آمال رقيّق... سيدة من غزة تنتصر لحقوق النساء بمهنة النجارة

تملك منجرةً في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة  (الشرق الأوسط)  -  إحدى القطع الخشبية التي صنعتها  السيدة آمال
تملك منجرةً في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (الشرق الأوسط) - إحدى القطع الخشبية التي صنعتها السيدة آمال
TT

آمال رقيّق... سيدة من غزة تنتصر لحقوق النساء بمهنة النجارة

تملك منجرةً في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة  (الشرق الأوسط)  -  إحدى القطع الخشبية التي صنعتها  السيدة آمال
تملك منجرةً في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (الشرق الأوسط) - إحدى القطع الخشبية التي صنعتها السيدة آمال

داخل أزقة مخيم النصيرات العتيقة، الواقعة وسط قطاع غزة، يلفت نظر المارة، الخطوات الثابتة التي تسير بها السيدة الأربعينية آمال رقيّق نحو منجرتها التي تقع بقلب المخيم، حيث تجتهد هناك طوال ساعات النهار، في العمل على الآلات الكبيرة، التي تُنتج عبرها قطعاً خشبية مختلفة، تبيعها في الأسواق والمتاجر لتأمين قوت أبنائها.
وتقول في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»: «قليلات هنّ النساء في قطاع غزة، اللواتي يُقبلن على مثل هذه الأعمال الشاقة، والتي غالباً ما يصنفها الناس على أنّها مهن لا يقدر على الخوض بها، سوى الرجال»، مبيّنة أنّها تعي جيداً أنّ اتخاذها خطوة الإقبال على هذا العمل، منذ سنوات طويلة، كانت محط اعتراض واستغراب كثير من المواطنين الذين عبروا لها أكثر من مرّة عن اندهاشهم من علمها وقدراتها.
وتعرضت السيدة خلال رحلة حياتها لظروف قاسية، أجبرتها على أن تكون صلبة تتحمل مختلف الصعاب التي تحيط بها، وتروي أنّها في سنوات الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000. كانت في زيارة لأهلها الذين يقطنون مخيم النصيرات، وحينها لم تتمكن بسبب الإغلاق الإسرائيلي، من العودة إلى البيت الذي تسكنه برفقة زوجها في مدينة الرملة التي تقع بالداخل المحتل.
وتوضح أنّ زوجها تنصل من كلّ حقوقها التي كان يجب عليه الإيفاء بها، وامتنع عن إرسال المال لها ولابنته حتّى يتمكنا من تأمين متطلبات الحياة البسيطة، لا سيما أن أهلها من الناس البسطاء أصحاب الوضع الاقتصادي المحدود، مبيّنة أنّ ذلك الأمر دفعها لطلب الطلاق من زوجها واختارت أن تعيش برفقة ابنتها، وأن تسعى لأجل إسعادها بمختلف الطرق.
وخلال السنوات التي تلت طلاق السيدة، اتجهت أكثر من مرة للمؤسسات التي تهتم بتقديم منح المشاريع الريادية للنساء، وشاركت في أحد المرات بمشروعٍ منحها فرصة افتتاح منجرتها الخاصّة، وتذكر أنّها شاركت في عدد من الورش المهنية لكنّها وجدت أن النجارة والأخشاب هي الأقرب لشغفها، خاصة أنها كانت على مدار سنوات طويلة تحلم بدراسة تخصص الديكور.
وتلفت إلى أنّها تمكنت من إنتاج لوحات وقطع فنية خشبية مختلفة، تحمل إشارات متنوعة، لكنّها بمجملها تندرج تحت الغطاء الوطني، حيث إنها أنتجت مجسمات لخريطة فلسطين، ومفتاح العودة، وأخرى، متابعة أنّ «اتقانها الجيد ومعرفتها الدقيقة لتفاصيل ما تصنعه جعل منها مصدر ثقة للزبائن الذين اعتادوا على زيارتها لطلب ما يحتاجونه من قطعٍ مميزة».
فيما يتعلق بابنتها، تسرد آمال أنّها تبلغ الآن من العمر 20 عاماً، وتعاني من إعاقة ذهنية بسيطة، لكنّها ورغم ذلك تصر على دمجها في المجتمع بمختلف الوسائل، «لأنّها تؤمن أنّ الانتصار على الظروف والعوائق يجب أنّ يكون مغروساً في كلّ نفس امرأة فلسطينية، لأنّها بالأساس شريكة في كلّ تفاصيل الحياة التي تشمل النضال والتعب».
وعن رسالتها في اليوم العالمي للمرأة الذي يحتفل فيه العالم سنوياً اليوم، تشرح آمال رقيّق أنّها عملت خلال الفترة الماضية التي رافقت شغلها كنجارة، على تعزيز مفاهيم المرأة القوية والقادرة على انتزاع حقوقها من أي شخص يحاول التعدي عليها، منوهة بأنّها ستستمر بذلك كونها تعلم جيداً أنّ المحرك الأساسي لأي مجتمع هي المرأة، «التي لا يجب عليها الخضوع والاتكال أبداً».
والجدير ذكره أنّ الإحصائيات المحلية تشير إلى تراجع الواقع المعيشي والاجتماعي للنساء الفلسطينيات بغزة، وذلك لعدد من الأسباب أهمها الوضع الاجتماعي، الذي يفصل بين الرجل والمرأة في كثير من المناطق، إضافة لذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نتجت عن الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني الداخلي المستمر منذ أكثر من 13 عاماً.


مقالات ذات صلة

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)
شؤون إقليمية امرأتان تشربان الشاي في الهواء الطلق بمقهى شمال طهران (أ.ب)

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

ستتلقى النساء الإيرانيات اللاتي يقاومن ارتداء الحجاب، العلاجَ في عيادة متخصصة للصحة العقلية في طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا صورة من معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس للتعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات (أ.ف.ب)

معرض صور في باريس يلقي نظرة على حال الأفغانيات

يتيح معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس التعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات، ومعاينة يأسهن وما ندر من أفراحهنّ.

«الشرق الأوسط» (باريس)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».