تغلب على المتاعب التقنية أثناء العمل من المنزل

وسائل لتعزيز سرعة الاتصالات وتوظيف الهواتف الذكية لدعمها

تغلب على المتاعب التقنية أثناء العمل من المنزل
TT

تغلب على المتاعب التقنية أثناء العمل من المنزل

تغلب على المتاعب التقنية أثناء العمل من المنزل

من اتصال الواي - فاي الرديء إلى المشاكل الرقمية المشتتة للانتباه، يمكن للتقنية أن تحوّل العمل من المنزل إلى وضع مأساوي.
قد يبدو أن قرار العمل من المنزل بسبب فيروس «كورونا المستجدّ» هو نوع من الرخاء خاصة أنكم ستحظون بالوقت للطهي وغسل الملابس في أوقات الاستراحة من العمل.
ولكنّ الحقيقة ليست كذلك، لا سيّما عندما تتراجع سرعة الواي - فاي، وتشعرون بالإرباك أثناء استخدام الأدوات البرمجية الجديدة، وتضطرون إلى استخدام فأرة قديمة مزعجة.
-- تقوية العمل المنزلي
إليكم فيما يلي كيف تحدثون البهجة على العمل من المنزل.
- الاتصال بالإنترنت. أولاً، يجب أن تبدأوا بمعالجة المشكلة التقنية الأهمّ في المنزل وهي الاتصال بالإنترنت. غالباً ما تكون سرعة الإنترنت في المنزل بطيئة واتصالات الواي - فاي متقطّعة، مقارنة باتصالات النطاق العريض الفائقة السرعة المتوفرة في المكتب.
وقد حان الوقت اليوم لتقييم بنيتكم التحتية:
- إذا كانت إشارات الواي - فاي لديكم متفاوتة، أي قوية في غرفة وضعيفة في أخرى، فننصحكم بالاستثمار فيما يُعرف بنظام الواي - فاي الشبكي mesh Wi - Fi system الذي يتيح لكم الاتصال بنقاط واي - فاي متعدّدة في وقت واحد لتغطية المنزل بالإنترنت. تجدون في السوق أنظمة واي - فاي شبكي قوية أبرزها «غوغل واي - فاي»Google Wifi و«أمازون إيرو» Amazon’s Eero يبدأ سعرها من 99 دولاراً مع محوّل واحد للإشارة وقابلية الاتصال بنقاط إضافية.
- إذا كانت سرعات الإنترنت بطيئة: فيمكنكم الاستعانة بنظام واي - فاي حديث يدعم آخر المعايير اللاسلكية كالمذكورة أعلاه. ولكن إذا استمرّ الحال على ما هو عليه حتّى بعد تحديث الأجهزة المرتبطة بالشبكة، فيُفضّل أن تتواصلوا مع مزوّد خدمتكم لسؤاله عن خيارات أخرى. يميل معظم المزودين في هذه الحالة إلى تقديم سرعات نطاق عريض أفضل ولكن بأسعار أعلى.
مع انتشار الوباء، يختبر معظمنا حالياً تراجعاً بسرعة الاتصال بالإنترنت لا سيما أن الملايين من البشر يعملون اليوم من المنزل ويستهلكون خدمات النطاق العريض، الأمر الذي يؤدّي إلى تراجع معدّل السرعات حول العالم. في هذه الحالة، ليس هناك ما يمكنكم فعله ولعلّكم ستكتفون بالشكوى للمزوّد.
- خيار ثان. ولهذا السبب، يجب أن يكون لديكم خيار ثانٍ للدعم. عندما تبدأ مشاكل السرعة بالظهور، يمكنكم اللجوء إلى ميزة النقطة الساخنة المتوفرة في هاتفكم والتي تحوّل الاتصال الخلوي الموجود في الجهاز إلى شبكة واي - فاي مصغّرة. صُممت الشبكات الخلوية لتحمّل أعدادا كبيرة من المستخدمين، ما يعني أنّ هاتفكم سيمنحكم اتصالاً أسرع بالإنترنت في وقت تعرّض النطاق العريض للضغط. تجدون على مواقع كلّ من أبل وغوغل تعليمات حول كيفية تحويل الهواتف إلى نقاط حامية.
ولكن لا تستخدموا هذه الميزة إلّا في حالات الانقطاع، لتفادي تجاوز الحدّ الأقصى المسموح به في خطّتكم الخلوية.
- تحقيق الاستفادة القصوى (وتقليص) إعداداتكم التقنية. لا يوجد إعداد موحّد يناسب الجميع عندما يتعلّق الأمر بالعمل من المنزل لأنّ كلّ واحد منّا يعمل في مجال مختلف. ولكن القاعدة الذهبية والتي يجب أن يطبّقها الجميع هي تقليل عدد الأجهزة والأدوات قدر الإمكان لأنّ كثرة التقنية تعني الكثير من المشاكل.
- الشاشات الصغيرة. في المنزل، يعتمد الكثيرون على اللابتوب للعمل، ولكنّ الشاشات الصغيرة قد تشعر الفرد ببعض القيود. في هذه الحالة، يمكنكم الاستعانة بشاشة إضافية كـZ27 27 بوصة عالية الدقّة من إتش بي (539 دولارا).
- اتصالات صوتية ومصوّرة مزعجة. جميعنا جرّب اتصالات الفيديو القليلة الإضاءة والاتصالات الصوتية الرديئة. إذا كنتم تواجهون مشاكل في نوعية الصوت، فيمكنكم الاستعانة بسماعات لاسلكية كـ«جبرا إيليت 75t»Jabra Elite 75t (180 دولارا) المزوّدة بميكروفونات مخفّفة للضجيج تمنع التقاط أصوات خارجية مؤثرة. أمّا لمن يبحثون عن نوعية فيديو أفضل، فيمكنهم شراء كاميرا ويب مثل «C920S» من لوجيتيك (70 دولاراً). ولمشاكل الإضاءة، استعينوا بمصباح علاجي كـ«كلاسيك بلاس» Day - light Classic Plus من كاريكس (150 دولارا) الذي يزوّدكم بضوء أشبه بالطبيعي لإجراء اتصالات الفيديو وتعديل مزاجكم.
-- مشاكل فردية وجماعية
- الضجيج. لمن يوجد في منازلهم أولادٌ صغارٌ أو يعيشون في بيئة مدنية مزدحمة، يمكنهم الاستعانة بسماعة عازلة للصوت كـ «بوز 700» Bose 700 (400 دولار) التي تغطّي الأذنين، أو «وان مور دوال درايفر بي تي DualDriver BT ANC». (105 دولارات) العازلة للأصوات لمساعدتكم على التركيز.
- الآلام الجسدية. دون الحاجة للخبراء، يمكنكم التخلّص من آلام المعصم والعنق والظهر من خلال استخدام لوحة مفاتيح مريحة أثناء العمل كـ «كينيسيس فريستايل إيدج» Kinesis Freestyle Edge (219 دولارا) أو فأرة لاسلكية كـ «M720 ترياتلون مالتي ديفايس وايرلس ماوس» Logitech M720 Triathlon Multi - Device Wireless Mouse (50 دولاراً).
وفي حال كنتم تعانون من آلام الظهر، قد يكون الوقت حان للاستثمار في كرسي مكتبي متين كـ«ستيل كيس جيستر Steelcase Gesture «(969 دولارا) أو مقعد بوضعية الوقوف كـ«آبليفت في 2»Uplift’s V2 standup desk (539 دولارا).
يحافظ جايسون فريد، مؤسس شركة «بيز كامب» المتخصصة بصناعة البرامج الإلكترونية وأدوات العمل عن بعد، في شيكاغو، على بساطة إعداداته التقنية، فيكتفي باللابتوب وكرسي مكتبي متين ومصباح علاجي لاتصالات الفيديو، وسماعات عازلة للصوت لحجب جلبة أولاده. وعندما يرغب في الوقوف، يضع اللابتوب على رفّ للكتب ويعمل.
- مشاكل العمل مع الفريق. عندما يتعلّق الأمر بالعمل عن بعد مع فريق من الزملاء، يبتعد مسار النجاح قليلاً عن الأدوات ويصبح أكثر اعتماداً على التعاطف الذي نشعر به تجاههم أثناء استخدام التقنية. وتعتبر الكثير من الشركات أنّ مراعاة التفاوت القائم في مستوى القرائية التقنية بين الموظفين مهمّ جداً. ومن هنا، ينصح فريد الموظفين الذين يعملون من منازلهم ضمن الفريق باختيار أدوات متعدّدة الاستخدامات بدل الاعتماد على مجموعة من الأدوات الأحادية الاستخدام.
ماذا يعني هذا الأمر؟ تتيح لكم تطبيقات مخصصة لعمل الفريق كـ«سلاك» Slack إجراء محادثات جماعية ومراسلات فردية وتحميل الملفات. وتقدم غوغل مجموعة تطبيقاتها الخاصة لعمل الفريق أيضاً وتضمّ أدوات لتعديل المستندات ومشاركة التقويم وإجراء الاجتماعات عبر اتصال الفيديو. يبقى الاعتماد على تطبيق واحد يتيح لكم القيام بجميع هذه الوظائف أفضل من استخدام تطبيق لكلّ مهمّة لأنّ المشاريع قد تتحوّل بسهولة إلى فوضى إذا كانت ملفات العمل موجودة في أداة وغير متوفرة في الأخرى.
بعدها، يحين دور الخطوة الثانية لعمل الفريق عن بعد وهي الحرص على استخدام الجميع للأدوات نفسها. لا تضعوا أنفسكم في موقف يحثّ الجميع على استخدام تطبيق تريدونه، بينما هم يستخدمون تطبيقاً آخر موحّدا، لأنّ غياب الإجماع على أدوات العمل قد يتحوّل دون أن تشعروا إلى مشاحنات طاغية بين أعضاء الفريق.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

فيديوهات «شورتس» من «يوتيوب» ستصل إلى 3 دقائق في 15 أكتوبر

تكنولوجيا تعكس هذه التحسينات التزام «يوتيوب» بالتطور مع مستخدميه وتقديم أدوات تلهم عملياتهم الإبداعية (أدوبي)

فيديوهات «شورتس» من «يوتيوب» ستصل إلى 3 دقائق في 15 أكتوبر

«يوتيوب» يوسّع نطاق «شورتس» بميزات جديدة مثيرة للمبدعين والمشاهدين.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تطرح «أوبن أيه آي» برنامج «كانفاس» كمساعد رقمي يفهم سياق مشروعك بالكامل (شاترستوك)

تعرف على «كانفاس»... الواجهة التعاونية الجديدة لـ«تشات جي بي تي»

يوفر «كانفاس» أدوات لصقل القواعد النحوية، وتعزيز الوضوح، وضمان الاتساق.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا على غرار الميزات المتوفرة عبر منصات مثل «زووم» يقدم «واتساب» خياري «اللمسات الأخيرة» و«الإضاءة المنخفضة» (واتساب)

ميزات جديدة من «واتساب» لتحسين جودة الاتصال عبر الفيديو

يكثف «واتساب»، الذي يُعد أكبر تطبيق مراسلة في العالم، مع أكثر من ملياري مستخدم عبر 180 دولة، جهوده لإثراء تجربة المستخدم في مجال مؤتمرات الفيديو.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا يتشارك المستخدمون محادثات عميقة وتأملية مع نسخة من أنفسهم تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي في سن الستين (MIT)

نظام ذكاء اصطناعي يجعلك تتكلم مع «ذاتك المستقبلية»!

يجري ذلك عبر محادثات عميقة وتأملية مع نفسك وأنت في عمر الستين.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تقدم الميزة عشرة خيارات صوتية مختلفة حصرياً للمستخدمين الذين يدفعون اشتراكاً في الخدمة (شاترستوك)

​«جيمناي لايف» من «غوغل» متاح مجاناً لمستخدمي «آندرويد» بالإنجليزية

كانت الميزة حصرية لمشتركي «جيمناي أدفانسد» (Gemini Advanced) بتكلفة 20 دولاراً شهرياً

نسيم رمضان (لندن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)