«تارت زاخر» سحر الشوكولاته الذي تحوّل إلى كعكة

ملكة الحلوى النمساوية ووليدة الصدفة

«تارت زاخر» سحر الشوكولاته الذي تحوّل إلى كعكة
TT

«تارت زاخر» سحر الشوكولاته الذي تحوّل إلى كعكة

«تارت زاخر» سحر الشوكولاته الذي تحوّل إلى كعكة

ربما تعد واحدة من أشهر كعكات الشوكولاته في العالم اليوم. وهي من دون شك أشهر كعكات الشوكولاته في أوروبا. ويتميز «تارت زاخر Sacher Torte» أو «تورتة زاخر» بثراء من نوع خاص حتى أنك لا يمكنك العثور عليها إلا في مكان متفرد ومبدع وفاخر كمثل كل قضمة من قضماتها، وذلك في الفندق الذي يحمل نفس الاسم الشهير. ويقع هذا الفندق الفخم إلى جوار دار أوبرا فيينا، معبد الموسيقى الكلاسيكية الراقية، ومهد أفضل موسيقيي وملحني العالم أجمع.
لكن، هي ليست مجرد كعكة من الشوكولاته فحسب. بل إنها فرصة من الفرص النادرة كي تغمر نفسك وتمتع ذاتك في وصفة تتسم بالتقليدية والعراقة حتى أنه لم يطرأ عليها أي تغيير منذ عام 1800 وبقيت بنفس مستوى اللذة والطعم الرفيع مع توالي الطلبات المستمرة عليها اليوم كما كانت من قبل في الماضي.
وفي مقابلة أجرتها صحيفة «الشرق الأوسط» مع راينر هيلمان، المدير العام لفندق «Hotel Sacher Wien «في فيينا، وهو الرجل الأول المسؤول عن صناعة «تورتة زاخر»، يخبر قراء الصحيفة عن واحد من أفضل الأسرار المحفوظة في فيينا، كما يكشف لنا عن كيفية إعداد وصناعة «تورتة زاخر» الشهيرة، تلك التفاصيل البديعة التي لا يعرفها إلا القليل من الناس.
يقول هيلمان: «لدينا قصة تاريخية لطيفة ننسب الفضل إليها في نجاح (تورتة زاخر) الأصلية، وذلك أنه في يوم من أيام عام 1832 أراد بلاط الأمير كليمنس فون مترنيش في فيينا بالنمسا إعداد حلوى خاصة للضيوف المميزين الذين يزورون البلاط. وصودف أن الشيف الرئيسي في البلاط كان مريضاً في ذلك الوقت وكان يحل محله الطباخ المتدرب فرانز زاخر. وتمكن هذا الطباخ الشاب من صناعة كعكة فاقت إعجاب الجميع. وشهدت تلك الليلة الرائعة ميلاد تلك الكعكة الفريدة وبزوغ نجم المجد والشهرة لهذا الطباخ المتدرب الصغير».
وتعتبر هذه التورتة مميزة للغاية، حتى أن كل زائر من زوار فيينا تأتيه نصيحة من المرشد السياحي الخاص بالتوقف لبرهة من الزمن في مقهى فندق «Hotel Sacher Wien «الفاخر، المزدان بالكراسي الحمراء القانية واللمسات الذهبية الحانية. وتناول «تورتة زاخر» هي من الطقوس المعهودة هناك. فهي تملك مذاقاً فريداً من الشوكولاته الغنية مع مربى المشمش التي تصاحبها الكريمة البيضاء المخفوقة التي تمنح مزيجاً متناقضاً من النكهات المتنوعة التي تذوب في الفم ذوباناً ممتعاً. وتتكون التورتة من طبقتين كثيفتين من عجينة قليلة التحلية من الشوكولاته، وطبقة من مربى المشمش بينهما، وتغلف بطبقة مثلجة من الشوكولاته الداكنة، ويتم تقديمها مع قشطة الحليب، كما تحتوي على خاتم فندق «Hotel Sacher Wien «الفاخر في فيينا النمساوية. ثم بعد ذلك يأتي اكتشاف الكعكة المخبوزة بحرفية بالغة، مع نكهات رائعة للغاية. وطعم الشوكولاته الغنية ليس مفرطاً، ويمكن تناول الكعكة مع مشروب القهوة أو الشاي مما يقدمه المقهى للزوار.
إنها كعكة شهيرة جداً، بيد أن القليلين يعرفون مكوناتها السحرية التي تتألف منها التورتة النمساوية اللذيذة، على الرغم أنه من المعروف أنها تحتوي على أربعة مكونات واضحة فحسب: الزبدة، والطحين، والبيض، ومربى المشمش. يقول هيلمان مدير الفندق: «لم تتغير وصفة صناعة تورتة زاخر أبداً منذ عام 1832 تاريخ صناعتها الأول، وكانت تنتقل من جيل إلى آخر مع حفظها في مكان آمن داخل خزينة مؤمنة تماماً. واليوم، لا يعرف الوصفة الأصلية لها إلا أنا، وعائلة الشيف فرانز، ورئيس الطهاة في الفندق».
وبكل تأكيد، لن نعرف أبداً كافة المكونات، ولكن يكمن السر في الاستمتاع بها حتى وإن كانت أعيننا مغلقة. ويجري إعداد التورتة اللذيذة بصفة يومية، لما يزيد على قرن من الزمان، في منشآت زاخر الصناعية. وفي كل عام، يجري إعداد 360 ألف تورتة بالأسلوب اليدوي وبنفس الوصفة وبنفس الطريقة القديمة. ويتم توزيع ثلث هذا الرقم على الفنادق والمقاهي التابعة للشركة الأم، والثلث الثاني يُباع في المتاجر والمحلات ذات العلامة التجارية الشهيرة، أما الثلث الأخير فيتم توزيعه على مختلف أرجاء العالم.
ويمنحنا هيلمان بعض النصائح للاستمتاع بمذاق هذه التورتة بشكل أكثر ملائمة. فإن اختيار المشروب المناسب لمرافقة تناول هذه التورتة قد يكون من القرارات المحيرة للغاية نظراً للمجموعة الواسعة والمتنوعة من الشاي والقهوة التي تقدمها مختلف المحلات. وتماماً كما تتوقع في هذا الفندق الفاخر، فإن كل شيء رائع وجميل للغاية.
يتابع هيلمان قوله: «لا بد لتورتة زاخر الأصلية أن تترافق مع الكريمة المخفوقة الطازجة غير المحلاة. وبالطبع، فإنني أوصي بتناولها في مقهى زاخر الخاص بنا لأجل ذلك، حيث يسهل العثور على مزيج من أجود أنواع حبوب البن المحمص بعناية فائقة ووفقاً للتقاليد النمساوية العريقة. ونجلب حبوب البن لدينا من البرازيل، والهند، وكولومبيا، وهندوراس، والمكسيك».
ولعلني لا أبالغ حين أقول إن التورتة تجمع بين طياتها كل ما تعيه فيينا النمساوية للعالم من الفن الفاخر والثقافة الراقية. فإنها تورتة رائعة للغاية، وتقليدية بعمق، وساحرة في الوقت نفسه.
- قصة نجاح
كان افتتاح فندق «Hotel Sacher Wien» الفاخر في فيينا النمساوية على أيدي إدوارد نجل الطاهي الكبير فرانز زاخر في عام 1876. وكان إدوارد من المتعهدين بإمداد البلاط النمساوي بلوازم المؤن والطعام في ذلك الوقت. حتى الإمبراطورة إليزابيث إمبراطورة النمسا والمجر لم تكن تتحمل مقاومة تورتة فرانز زاخر! وطاف إدوارد زاخر مختلف العواصم الأوروبية، كما زار الولايات المتحدة الأميركية، ومنذ ذلك الحين، نالت تورتة زاخر الأصلية المزيد من المعرفة والشهرة على مستوى العالم. وبعد رحليه عن الدنيا، تمكنت أرملته سارة زاخر - التي كانت تعتبر من أبرع عباقرة التسويق بمعايير عالمنا المعاصر - من تحويل الفندق الراقي إلى نقطة التقاء الشخصيات المهمة والرفيعة في عالم الثقافة والاقتصاد والمجتمع. ووفقاً لما صدرت به أوامر المحكمة في فيينا لعام 1962. فإن التورتة المنتجة لدى منشآت زاخر هي التي تحمل العلامة التجارية «الأصلية». وكذلك أصبحت تورتة زاخر بوصفتها الأصلية قطعة لا تتجزأ أبداً من التاريخ النمساوي المعاصر.
زيارة فيينا، المعروفة بروعتها الثقافية والفنية وكونها العاصمة القديمة للإمبراطورية النمساوية المجرية، سوف تكون من ألطف هدايا النفس والروح، سيما إن توجت الزيارة بقطعة أو اثنتين من تورتة زاخر الرائعة أبداً.


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.