«الرياض الخضراء»... مشروع بيئي ينعكس جودة على حياة السكان

بدأت مرحلته الأولى بزراعة 31 ألف شجرة على امتداد 144 كيلومتراً

إضافة جمالية للمواقع داخل المدينة (موقع الرياض الخضراء)
إضافة جمالية للمواقع داخل المدينة (موقع الرياض الخضراء)
TT

«الرياض الخضراء»... مشروع بيئي ينعكس جودة على حياة السكان

إضافة جمالية للمواقع داخل المدينة (موقع الرياض الخضراء)
إضافة جمالية للمواقع داخل المدينة (موقع الرياض الخضراء)

تقع الرياض في وسط صحراء، يقل فيها الشجر والمواقع الخضراء، إلا أن الحكومة السعودية تعتزم تحويل العاصمة الكبرى بمساحتها وسكانها إلى عاصمة خضراء تمتلئ بالحدائق والأشجار، لتحمي البيئة وتحدّ من التلوث وتحسّن جودة الحياة في مدينة الرياض.
وتطبق السعودية ذلك في حملة لكل المدن السعودية، بيد أن الرياض تعد الأكثر حاجة إليها لموقعها في وسط صحراء نجد؛ ما جعلها تطلق مشروع «برنامج الرياض الخضراء»، أحد مشاريع الرياض الأربعة الكبرى، التي أطلقها الملك سلمان بن عبد العزيز، العام الماضي بمبادرة من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي.
ويؤكد مختصون في البيئة، أن للأشجار والغطاء النباتي دوراً بيئياً في الحد من المشاكل الناجمة عن التلوث البيئي من خلال خفض درجة الحرارة بمعدل يصل إلى 8 درجات مئوية مقارنة بالمناطق الخالية من الأشجار؛ مما يقلل استهلاك الطاقة في تبريد المباني، إضافة إلى خفض نسبة الأتربة والغبار بنحو 30 إلى 40 في المائة مقارنة بالمناطق الخالية من النباتات.
وبدأت أعمال مشاريع التشجير ضمن «برنامج الرياض الخضراء»، التي تشتمل في حزمتها الأولى من مشاريع التشجير، على زراعة نحو 31 ألف شجرة، وذلك على امتداد 144 كيلومتراً من الطرق الرئيسية في مدينة الرياض، من بينها: طريق الملك سلمان، وطريق الملك خالد، وطريق الملك فهد، وطريق المطار، وطريق مكة المكرمة، والطريق الدائرية الشمالية، والطريق الدائرية الشرقية، كما ستُزرع 100 ألف شجيرة لتبلغ مجموع المسطحات الخضراء على هذه الطرق نحو 1.4 مليون متر مربع، مع تكثيف التشجير في الجزر الوسطية والجانبية لهذه الطرق، وتنفيذ شبكات مياه للري باستخدام المياه المعالجة، وبكميات تصل إلى ثلاثة آلاف متر مكعب في اليوم.
وتتميز أنواع الأشجار التي ستُزرع في هذه الطرق بأنها من البيئة المحلية الملائمة لدرجة الحرارة في مدينة الرياض، من أبرزها أشجار السدر البلدي، والطلح النجدي والغاف الخليجي، وتتميز بتغطيتها مساحات كبيرة موفرة الظل المطلوب.
بدوره، يقول الدكتور عبد الرحمن الصقير، الأستاذ في قسم إنتاج النبات ووقايتها في جامعة القصيم، إن للأشجار الكثير من العوامل المفيدة في للمدن من ناحية الحد من التلوث، وتخفيض الحرارة وغيرها. مضيفاً في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن زيادة الظل ستؤدي إلى خفض درجات الحرارة، وأنه سيترتب عليها أشياء أخرى، مثل أنسنة المدن وزيادة الأكسجين في الجو، وتقليل الملوثات، وتشجيع الناس على الحركة والرياضة، وتحسين العوامل النفسية للسكان في المدن، إضافة إلى التنوع الحيوي للطيور والكائنات الحية التي تعيش على الأشجار، حيث ستنتعش في حال وجود أشجار.
وتابع الدكتور الصقير: إن «تخفيض درجات الحرارة سيؤدي إلى تخفيض استهلاك الطاقة، حيث ستنخفض الحاجة إلى استخدام الطاقة للمباني المحاطة بالأشجار».
ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، فإن الأشجار في المدن تساعد في التخفيف من بعض الآثار السلبية، موضحة أن هناك تسع طرق تساهم بها الأشجار والغابات في المدن بجعلها أكثر استدامة اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً، ومن ضمنها أنه يمكن للشجرة الناضجة أن تمتصّ ما يصل إلى 150 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ونتيجة لذلك؛ تلعب الأشجار دوراً مهماً في التخفيف من آثار تغير المناخ، وتحسين نوعيته خاصة في المدن، حيث ترتفع مستويات التلوث لتجعلها أماكن أفضل للعيش فيها. كما تضمّنت إسهامات الشجر والمناطق الخضراء، بأن التخطيط الاستراتيجي لمواقع الأشجار في المدن يمكن أن يساعد في تبريد الهواء بما بين 2 و8 درجات مئوية، إضافة إلى ذلك، تساعد الأشجار في الحد من انبعاثات الكربون من خلال المساعدة في الحفاظ على الطاقة، كما تظهر الأبحاث أن العيش على مقربة من المساحات الخضراء الحضرية والوصول إليها يمكن أن يحسن الصحة البدنية والعقلية، على سبيل المثال، عن طريق خفض ضغط الدم، والتوتر، وبدوره يساهم في رفاه المجتمعات، وفقاً للمنظمة.
إلى ذلك، يتضمن برنامج «الرياض الخضراء» تصميم وتنفيذ 48 حديقة كبرى في مدينة الرياض، بجانب تصميم وتنفيذ 3250 حديقة داخل الأحياء السكينة، وتشجير 2000 كيلومتر من الطرق الرئيسية في المدينة، و7600 كيلومتر من الشوارع الداخلية في الأحياء، وتشجير 5100 مسجد، و3900 مدرسة، و175 مستشفى، و1600 مبنى عام، و2000 ساحة مواقف سيارات، كما يتضمن البرنامج تشجير 272 كيلومتراً من الأودية في المدينة، و1100 كيلومتر من الأحزمة الخضراء ضمن خطوط المرافق العامة (أبراج الكهرباء وغيرها).
ويهدف البرنامج إلى رفع نصيب الفرد من المساحات الخضراء وزيادة نسبتها في المدينة والإسهام في خفض درجات الحرارة، وتحسين جودة الهواء، وخفض استهلاك الطاقة في المدينة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».