لبنى عبد العزيز: عبد الحليم حافظ تحدى الجميع لأشارك في «الوسادة الخالية»

أثناء تكريم لبنى عبد العزيز في قصر السينما مساء أول من أمس
أثناء تكريم لبنى عبد العزيز في قصر السينما مساء أول من أمس
TT

لبنى عبد العزيز: عبد الحليم حافظ تحدى الجميع لأشارك في «الوسادة الخالية»

أثناء تكريم لبنى عبد العزيز في قصر السينما مساء أول من أمس
أثناء تكريم لبنى عبد العزيز في قصر السينما مساء أول من أمس

قالت الفنانة المصرية لبنى عبد العزيز، إن الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، تحدى الجميع لكي أشارك معه في فيلم «الوسادة الخالية»، بعدما عرضت علي أفلام أخرى لتقديمها في الوقت نفسه، وأكدت أن عدداً من الفنانات المصريات يداومن على الاتصال بها، والسؤال عنها، وأوضحت خلال حفل تكريمها بقصر السينما (وسط القاهرة) مساء أول من أمس، أنها لا تعاني من الفراغ، مشيرة إلى أنها مشغولة طوال الوقت، وأنها لم تعتزل الفن حتى الآن وتنتظر دوراً جيداً يعيدها إلى السينما.
وحصلت لبنى عبد العزيز، خلال الندوة التي أدارها الفنان تامر عبد المنعم، مدير قصر السينما، وشارك فيها الإعلامي مفيد فوزي، والفنانة ميريت الحريري، على تكريم من الهيئة العامة لقصور الثقافة، ومؤسسة روز اليوسف الصحافية، و«جمعية أبناء فناني مصر».
في بداية اللقاء تحدثت «عروس النيل»، كما يلقبها البعض، عن بداياتها الفنية، وقالت: «من أجل السينما، اعتزلت العمل الإذاعي، واكتفيت ببرنامج (ركن الطفل) المسمى (أنت لولو) لارتباطي بشكل شخصي بالأطفال، لكن عندما سافرت لأميركا كان هناك اتفاق مسبق بيني وبين زوجي على استكمال عملي بالفن، ولكنه تراجع عن هذا الاتفاق بعد الزواج، وطلب مني ترك العمل في الفن، وبالفعل فضلت تكوين الأسرة على الفن وقتها، لذلك فأنا أصف نفسي دائماً بأنني فنانة غير عامله بالفن».
ونفت الفنانة لبنى عبد العزيز، بعد التصريحات المنسوبة إليها والتي ادعت أنها حزينة من عدم سؤال أحد عليها من الوسط الفني، الكلام الذي نسب لها بأن حزينة وأنه لا أحد يسأل عنها بالوسط الفني. وعن علاقاتها ببعض الفنانات المصريات قالت: «أحب الفنانة ميرفت أمين، كما أن الفنانتين دلال عبد العزيز، وإلهام شاهين تتواصلان معي باستمرار، وتجمعني صداقة قوية بالفنانة شويكار، ولكنني بالنهاية لا أسهر مع أحد، ولم يكن لي شلة ليلية، ولا أحب المهرجانات والحفلات فأنا شخصية بيتوتية».
وتحدثت لبنى عبد العزيز عن أهم الشخصيات التي عملت معهم خلال مشوارها الفني، وفي مقدمتهم الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس قائلة: «هو آخر من ودعني قبل سفري، وأول شخص طلب مني التمثيل، وكتب لي فيلم (أنا حرة)». وتذكر لبنى الخلاف الذي وقع بين الفنان عبد الحليم حافظ وبين عبد القدوس بسببها، وتقول: «عبد الحليم طلب مني العمل معه أولاً في فيلم (الوسادة الخالية)، بينما طلب مني عبد القدوس تمثيل فيلم (أنا حرة) أولاً، لكن عبد الحليم تحدى الجميع وكسب الرهان».
وعن تعاونها مع الكاتب الساخر الراحل محمود السعدني، قالت: «أنا محظوظة لأنني تعاملت معه، لأنه خفيف الظل، وأسلوبه في الكتابة كان فريداً»، ورأت أن «صلاح أبو سيف مخرج مميز، لكنه لم يأخذ حقه جيداً لأنه لا يجيد الدعاية لنفسه».
وأكدت أن المخرج الراحل فطين عبد الوهاب، «اكتشف فيها الحس الكوميدي، وقدمها بشكل مختلف في فيلم «آه من حواء»، بينما وصفت كمال الشيخ بأنه «عبقري»، وقالت إن الفنان عبد الله غيث، الذي شاركته فيلم «أدهم الشرقاوي» بسبب إعجابي بموهبته الكبيرة، كان فناناً رائعاً، ولفتت: «قدمت الدور لمساندته في السينما في بداية حياته بعدما رفضت فنانات كبار العمل معه في بداية مشواره الفني».
وعن أشهر أفلامها «عروس النيل» روت لبني عبد العزيز كواليس الفيلم، قائلة: «أنا صاحبة فكرة الفيلم، لا سيما أنا أحب تاريخ القدماء المصريين جداً».
وأضافت أنها وفريق العمل تعرضوا لما يسمى بـ«لعنة الفراعنة» أثناء تصوير الفيلم، في ستينيات القرن الماضي، فبعد تأجير الأستوديو، وبناء الديكور دخلت المستشفى وظلت بها لمدة شهرين، مما مثل خسائر مالية كبيرة للمنتج الذي طلب من الطبيب المعالج استكمال التصوير تحت إشرافه بالاستديو، وتم وضع سرير لعلاجها بجوار الكاميرا في البلاتوه، لكن بعد فترة صدمها كرين في رأسها، ثم تعرضت لإصابة في قدمها من مسمار حديدي، بالإضافة إلى حوادث أخرى أصابت عدداً من فريق العمل، لدرجة جعلتنا نصدق لعنة الفراعنة، بحسب الفنانة لبنى عبد العزيز.
وقدمت الفنانة ميريت عمر الحريري أمين عام «جمعية أبناء فناني مصر»، الشكر للفنانة الكبيرة على الدعم المعنوي والإنساني الذي قدمته لوالدها ووصفتها بالفنانة «العِشَرية»، قائلة: «تتسم بدرجة كبيرة من الإنسانية، وكانت صديقة مقربة من والدي الفنان عمر الحريري، وخصوصاً بعد عودتها من أميركا وتقديم مسرحية (سكر هانم) سوياً، وبعد انتهاء العرض تعرض والدي لتعب شديد وظل بالمستشفى لمدة أسبوع، ولم تفارقه لبنى عبد العزيز مطلقاً حتى وفاته».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)