مونيكا بيلوتشي على المسرح لأول مرة في دور ماريا كالاس

بمناسبة صدور رسائل ومذكرات مغنية الأوبرا اليونانية الشهيرة

وجهان وفنانتان
وجهان وفنانتان
TT

مونيكا بيلوتشي على المسرح لأول مرة في دور ماريا كالاس

وجهان وفنانتان
وجهان وفنانتان

بقدر ما كان صوتها عظيماً، بقدر ما قيلت عنها أكاذيب كبيرة. لهذا حرصت مغنية الأوبرا الأميركية المولد ماريا كالاس على أن تكتب يومياتها بنفسها وتصحّح ما نسب لها زوراً وادعاءات. وبمناسبة صدور الطبعة الفرنسية من مذكراتها عن منشورات «ألبان ميشيل»، وجه المنتج ومدير صالة «مارينيي» في باريس الدعوة للممثلة مونيكا بيلوتشي لأداء مسرحية مستوحاة من سيرة كالاس كما سجلتها بقلمها. إنها المرة الأولى التي تقف فيها الحسناء الإيطالية على الخشبة، منفردة، لتقدم قراءات تتقمص فيها صوت المغنية اليونانية الأصل التي تمتعت بحنجرة خرافية وحققت شهرة عالمية في ميدان الغناء الأوبرالي.
تروي كالاس وقائع طفولتها الفقيرة في نيويورك، حيث ولدت في حي مانهاتن عام 1923. وهي كانت مراهقة حين عادت مع والدتها إلى أثينا لكي تعيشا حياة أفضل لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية عرقل آمالها. انتبهت أمها إلى موهبتها في الغناء وشجعتها على أن تبدأ خطواتها الخجولة في دنيا الأداء الأوبرالي. وهو الدرب الذي أوصلها، خلال سنوات من التمرين الدؤوب، إلى قمة هذا الفن. وبموازاة تفوقها الفني، مرّت المغنية البدينة والقليلة الحظ من الجمال بتجارب عاطفية محبطة وسلسلة من الفضائح، لا سيما حين تطلقت من زوجها الذي كان بمثابة أبيها ومدير أعمالها لترتبط بحب عاصف مع مواطنها الثري أوناسيس، صاحب أساطيل النقل البحري. وقد نقلها الغرام من حال إلى حال، ففقدت الكثير من وزنها واكتسبت ألقاً منحها الجمال المنشود. لكن حبيبها خذلها حين تركها ليقترن بجاكلين كنيدي، أرملة الرئيس الأميركي الأسبق.
كانت تغني للحب وتعيش فصوله السعيدة والجارحة. وحدث أن فقدت صوتها على حين غفلة وكادت أن تفقد عقلها. لكنّها تماسكت وحافظت على مكانتها التي جعلت جمهورها يضيف أل التعريف لاسمها «لا كالاس» لأنها الوحيدة والفذة في إبداعها وصاحبة أبرز صوت أوبرالي في القرن العشرين. انعزلت المغنية في باريس خلال سنواتها الأخيرة وكانت قليلة الظهور لكنّها لم تتوقف عن التّمارين والعمل حتى آخر يوم في حياتها. رحلت وهي في سن 53 عاماً. هل تستطيع بيلوتشي أن تتلبس شخصية كالاس؟
بدأت الممثلة مهنتها السينمائية، أوائل تسعينات القرن الماضي، معتمدة على مواصفاتها الجمالية. وسرعان ما وجد فيها المخرجون حلقة جديدة من سلسلة الحسناوات الإيطاليات اللواتي رفدن السينما العالمية بوجوه مثيرة ولكنات محببة. لكن مونيكا لم تكن تملك موهبة صوفيا لورين ولا سخونة جينا لولوبريجيدا وحيوية كلوديا كاردينالي. مع هذا وجدت طريقها إلى أفلام مخرجين أميركيين وفرنسيين وظهرت في فيلم من سلسلة جيمس بوند. ورغم فوزها، عدة مرات، بلقب «أجمل امرأة في العالم» فقد سعت لأن تخرج من هذا الإطار وتنال أدواراً صعبة، حتى بعد أن غادرت الفئة العمرية التي تتيح لها تقديم أدوار العاشقة الشابة.
في الخريف الماضي وقع اختيار المخرج توم وولف على بيلوتشي لكي تجسد ماريا كالاس. وهو معروف كمؤلف كبير متخصّص في سير حياة مغنيات الأوبرا، أكثر من شهرته كمخرج. كما يعود له الفضل في إنشاء منحة خاصة للحفاظ على الأرشيف الشّخصي لـ«الديفا» الرّاحلة. واشتغل عدة سنوات لتجميع رسائلها وقصّاصات أوراقها ويومياتها، وسبق له أن أخرج فيلما تسجيلياً بعنوان «ماريا بقلم كالاس». وكان من المتوقع أن يستمر العرض لأسابيع قلائل. لكن المسرحية ما زالت تعرض بنجاح وتجد جمهوراً يحجز أماكنه لأشهر مقبلة. وهناك من المتفرجين من يبتهج من النشوة حين يستمع إلى ما كتبته المغنية عن سحر الموسيقى عليها، ثم تدمع عيناه وهو يتعرف إلى رسالة بعثت بها إلى حبيب عمرها أوناسيس.
تبلغ بيلوتشي من العمر 55 عاماً. أي أنّها أكبر بقليل من كالاس عند رحيلها. لكن يخيل لمن يراها على المسرح أنّه يشاهد المغنية الرّاحلة. وهي قد ارتدت خلال العرض فستانين من البدلات الشّخصية للمغنية ولم تجد خبيرة الملابس حاجة لإجراء أي تحوير فيهما. وقبل العرض صرحت الممثلة بأنّها لا تزعم التماهي مع أسطورة كالاس لكنّها تحاول، فحسب، استعارة كلماتها المكتوبة في رسائلها. وأضافت أنّها لم تقف على المسرح من قبل، لذلك فإنّها تشعر بالتّهيب، مثل كل المبتدئين والمبتدئات وتحاول أن تتجاوز خوفها. وقد ساعدها تشجيع المخرج الذي منحها الفرصة للقفز من الشاشة إلى الخشبة.
ماذا عن الفروقات في ملامح الوجه بينها وبين كالاس؟ هل كان على خبير الماكياج أن يقوم بعمل صعب للتقريب بينهما؟ في مقابلة معها قالت مونيكا إنّها مرّت بمواقف كانت تتمنى فيها تحطيم نعمة الجمال الممنوحة لها. لهذا فإنّ الطبيعة تمنح إطارات تسمح بإبراز الجمال أو تشويهه، وتخلق الفضول حوله أو العنف. وقد عرفت كالاس ذلك العنف حين استعادت رشاقتها وتعلمت كيف تبرز مواطن جمالها. إنّها الفترة التي خرجت فيها من شرنقة الأوبرا لتمسّ العالم كله وترسل صوتها إلى كل بيت. كان الجمهور ينتظرها مثلما ينتظر الشّباب حفلات فريق «الرولينغ ستونز». وحين تحوّل الفنان إلى أيقونة فإن ذلك يستدعي العنف. ولدى أقل هفوة تنفلت ردود الفعل السلبية من عقالها لأنّ المعجبين يريدون الفنان نموذجاً مثالياً خالياً من كل الشّوائب.
تلفت مونيكا النّظر إلى أنّ كالاس كانت امرأة متحررة سبقت عصرها. فهي تجرأت وطلبت الطلاق في روما من زوجها رجل الأعمال جيوفاني باتيستا مينغيني أواخر الخمسينات، أي في وقت كانت النّظرة إلى الطّلاق سلبية ومعيبة في إيطاليا. تقول عنها: «لقد أرادت أن تكون حرّة في زمن لا يتسامح مع حرية المرأة. وهو يختلف عن زمننا الحالي الذي زالت فيه هالة التقديس عن رؤوس النجوم. فأنا اليوم أتسوق حاجيات بيتي بنفسي وأرافق أطفالي إلى المدارس من دون أن تصادفني المضايقات. أظن أنّ زمننا أكثر إنسانية وتفهماً لمهنة الفنان».
تصوّرت مونيكا، في البداية، أنّ رسائل ماريا كالاس هي مجرد مشاعر عاطفية من التي يسطّرها العشاق. لكنّها فوجئت بثقافة المغنية ووجدتها الدّليل على نشوئها في وسط متواضع. فعندما لا يملك المرء شيئا فإنّه يتمسّك بالتّعليم المتاح له وكأنّه خشبة الإنقاذ من الفقر. ومنذ طفولتها لم تتوقف كالاس عن العمل ولم تكن تعيش مثل بقية الفتيات. لقد كرّست حياتها للغناء ولعائلتها، وكانت تنفق ما تكسبه على إشباع احتياجات أسرتها وطلبات أفرادها. إنّها تعيلهم جميعاً. ثم حدث ما قلب حياتها رأساً على عقب. لقد التقت برجل بالغ الثراء ويملك أضعاف ما تملك. لكنّ نقوده لم تكن ما يهمها بل كونه أول رجل جعلها تشعر بأنّها امرأة. وهي قد دفعت ثمن حبّها لأوناسيس غالياً. تقول بيلوتشي: «في عمري هذا كانت كالاس قد ماتت».


مقالات ذات صلة

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

يوميات الشرق أبطال أحد العروض المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح الكوميدي في بنغازي (وال)

بنغازي الليبية تبحث عن الضحكة الغائبة منذ 12 عاماً

بعد انقطاع 12 عاماً، عادت مدينة بنغازي (شرق ليبيا) للبحث عن الضحكة، عبر احتضان دورة جديدة من مهرجان المسرح الكوميدي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.