السعودية لولوة الحمود: الفن مزيج من الروح والكلمة... والقلم

حاصلة على جائزة «روابي» لمساهمتها في تعزيز الروابط السعودية ـ البريطانية

الفنانة التشكيلية لولوة الحمود
الفنانة التشكيلية لولوة الحمود
TT

السعودية لولوة الحمود: الفن مزيج من الروح والكلمة... والقلم

الفنانة التشكيلية لولوة الحمود
الفنانة التشكيلية لولوة الحمود

يمكن وصف الفنانة التشكيلية السعودية لولوة الحمود، التي تمارس أعمالها في لندن، بأنها فنانة معاصرة تُعنى بالخط العربي، أو فنانة خط عربي تُعنى بالفن المعاصر. إذ إنها تشكّل الحروف أو تستخدم أجزاءً منها في صنع أعمال فنّية ذات تصميم بسيط وثنائي الأبعاد، مركّزة بشكل كبير على مضمون الرسالة الفنية التي يتعلق بها العمل. وبالإضافة إلى ذلك، فهي تستخدم الأدوات التقليدية مثل الفرش والحبر والطلاء والورق، بيد أنها تستخدم أيضاً برامج الرسومات الرقمية لتطوير أشكال جديدة أو لتنفيذ أعمالها بشكلها النهائي.
إن المضمون الفنّي عند لولوة الحمود ذو طابع مفهومي وروحاني على حدٍ سواء. إذ يمكن لأي عمل من أعمالها الفنية أن يعبّر عن موضوع فلسفي بوصفه أنطولوجيا، أو كمضمون سيميائي مثل كيفية عمل النماذج الفنية لتقديم دلالات ضمن نظام معين، بحيث يشكّل ذلك انعكاساً لمعتقداتها الدينية ذات الدلالات العميقة للغاية.
حصلت في شهر فبراير (شباط) الماضي، على جائزة «روابي» نظير إنجازاتها في تعزيز الروابط الثقافية السعودية - البريطانية.
وتم استضافة لولوة الحمود في العديد من المعارض الفنية الدولية، بما في ذلك المتحف البريطاني، ومتحف «جيجو» للفنون في كوريا الجنوبية، ومتحف مقاطعة لوس أنجليس للفنون. كما تم استضافتها في افتتاح معرض «وصل ما وراء القلم» في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) وهو معرض للفن المعاصر، ومن خلاله استحوذ المركز على قطعتها الفنية التي حملت عنوان «هو الله»، وهي عبارة عن لوحة من الحرير بتصميم لأشكال هندسية ذات ألوان زرقاء وتعبر عن دلالات معينة ذات علاقة بشبكة هندسية وصفية على خلفية بلون الذهب، مما يشير إلى بداية ارتباط وتعاون مستقبلي بين الفنانة والمركز.
وقام مركز «إثراء» برعاية مشروع لولوة الحمود عندما تم اختيارها لإنشاء عمل خاص بجناح السعودية في معرض بينالي لندن للتصميم لعام 2018. وهو عبارة عن عمل فني لوحدات عرض فيديو بشكل متكرر وانعكاسي لتعبر عن الكينونة والوجود باستخدام شبكات شعاعية دائرية من خطوط رفيعة للغاية وبمظهر معقد ومتناسق - وهي رموز هندسية قامت لولوة الحمود باشتقاقها من أشكال الحروف الأبجدية العربية، وذلك من خلال إيمانها بأن هذه الحروف لها أبعاد تمثل رموزاً رياضية.
وتقول لولوة الحمود، إن «مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، التابع لشركة أرامكو السعودية من أكبر الداعمين لي ولأعمالي، حيث كان حلماً يتحقق عندما سمعت عنه لأول مرة في عام 2008. فقد دعمني المركز ليس فقط كفنانة ولكن أيضاً كمنسقة للمعارض الفنية. إذ عمل على رعاية الجناح الذي قدمت به أعمالي والخاص بالمملكة العربية السعودية في معرض إكسبو شنغهاي لعام 2010. بالإضافة إلى المعرض الفني السعودي في متحف دولون للفن الحديث والذي شاركت في تنسيقه. ولا أستطيع أن أصف شعوري خلال معرض بينالي لندن للتصميم عندما تم استقبال أعمالي من قبل فريق «إثراء» بشكل رائع للغاية، مما جعلني أشعر بالامتنان». ورداً على سؤال عن رؤيتها للعلاقة بين فن الخط والفن بكافة أشكاله والحِرف الفنية والتصميم، قالت لولوة الحمود: «الخط العربي بحد ذاته كفنّ لديه كل ما يحتاجه ليكون عملاً فنياً أو تصميمياً. فهو يتميز بالجمال والتناسق وبحاجة إلى المهارة. وأنا أعتقد أن فن الخط يجب أن يكون جزءاً من عملية تعليم الفنون والتصميم». وتظهر ملامح وبنية اللغة المكتوبة كعناصر في المحتوى الخاص بالفنانة لولوة الحمود، تقول: «أغلب أعمالي ليست كلاسيكية أو تقليدية. فاللغة لها معانٍ عديدة لا محدودة، وفي بعض الأحيان، يقودك تجريدك من اللغة المكتوبة إلى التركيز على جمال تركيبة جديدة لم تكن معتاداً عليها من قبل مما سيجعلك تشعر بالمعنى كما لو كنت تسمعه لأول مرة».
وسبق أن عَنونت لولوة الحمود أحد معارضها تحت اسم «أنطولوجيا» (ontology). وهو عبارة عن موضوع فلسفي رئيسي داخل الفلسفة الغربية التقليدية، وهو الفلسفة الأنطولوجيّة، وعن ارتباط هذا المفهوم بعملها الفني، تقول لولوة الحمود: «أنا مهتمة جداً بالفلسفة حيث إنني درست العلوم الاجتماعيّة والفلسفة، لكنني لا أنوي الاستغراق في الجانب الفلسفي أكثر من ذلك. إذ إنه عندما أُعرب عن مفهوم «الوجود»، فأنا أنظر إليه من منظوري الإيماني الخاصّ وهو توحيد الله».
كانت بداية لولوة الحمود عبر فن الخط، ولكنها تستخدم الآن الأشكال الهندسية في أعمالها الفنية، وعن تطور أعمالها على هذا النحو، قالت: «في نهاية المطاف، أنا فنانة، لذا أسمح لنفسي بحرية التعبير. حيث أعمد إلى استخدام الأساليب التي ترتكز على الحروف والأرقام حيث يعد كل حرف رمزاً. فعندما يتم بناء الحروف ككلمات، فإنّ هذه الحروف تشير إلى معنى ما. أما في أنظمة تصاميمي، فأنا أقوم بإنشاء رموز جديدة ذات معانٍ محددة ومقيدة، مما يبرز جمال هذه التراكيب».
ولا تخلو أعمال لولوة الحمود من منطق شرقيّ، حيث نرى المنطق البصري للماندالا ونشعر بدعوة للتأمل الروحيّ، وهو ما ينطبق أيضاً على الفن التجريدي الغربي الحديث، وهي تقول: «ستجدون روابط بالتأكيد ما بين الثقافات المختلفة. وأنا أعتقد بأن الفن الروحي يتميز بنفس الأساسيات، وعادة ما تكون مجردة. أما الفن التجريدي الغربي الحديث فهو يتوافق مع أفكار الفن الإسلامي ومبادئه. فكتاب كاندينسكي (Point and Line to Plane) على سبيل المثال، له نفس المبادئ التي نجدها في الهندسة الإسلامية؛ ومردّ الأمر إلى أن هذه الأفكار هي أفكار كونيّة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».