«الشيف التنفيذي»... سحرُ اللقب يناله مَن أراد

طهاة عصاميون يصنعون المجد في أهم الفنادق العالمية

جوردي روكا  -  الشيف حمودة طرمان
جوردي روكا - الشيف حمودة طرمان
TT

«الشيف التنفيذي»... سحرُ اللقب يناله مَن أراد

جوردي روكا  -  الشيف حمودة طرمان
جوردي روكا - الشيف حمودة طرمان

موقعٌ إداري حساس لا يتأتى بين يومٍ وليلة ولا بضربة حظ، يتطلب جهد سنوات طويلة لأجل أن يكون المرء جديراً بمهمة تتطلب معاملة خاصة مع الطعام والفريق على حدٍّ سواء.
«الطاهي التنفيذي» لقبٌ يزول سحره من دون كاريزما القائد التي إن غابت في إدارة معزوفة متكاملة يفقد العمل نكهته، فــ«العظام الطرية» لا تملأ مكاناً تسكنه التحديات ولا تصلح لوضع الأساس المتين وإضفاء اللمسة الخلاّقة؛ وإنما ينجح في حمل المسؤولية فقط صاحب شخصية عصامية لها اختياراتها وتطلعاتها في الحياة، وخير من يخبرنا عن ذلك شباب واعد أصبح لهم شأن في هذه المهنة.
- عذاب البدايات
تسلم حمودة طرمان منصب الشيف التنفيذي قبل ستة أشهر فقط، هناك (Verve Dubai) في مطعم ‏‎تنبعث منه روائح حلوة للبهارات المشكّلة تُرغم فضولك على استراق النظر إلى مصدرها؛ حيث طبق التونة مع الأفوكادو والفلفل الأخضر الحار والزنجبيل ينادي من بعيد، في حين تخطف حلوى الفراولة والريحان العين عندما تقع عليها.
هذا الشاب الأردني يبدو أنه قَدّر الفرصة التي سنحت له كما يجب؛ فتجده ما بين وقتٍ وآخر يُعطي دليلاً جديداً على أنه «الرجل المناسب في المكان المناسب».
أحب حمودة الطبخ منذ عمر السادسة، وعاش أياماً رائعة مع والده الراحل الذي كان موهوباً في الطهي؛ ذلك الطفل غنّى كثيراً لصباحات اصطحبه أبوه فيها إلى السوق لشراء اللحم ومن ثم تقطيعه وطهيه معاً، وتلك القريحة كانت محظوظة أيضاً بأمه السورية.
التحق الطاهي العصامي بالقسم الفندقي بعد الصف العاشر، لم يقاوم إصراره على تعلم الطبخ إلى درجة أنه في ذلك العمر الغض بعد انتهائه من المدرسة كان يسابق الريح للحاق بموعد العمل ويمكث فيه حتى ساعة متأخرة من الليل، مستمراً على حاله عاماً كاملاً لم يتقاضَ فيه قرشاً واحداً، وفي مرحلة الثانوية العامة ترك المدرسة بلا رجعة وقرر أن يصنع من نفسه الشخص الذي وصل إليه الآن، في حين تلقى تشجيعاً من عائلته التي وقفت إلى جانبه دائماً.
رحلة حمودة بدأت قبل 13 سنة؛ نعَم؛ سخت عليه الحياة بامتحاناتها، إلا أنها لم تسلبه قوته الواضحة في صوته؛ يستهلّ حديثه بالقول: «أول وظيفة حصل عليها كانت في أحد فنادق عمان، تذّوقت العذاب، كنت أجتهد في مساعدة كل الأقسام طيلة اليوم ولا أجد تقديراً من أرباب العمل، ثم أعود إلى بيتي يكاد يُغشى عليّ من التعب».
ويراعي وداد أصدقاء قدموا له معروفاً ذات يوم؛ إذ ما زال ممتناً لزميله محمد أبو خضرة الذي ساعده في الانتقال إلى فندق «حمّامات مَعين»، ويتحدث عن تلك المرحلة بوفاء: «كنت قلقاً بعض الشيء لانتقالي من فندق أربعة نجوم لآخر خمسة نجوم، إلى أن مر الشيف محمد فاروق في حياتي؛ تأثرتُ به رغم قصر المدة التي عايشته فيها، كان سبباً في أن أثق بنفسي كما يجب، وتعلمت منه أن الإرادة تكفي لتحقيق ما نطمح إليه، ثم مضى وقت لا بأس به قبل أن أكتب أول سطر في قصتي».
حزمَ الشاب المكافح أمتعته متجهاً نحو سلطنة عُمان ليبدأ عهداً مختلفا تماماً عن كل ما اختبره في السابق؛ يقول: «عملت في مطعم رفيع المستوى، شعرت حقاً أنها مرحلة جديدة على صعيد المكونات وطبيعة العمل وتحدياته، كان فريقاً يتكون من جنسيات عدة ولم يكن أي منهم يتحدث العربية ويا للأسف أني وقتها لم أكن مجيداً للغة الإنجليزية لولا أن زميلاً مغربياً كان يسعفني عبر ترجمة ما يُقال، في غربة كهذه أعترف بأني بقيتُ متوتراً حد البكاء أحياناً».
«لا بد أن بصيص النور سيظهر»، هكذا كان يواسي نفسه، وصدقَ تفاؤله حين التقى طاهياً بريطانياً اسمه جيمس؛ والذي دعم الشغف الذي بداخله وآزره في التغلب على مخاوفه باكتساب المهارات اللازمة والثقة بالنفس، مضيفاً: «تحسن أدائي أكثر عندما تعرفّت إلى شيف تنفيذي (كندي) اسمه رون. أدهشني احترافه ومتابعته للتعلم بالاطلاع على كل ما يستجد في عالم الطهي، هذا الرجل اكتشف الطاهي المميز في أعماقي وساعدني على وضع بصمتي في كل طبقٍ أحضره، عملنا معاً لعامين واكتسبت بفضله خبرة اتكأت عليها في شق طريقي لاحقاً».
- العقل صاحب الكلمة
«Folly by Nick and Scott»، وأخيراً حدث ما أراده حمودة طرمان؛ بتلقيه عرضاً مغرياً في مطعم أوروبي في مدينة دبي؛ عمل فيه لثلاث سنوات كانت من أحلى سنوات العمر وأصعبها، حسب وصفه، وصل الليل بالنهار مع مؤسسي المطعم وكانت الثمرة أن نال المطعم شرف تصنيف «الأفضل» في الشرق الأوسط على مستوى الأطباق الأوروبية لعام 2017 وحاز «ثاني أفضل مطعم» لعام 2018.
ذلك النجاح فتح ذراعيه فجلبَ آخر لحمودة بتوليه منصب كبير الطهاة في فندق «غراند بلازا موفنبيك» الذي اُفتتح العام الماضي في دبي، مبدياً فخره بصنع شخصية للمطعم التابع للفندق وتقديم الطعام الأوروبي الكلاسيكي؛ وهذا لا يمنع أنه مولعٌ بطهي الأطباق العربية والعزف عليها بتكنيك عصري غربي لا يخلو من لمسة خاصة ليجذب بتوليفته الزبون الأوروبي على وجه الخصوص.
«لن أتوانى عن الحفر في الصخر حتى أصقل خبرتي أكثر؛ هذه المهنة أذاقتني المر والحلو والحامض والمالح، وفي مقابل ذلك العرَق أكرمني ربي بتوفيقه؛ فالحمد لله رب العالمين» يقول حمودة لـ«الشرق الأوسط».
وتتراءى صراحته عندما يفضي بالقول: «لا أنكر أن الخوف تسلل إلى قلبي عند إبلاغي بخبر الترقية، ما كان يطمئنني قليلاً أني خضت تجربة ليست بسيطة بالعمل تحت إشراف طهاة أجانب، وبالتالي ارتقت حياتي المهنية بمعدل 180 درجة».
يتجاوز «الشيف التنفيذي» حديث العهد رهبة المرحلة بانفتاح أكبر على التعلم، فقد بات جريئاً في إضفاء أسلوبه على الأطباق بعد أن كان يقدم ساقاً ويؤخر الأخرى، تبعاً لكلامه؛ مشيراً إلى أن موقعه يفرض عليه العمل بعقله أكثر من يده، ناهيك بالإمساك بزمام شؤون الإدارة التي لم يكن مُلمّاً بها من قبل.
«عمل الشيف التنفيذي، ما أهم متطلباته؟»... يجيب حمودة عن سؤالي: «المكلف بهذا الموقع الحساس لن ينجح من دون ضبط الأعصاب والتفهم والتعاون مع فريقه؛ ولا بد من حدس متيقظ لالتقاط الطهاة الجدد الذين ينتظرون اكتشاف مَلكتهم، أحاول أن أتذكر في كل لحظة قصص الطهاة المزدهرين ذات النهاية الواحدة ومفادها أن الشخصية القوية والمرنة لطاهٍ محترف ومبتكر ويقود بذكاء ويطمح للأفضل ستهيأ له فرصاً ربما لم يحلم بها».
«على ذِكر الفريق، كيف تتعامل مع (جيشك)؟»... ضحكته تسبق كلامه هنا: «روح الفريق تعني أننا يد واحدة، أنا وفريقي يكمل بعضنا بعضاً، وهذا الميزان لا يمكن أن ترجح فيه كفة على أختها؛ اتفقت معهم منذ البداية على أننا علينا السير وفق معزوفة متناغمة تضمن أعلى جودة لإرضاء الزبون، أثق بقدراتهم وأبث فيهم التشجيع بحكم ما عانيته سابقاً، وأقول لهم دائماً: «لا تستسلموا... انهضوا بعد كل وقوع ولن يُضيع الله تعبكم»؛ أحب أن نتشارك الأفكار حتى لا يشعروا بأنهم مجرد موظفين يؤدون واجبهم وحسب؛ وأعطي بصحبتهم لكل وقت حقه ما بين مرح وجد».
ومن المسؤوليات الملقاة على عاتقه ويفعلها من قلبه؛ تجوله بين الضيوف ليستشفّ انطباعاتهم عن قرب ويتأكد من مستوى الخدمة، مما يخلق أجواء من الود والمرح والثقة؛ حسب قوله.


مقالات ذات صلة

«الوحوش»... مطعم بريطاني يسعّر البيتزا بالأناناس بـأكثر من 100 دولار

يوميات الشرق «اليونيسكو» أدرجت عام 2017 فن إعداد بيتزا نابولي في قائمة التراث غير المادي للبشرية (رويترز)

«الوحوش»... مطعم بريطاني يسعّر البيتزا بالأناناس بـأكثر من 100 دولار

شنّ مطعم بريطاني حملة جديدة ضد البيتزا بالأناناس، إذ رغم إدراجه إياها في قائمة طعامه، حدد سعراً باهظاً لها هو 100 جنيه إسترليني (أكثر من 123.5 دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك رجل يعاني من زيادة في الوزن (رويترز)

لقاح لمكافحة زيادة الوزن قد يصبح واقعاً... ما القصة؟

اكتشف الباحثون في جامعة كولورادو بولدر الأميركية الآليات اللازمة لإنتاج لقاح رائد يمكن أن يساعد الناس في الحفاظ على وزنهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك امرأة تشتري الخضراوات في إحدى الأسواق في هانوي بفيتنام (إ.ب.أ)

نظام غذائي يحسّن الذاكرة ويقلل خطر الإصابة بالخرف

أصبحت فوائد اتباع النظام الغذائي المتوسطي معروفة جيداً، وتضيف دراسة جديدة أدلة أساسية على أن تناول الطعام الطازج وزيت الزيتون يدعم صحة الدماغ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك خبراء يحذرون بأن الناس غالباً ما يختارون جودة الطعام على الكمية وهو ما قد لا يكون كافياً من الناحية التغذوية (رويترز)

دراسة: «الهوس بالأطعمة الصحية» قد يسبب اضطرابات الأكل والأمراض العقلية

حذر خبراء بأن «الهوس بالأكل الصحي» قد يؤدي إلى الإدمان واضطرابات الأكل.

«الشرق الأوسط» (بودابست)
يوميات الشرق ألمانيا تشهد بيع أكثر من مليار شطيرة «دونر كباب» كل عام مما يجعل الوجبات السريعة أكثر شعبية من تلك المحلية (رويترز)

«الدونر الكباب» يشعل حرباً بين تركيا وألمانيا... ما القصة؟

قد تؤدي محاولة تركيا تأمين الحماية القانونية للشاورما الأصلية إلى التأثير على مستقبل الوجبات السريعة المفضلة في ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة- برلين)

المطبخ العراقي على لسان السفراء الأجانب

الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)
الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)
TT

المطبخ العراقي على لسان السفراء الأجانب

الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)
الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)

في مقطع فيديو ظهر السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتش الذي يجيد ليس اللغة العربية فقط، بل اللهجة المحلية العراقية ظهر مع وزيرة الداخلية البريطانية إيفت كوبر في شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية بغداد. وشارع المتنبي الذي تعرض للتفجير عام 2006 أيام الحرب الأهلية في العراق أعيد بناؤه بمبادرة من الرئيس العراقي السابق برهم صالح أيام كان نائباً لرئيس الوزراء العراقي عام 2006 بحيث بدا في حلة جديدة تماماً، يجمع بين بيع الكتب وكل أنواع لوازم الثقافة والكتابة، بما في ذلك انتشار عدد من دور النشر والتوزيع فيه إلى انتشار المطاعم والكافيهات والمقاهي وأشهرها المقهى المعروف بمقهى «الشابندر». وهذا الشارع غالباً ما يكون من بين أحد محطات الزوار العرب والأجانب الذي يقومون بزيارات رسمية أو سياحية إلى العراق. ومع أن وسائل الإعلام العراقية تولي أهمية خاصة لهذا الشارع كل يوم جمعة، حيث يزدحم بالزوار والمتبضعين، وذلك للقيام بقصص إخبارية عنه بما في ذلك الفعاليات الثقافية والفنية التي تقام فيه، لكن ما يقوم به بعض السفراء الأجانب لدى العراق ومنهم السفير البريطاني يعد أمراً لافتاً جداً ولا ينافسه في ذلك سوى السفير الياباني الذي غالباً ما يرتدي في بعض المناسبات الشماغ، والعقال العراقي.

ومع كل ما يمكن أن تمثله مظاهر الحياة في العراق بوصفها مادة لوسائل الإعلام وبخاصة العربية والعالمية، لكن غالباً ما يكون المطبخ العراقي هو القاسم المشترك في علاقة السفراء الأجانب في العراق.

دولمة عراقية (أدوبي ستوك)

«لبلبي» في شارع المتنبي

وبالتزامن مع ظهور السفير الياباني لدى العراق فوتوشو ماتسوتو مؤخراً وهو يؤدي النشيد الوطني العراقي مرتدياً الشماغ العراقي كان السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتش يصطحب وزيرة الداخلية البريطانية إيفت كوبر التي كانت تقوم بزيارة إلى العراق في شارع المتنبي. الوزيرة البريطانية التي كانت تتجول مع السفير بكل حرية في هذا الشارع عبرت عن إعجابها بأكلة شعبية عراقية هي «اللبلبي» وهو الحمص المسلوق بالماء الحار مع إضافة بعض البهارات إليه، مما يعطيه نكهة خاصة. وبعد تناولها هذه الأكلة الشتوية في هذا الشارع العريق عبرت عن حبها لباقي الأكلات العراقية دون أن تشير إليها قبل أن يطلب منها السفير الدخول إلى أحد أشهر المقاهي البغدادية في شارع المتنبي وهو «مقهى الشابندر» لتناول الشاي العراقي المعروف بمذاقه الخاص. ومن الشاي إلى باقي الأكلات التي يشتهر بها المطبخ العراقي مثل أنواع الحلويات التي تشتهر بها بغداد ومحافظات إقليم كردستان، لا سيما ما يعرف بـ«المن والسلوى»، وهو من بين أشهر الحلويات التي كثيراً ما تكون مادة دسمة في التقارير الإخبارية التلفزيونية، فضلاً عن أنواع أخرى من الحلويات وتعرف بـ«الدهين»، التي تشتهر بها كل من مدينتي النجف وكربلاء، وغالباً ما تكون هذه الحلويات من بين أبرز ما يأتي الزوار لتناوله في هاتين المدينتين.

الكبة على الطريقة العراقية (أدوبي ستوك)

«دهين» جينين بلاسخارت

غير أن من أبرز زوار هاتين المدينتين من الزوار الأجانب ممن يترددون عليهما بكثرة للقاء كبار المراجع ورجال الدين هي السفيرة السابقة لبعثة الأمم المتحدة لدى العراق «يونامي» جينين بلاسخارت التي انتهت مهمتها في العراق قبل شهور. ومع أن السفيرة الأميركية إلينا رومانسكي انتهت مدتها في العراق مؤخراً فإنها عبرت عن حبها لنمط آخر من الأكلات العراقية وهي من صلب المطبخ العراقي وهما «الدولما والسمك المسكوف». الممثلة الأممية بلاسخارت كان يطلق عليه لقب «الحجية»، كونها كانت ترتدي أحياناً غطاء الرأس، خصوصاً عندما تلتقي بعض كبار رجال الدين في البلاد. وكونها كانت كثيرة التحرك والسفر بين المحافظات فمن بين المدن التي تتحرك فيها كثيراً مدينتا النجف وكربلاء، وهو ما جعلها شديدة الإعجاب بأكلة «الدهينة».

رومانسكي أعلنت أنها سوف تتذكر من بين ما تتذكره عن العراق أكلتي «السمك المسكوف» و«الدولما» وهما من أشهر أكلات المطبخ العراقي.