ميشلان... الطهاة ولعبة النجوم

الحصول عليها صعب والإحتفاظ بها أصعب

ميشلان... الطهاة ولعبة النجوم
TT

ميشلان... الطهاة ولعبة النجوم

ميشلان... الطهاة ولعبة النجوم

لا تنشر مؤسسة ميشلان معايير معينة للحصول على نجومها في عالم الفنادق والمطاعم. ولكنّ مفتشيها يبحثون في كافة الجوانب المتعلقة بخدمة زبائن المطاعم، وليس فقط نوعية الطعام فيه. ويؤخذ في الاعتبار فترة الانتظار للجلوس على طاولة، وحسن استقبال طاقم الخدمة بالإضافة إلى نوعية الطعام ومدى الابتكار في تقديمه. ويؤخذ كذلك في الاعتبار المناخ العام للمطعم.
ومثلما هو الحال في كافة المهن الأخرى، فإن الشيف الماهر الذي يسعى للحصول على نجمة ميشلان عليه أن يهتم بالتفاصيل في كل جوانب المطعم وليس فقط في الطعام. ورغم أهمية الطعام في الأساس فإن ما يهم مفتشي ميشلان هي تجربة تناول الطعام في مطعم معين وهل تستحق تقدير ميشلان أم لا.
وفي عالم الطهاة تعتبر نجمة ميشلان بمثابة الوسام على صدر من يحصل عليها. وتمنح ميشلان هذه النجوم منذ بداية القرن العشرين. وعلى الرغم من أن الشركة في الأساس هي شركة إطارات فرنسية، فإن بداية التوجه إلى تقييم المطاعم والفنادق في دليلها السنوي كان لتشجيع القيادة وإرشاد السائقين إلى مواقع مميزة. وفي الماضي كانت العائلات تذهب في عطلات إلى مواقع قريبة من ترشيحات ميشلان لكي تستمتع بوجبات وإقامة من الطراز الأول.
ولم تعد الخبرة وحدها كافية لتحقيق أعلى مستويات الإتقان في عالم المطاعم، فالتعليم له أيضا فوائد أساسية للارتقاء إلى مستوى نجوم ميشلان. وفي المعاهد المتخصصة يتعلم الطاهي المبتدئ أساليب الطبخ المختلفة لتحقيق أفضل النتائج وكيفية تفاعل المكونات الداخلة في الأكلات المختلفة. وبعد فترة التعليم يبدأ الشيف في إجراء اختباراته على أساليب الطبخ من أجل التوصل إلى الأسلوب الخاص به.
وأفضل وسيلة لجذب إعجاب مفتشي ميشلان هو تقديم وجبات فريدة من نوعها لا يمكن الحصول عليها في أي مطعم آخر. وتعود نجوم ميشلان إلى المطعم وليس إلى الأفراد، حيث الوجبات يمكن أن يكون قد شارك في إعدادها فريق كامل من الطهاة.
وكما تكتسب المطاعم نجوم ميشلان يمكنها أيضا أن تفقدها. ويتم تجديد دليل ميشلان سنويا وتسقط منه المطاعم التي تغلق أبوابها خلال العام أو يتراجع مستواها. ولا يستطيع الشيف أن يأخذ معه نجوم ميشلان إلى مطعم آخر أو أن ينقل النجوم إلى مطعم آخر يملكه. وإذا ترك الشيف المطعم في منتصف العام فسوف تبقى النجوم من نصيب المطعم حتى إذا التحق به شيف آخر، وذلك حتى طباعة الدليل الجديد لنجوم ميشلان حيث يُجرى فيه تقييم المطعم مرة أخرى.
ولا يعلن مفتشو ميشلان عن أنفسهم عند تناول وجبة في مطعم يجري تقييمه، كما يدفعون ثمن وجباتهم مثل أي زبون آخر. ولا يفصح فريق التقييم عن الأسلوب الذي يتبعونه أثناء لتقييم. وتستخدم مؤسسة ميشلان مئات من الموظفين المتفرغين الذين يقومون بتقييم أكثر من 40 ألف مطعم في 32 دولة. وهم غير متحيزين للمطاعم الفرنسية كما يسود الاعتقاد في أوساط المطاعم الإثنية. كما أنهم لا يقيمون فقط المطاعم الفاخرة ذات المفارش البيضاء على المناضد. فهناك أكلات شوارع في هونغ كونغ تدخل ضمن نطاق نجوم ميشلان ومطاعم رخيصة في طوكيو وسنغافورة حققت نجومها على رغم أسعارها الرخيصة. وأدخلت ميشلان في تقييمها المطاعم الرخيصة منذ عام 2016.
وفي حالات الكشف عن هوية أي مفتش من ميشلان للحصول على معلومات تقنية من المطعم، فإنه يتخلى عن تقييم المطعم لموظفين آخرين. وتتم زيارات التقييم كل 18 شهرا تقريبا ولا يمكن لأي مطعم أن يدفع مقابل دخوله إلى دليل ميشلان. كما يمكن لتجربة سيئة في ليلة واحدة خلال العام يكون فيها مفتشو ميشلان يتناولون وجبة في المطعم، أن تحرم المطعم من الحصول على نجوم ميشلان في المستقبل ولفترات طويلة.
وعلى مدير أي مطعم يطمح في الحصول على نجمة ميشلان أن يتعامل مع أي ليلة وكأنها الليلة التي سوف تتم فيها زيارة مفتشين من ميشلان. ويجب على فريق المطعم أن يعمل كفريق واحد للتأكد من أن كل زبون في المطعم ينال حقة في وجبة متميزة واستثنائية.
وفي أوساط الصناعة يقال إن أسهل وسيلة للحصول على نجمة ميشلان هي التدريب تحت إشراف من سبق وحصل عليها. علاوة على ذلك لا بد من الالتزام والمثابرة على إنتاج الأفضل يوميا وتحسين الحرفة إلى أقصى درجة حتى يصبح التميز من السمات الدائمة لأي مطعم.
ويقول من حصلوا على نجوم ميشلان من قبل إن أحد أسرار التميز الاستثمار في تحسين المطعم بما يحققه من أرباح بدلا من إيداعها في البنوك. ويشمل الاستثمار ديكورات المطعم ونوعية الطعام. ومن قاموا بمثل هذا الاستثمار حققوا أرباحا أعلى بعد حصولهم على نجمة أو أكثر من ميشلان.
ويأتي التميز أحيانا عن طريق التخصص. فمن نشأ في مطبخ فرنسي وتعلم أسرار المهنة وفنون المطبخ الفرنسي لا يجب عليه أن يتوسع في افتتاح مطاعم أوروبية تقدم شتى الوجبات من بلدان أخرى. والأفضل هو التخصص في تحسين مجاله وتقديم الأفضل فيه، حيث يكون الاحتراف والتخصص هما سر النجاح.
التألق في إعداد وتقديم الطعام يأتي أيضا من الابتكار، بحيث يكون الشيف في مقدمة توجهات المطاعم وليس تابعا لها. والشيف الناجح هو من يحصل على مكونات من الصعب الحصول عليها وأن تكون له علاقات بالمزارعين المحليين وأصحاب المخابز وصانعي الجبن والجزارين وأن يعمل مع الأفضل بينهم ولا يختصر الطريق باستخدام مكونات جاهزة أو محفوظة أو مجمدة.
في الماضي كان الطباخون الذين يطمحون في الحصول على تقدير ميشلان يذهبون إلى باريس ويشرحون إلى هيئة تحرير دليل ميشلان لماذا يستحق مطعمهم الحصول على نجمة ميشلان. وكانت هذه العادة سائدة حتى الثمانينات من القرن الماضي، ولكنها تكاد تختفي الآن وإن كان البعض يؤكد أنها ما زالت رحلة يمارسها الشيف الطموح.
- نماذج من المطاعم التي حققت 3 نجوم حول العالم
وفقا لآخر دليل من ميشلان للمطاعم الحاصلة على 3 نجوم، هناك 137 مطعما في العالم حصلت على هذا التقدير أكثرها في اليابان بعدد 29 مطعما وتليها فرنسا في المركز الثاني بعدد 27 مطعما. وتضم الدول التي سجلت عشرة مطاعم أو أكثر حاصلة على 3 نجوم من ميشلان كلا من الولايات المتحدة (14) وإيطاليا وإسبانيا (11) وألمانيا وهونغ كونغ (10).
وتوجد في بريطانيا خمسة مطاعم وثلاثة في كل من هولندا وسويسرا ومطعمان في سنغافورة وكوريا الجنوبية والصين ومطعم واحد في كل من النمسا وبلجيكا والدنمارك والنرويج والسويد وتايوان.
المطاعم التالية تقع في الدول التي تضم خمسة مطاعم أو أكثر حاصلة على تقدير 3 نجوم من ميشلان وتم اختيارها على أساس أنها الأقدم حصولا على 3 نجوم مع الاحتفاظ بها لأطول فترة:
- اليابان: مطعم كندا في منطقة ميناتو في طوكيو وهو حاصل على نجومه الثلاث منذ عام 2008 ويديره ويملكه الشيف هيرويوكي كاندا. ويوصف أسلوب كاندا بأنه السهل الممتنع. وهو يتخصص في أنواع السوشي ويجب الحجز المسبق لإيجاد مكان في المطعم. ويقول كاندا إن قائمة الطعام تتنوع حسب المكونات المتاحة والزبائن حيث لا يوجد طعام يصلح لجميع الأذواق. وهو يسعى لكي يسعد كل زبون يدخل مطعمه مهما كانت ميزانيته.
- فرنسا: «لاميسون ترويسغرو» هو أقدم مطعم في فرنسا حاصل على 3 نجوم من ميشلان واحتفظ بها منذ عام 1968. وهو يقع في منطقة أوشيه في وسط فرنسا شمال غربي مدينة ليون. ويدير المطعم حاليا جيل الأحفاد في عائلة ترويسغرو. وهو من أشهر معالم المدينة في موقعه الذي كان المعجبون في الماضي يصفونه بأنه يواجه محطة القطار. أما الآن فإن أهل البلدة يقولون إن محطة القطار تواجه مطعم ترويسغرو.
- الولايات المتحدة: «لوبرناردين» هو مطعم فرنسي للمأكولات البحرية يقع في حي مانهاتن في نيويورك وحاصل على 3 نجوم من ميشلان منذ عام 2006. وبدأ المطعم من أخوين فرنسيين في باريس في عام 1972 ثم انتقلا به إلى نيويورك في عام 1986 بعد حصولهما على نجمة ميشلان الثالثة.
- إيطاليا: يقع مطعم «إينوتيكا بينشيوري» في مدينة فلورانس وهو حاصل على ثلاث نجوم من ميشلان منذ عام 1993، وهو مطعم حاصل على الموقع 32 بين أفضل مطاعم العالم.
- إسبانيا: يعد مطعم «أرزاق» في مدينة سان سباستيان في منطقة الباسك شمال إسبانيا من أشهر المطاعم الإسبانية. وهو حاصل على 3 نجوم من ميشلان منذ عام 1989. ويدير المطعم خوان وإيلينا أرزاق وهو يتميز بأنواع من أكلات الباسك الحديثة.
- ألمانيا: كان مطعم «شوارتزولستوبه» يقع في مدينة بيرزبرون في إقليم الغابة السوداء جنوب ألمانيا. وحقق المطعم 3 نجوم من ميشلان منذ عام 1993 وكان يديره الشيف تورستن مايكل. وتعرض المطعم لحريق مدمر يوم 5 يناير (كانون الثاني) 2020 ولذلك فلم يعد له وجود في الوقت الحاضر.
- هونغ كونغ: حصل مطعم «لنغ كنغ هين» في هونغ كونغ على 3 نجوم من ميشلان في عام 2009، ويدير المطعم الشيف تشان يان تاك. وهو يتخصص في المأكولات الكانتونية الصينية ويقع في فندق فورسيزونز في المدينة.
- بريطانيا: حصل مطعم «ذا ووترسايد إن» الذي يقع في مدينة براي بمقاطعة باركشير على نجوم ميشلان الثلاث في عام 1985، وأسسه الأخوان ميشال وألبير رو، ويديره الآن ألين رو من الجيل الثاني. وفي عام 2010 أصبح «ووترسايد إن» أول مطعم خارج فرنسا يحتفظ بنجوم ميشلان لمدة 25 عاما متواصلة.


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
يوميات الشرق الرجل كان يتناول أدوية لا تستلزم وصفة طبية لعلاج السعال... لكنه لم يلحظ أي تحسن (رويترز)

ليس سرطاناً... سبب غريب وراء إصابة صيني بسعال مستمر لعامين

شعر رجل في الصين، كان يعاني سعالاً مستمراً منذ عامين، بالارتياح عندما اكتشف أن السبب لم يكن إصابته بالسرطان، بل قطعة من الفلفل الحار استقرت في رئته.

«الشرق الأوسط» (بكين)
مذاقات صورة لطاجين اللحم بالبرقوق المشهور في المغرب من بكسباي

المطبخ المغربي... يتوج بلقب أفضل مطبخ في العالم

فاز المطبخ المغربي على المطبخ المكسيكي في نهائي مسابقة للطبخ، بعد جمع ما يقارب 2.5 مليون صوت طوال المنافسة.

كوثر وكيل (لندن)
أوروبا طبق من الدجاج (رويترز)

روسيا تقدم طبق «دجاج كييف» في عشاء بالأمم المتحدة

انتقدت أوكرانيا روسيا لتقديمها طبق «دجاج كييف» في حفل عشاء لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
صحتك فيتامين «إيه» ضروري في الصيف لأنه يساعد على ترميم الجلد بعد التعرض لأشعة الشمس (رويترز)

بين الفيتامينات المهمة والمأكولات الضارة... ماذا تحتاج أجسامنا خلال الصيف؟

فيما يلي أبرز الفيتامينات التي يجب عليك بدء تناولها إذا كنت تعيش في أماكن ذات درجات حرارة مرتفعة، وأيضاً أطعمة عليك تجنبها:

تمارا جمال الدين (بيروت)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
TT

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات، في حين عُرف بالاعتماد على مذاق المكونات الأساسية، مع لمسة محدودة لم تتخطَّ صنفين أو ثلاثة من التوابل.

غير أن الوضع تبدّل الآن، وباتت الأكلات المصرية غارقة في توليفات التوابل، فدخل السماق والزعتر البري والكاري والبابريكا على الوصفات التقليدية. وعلى مدار سنوات عدة قريبة تطوّر المطبخ المصري، وبات أكثر زخماً من حيث النكهات، ليطرح السؤال عن مدى تأثره أو تأثيره في الجاليات التي توجد بالبلاد.

ويرى خبراء الطهي، أن معادلة التوابل لدى المصريين اختلفت بفضل الاندماج الثقافي وتأثير الجاليات العربية التي دفعتهم ظروف الحروب لدخول مصر والاستقرار بها، أيضاً منصات التواصل الاجتماعي التي أزاحت الحدود، ودفعت بمفهوم «المطبخ العالمي»، فنتج خليط من النكهات والثقافات استقبلته المائدة المصرية بانفتاح.

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

ورأت الطاهية المصرية أسماء فوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ المصري الآن «بات مزيجاً من ثقافات عربية»، وقالت: «عندما بدأت أتعلَّم الطهي من والدتي وجدتي، كانت توليفة التوابل الأشهر تشمل الملح والفلفل، وفي وصفات شديدة الخصوصية قد نستعين بالكمون والحبّهان على أقصى تقدير، أما الكزبرة المجففة فكانت حاضرة في طبق (الملوخية) فقط».

لكنها أشارت إلى أنه قبل سنوات معدودة لاحظت تغييراً واضحاً في تعاطي المطبخ المصري التوابل، و«بدأتُ للمرة الأولى أستعين بنكهات من شتى بقاع الأرض لتقديم مطبخ عصري منفتح على الآخر».

التوابل والأعشاب المصرية مرت برحلة مثيرة عبر قرون من التاريخ والثقافة، واشتهر المطبخ المصري قديماً بمجموعة من الكنوز العطرية، تشمل الكمون بنكهته العميقة التي ارتبطت بطبق «الكشري»، والكزبرة، تلك الأوراق الخضراء المجففة التي تضيف لطبق «الملوخية» نكهته الفريدة، كما عرف الشبت ذو النكهة العشبية المميزة الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بوصفات التمليح (التخليل) والسلطات.

يتفق محمود عادل، بائع بأحد محال التوابل الشهيرة في مصر، يسمى «حاج عرفة»، مع القول بأن المطبخ المصري تحوّل من محدودية النكهات إلى الزخم والانفتاح، ويقول: «المصريون باتوا يميلون إلى إضافة النكهات، وأصبح أنواع مثل السماق، والأوريجانو، والبابريكا، والكاري، والكركم، وورق الغار، وجوزة الطيب والزعتر البري، مطالب متكررة للزبائن». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة انفتاح على المطابخ العالمية بسبب منصات التواصل الاجتماعي انعكس على سوق التوابل، وهو ما يعتبره (اتجاهاً إيجابياً)».

ويرى عادل أن «متجر التوابل الآن أصبح أكثر تنوعاً، وطلبات الزبائن تخطت الحدود المعروفة، وظهرت وصفات تعكس الاندماج بين المطابخ، مثل الهندي الذي تسبب في رواج الكركم وأنواع المساحيق الحارة، فضلاً عن الزعفران»، منوهاً كذلك إلى المطبخ السوري، أو الشامي عموماً، الذي حضر على المائدة المصرية بوصفات اعتمدت نكهات الزعتر والسماق ودبس الرمان، ووضعت ورق الغار في أطباق غير معتادة.

وتعتقد الطاهية أسماء فوزي، أن سبب زخم التوابل وتنوعها الآن في مصر، يرجع إلى «الجاليات العربية التي دخلت البلاد عقب (ثورة) 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي قبل أكثر من عقد». وتقول: «بصمة المطبخ السوري بمصر كانت واضحة، فالجالية السورية اندمجت سريعاً، وقدمت مهارات الطهي من خلال المطاعم و(المدونين)، وانعكس ذلك على اختيارات التوابل، وبات ملاحظاً إضافة توليفات التوابل السوري، مثل السبع بهارات لوصفات مصرية تقليدية».

بهارات متنوعة (صفحة محال رجب العطار على «فيسبوك»)

كما أشارت إلى أن «المطبخ العراقي ظهر، ولكن على نحو محدود، وكذلك الليبي»، وتقول: «ما أتوقعه قريباً هو رواج التوابل السودانية، مع تزايد أعدادهم في مصر بعد الحرب، لا سيما أن المطبخ السوداني يشتهر بالتوابل والنكهات».

انفتاح أم أزمة هوية؟

كلما انعكست مظاهر الانفتاح الثقافي على المطبخ المصري، ازدادت معه مخاوف الهوية، وفي هذا الصدد تقول سميرة عبد القادر، باحثة في التراث المصري، ومؤسسة مبادرة «توثيق المطبخ المصري»: «إنه (المطبخ المصري) لم يعتمد في أصوله على النكهات المُعززة بالتوابل المختلطة»، وترى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تفرّد المطبخ المصري القديم يرجع إلى اعتداله في إضافة التوابل... «هذا لا يعني إهماله لسحر مذاق البهارات والتوابل، غير أنه كانت له معادلة شديدة الدقة، كما أن علاقة المصري بالتوابل ذهبت قديماً إلى ما هو أبعد من فنون الطهي».

وأرجعت الباحثة في التراث المصري زيادة الاهتمام بالتوابل إلى (المؤثرين) وطُهاة «السوشيال ميديا»، وتقول: «المطبخ المصري لا يعتمد على التوابل بهذا القدر، في حين هناك عوامل كانت وراء هذا الزخم، أهمها (المؤثرون) و(مدونو) الطعام؛ غير أن إضافة التوابل بهذا الشكل ربما تُفقد المطبخ المصري هويته».

ولفتت إلى أن «المطبخ المصري القديم اعتمد على الملح والفلفل والكمون فقط، أما بقية التوابل فكانت تستخدم لأغراض مثل العلاج والتحنيط؛ وفي العصور الوسطى شهد بعض الاندماج بعد فتح قنوات التواصل مع الدول المحيطة، ولكن على نحو محدود لا يُقارن بالزخم الحالي».