما فيها الفنادق. ولا توجد صناعة سياحة حالياً في أوروبا خصوصاً في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا. وقال الرئيس الفرنسي ماكرون إن بلاده في حالة حرب مع فيروس «كورونا».
وتتخذ الحكومة الفرنسية موقفاً أكثر حدة من غيرها في مواجهة فيروس «كورونا»، حيث وعد ماكرون بحزمة مساعدات اقتصادية حجمها 300 مليار يورو. كما أكد أنه لا شركة فرنسية واحدة سوف تتعرض للإفلاس، وجمّد ماكرون فواتير الغاز والكهرباء والإيجارات إلى حين نهاية الأزمة.
وقررت فرنسا إغلاق حدودها أمام السفر الدولي، مثلما هو الحال في إيطاليا وإسبانيا، ولكنها تسمح للمواطنين الفرنسيين بالعودة. وحتى السفر داخل أوروبا أصبح صعباً، حيث تنصح المفوضية الأوروبية بعدمه إلا في حالات الضرورة. وعليه قررت ألمانيا أيضاً إغلاق حدودها مع كل من النمسا والدنمارك وفرنسا ولكسمبورغ وسويسرا. ولا تسمح ألمانيا الآن إلا بدخول مواطنيها والمقيمين فيها ومن لهم أسباب قوية لدخول البلاد.
وفي معظم أنحاء أوروبا، كما في نيويورك ولوس أنجليس، أغلقت كل المطاعم والمقاهي أبوابها ومنعت التجمعات والحفلات العامة. ويستخدم بعض الدول قوات الجيش والشرطة لتنفيذ قرارات العزل. وحتى حجوزات إقامة «إير بي إن بي» التي تجري على الإنترنت كبديل للفنادق تكاد تتوقف حالياً لعدم وجود المسافرين ولعدم سماح أصحاب العقارات المشاركة باستقبال أغراب قد ينقلون معهم أعراض فيروس «كورونا».
من المطارات إلى الفنادق... {كورونا} يغيّر وجه السفر
خسائر الشركات تتراكم من كارثة الوباء
من المطارات إلى الفنادق... {كورونا} يغيّر وجه السفر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة