مبارك المهدي لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل ستمنح السودان شهادة براءة من الإرهاب

نائب رئيس الوزراء الأسبق قال إن المقاطعة أصبحت بلا معنى في عالم تغيّرت موازينه

مبارك الفاضل المهدي
مبارك الفاضل المهدي
TT
20

مبارك المهدي لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل ستمنح السودان شهادة براءة من الإرهاب

مبارك الفاضل المهدي
مبارك الفاضل المهدي

لا حديث يعلو في الخرطوم، هذه الأيام، على موضوع «التطبيع مع إسرائيل»، فمنذ أن فجر رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، «قنبلة التطبيع» في الثالث من الشهر الحالي، انقسم الشارع السوداني بين مؤيد ومعارض للخطوة، وإن كان يبدو أن مناصري الخطوة أكثرية واضحة، من بينهم نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق مبارك الفاضل المهدي، الذي وصف الاعتراض على الخطوة بأنه «غير موضوعي»، مستنداً في ذلك إلى أن الفلسطينيين أنفسهم «طبعوا» علاقتهم مع الإسرائيليين منذ «اتفاقية أوسلو»، في الوقت الذي يحتاج فيه السودان إلى ما سماه «شهادة براءة» من تهمة الإرهاب؛ تستطيع إسرائيل أن تقدمها له على طبق من ذهب.
وقال المهدي، الذي يرأس حزب الأمة للإصلاح، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أمس، إن أصحاب القضية «طبعوا مع إسرائيل بتوقيع اتفاقية أوسلو»، وتعني القبول بإسرائيل والتعايش مع الإسرائيليين في دولة واحدة، بما فيهم السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وقبلوا الحكم الذاتي ودخلوا في انتخابات رئاسية وبلدية، ويعيشون الآن «في الضفة الغربية وفي غزة». وتأكيداً لوجهة نظره بشأن تطبيع الفلسطينيين، يقول المهدي: «الفلسطينيون يتعاملون مع إسرائيل في الكهرباء والجمارك، فيما يعمل شعب فلسطين في إسرائيل، ولم يتبق لهم إلا الوضع الرسمي للدولة، فقد أصبح التطبيع كاملاً».
وأرجع المهدي تاريخ بداية عمليات التطبيع لاتفاقية «كامب ديفيد»، ووصفها بأنها كانت «نهاية للحل العسكري»، لأن مصر أدركت أنها لا تملك الموارد التي تجعلها تدخل في سباق تسلح وصراع مستمر، وتابع: «بعد أن استردت مصر كرامتها في حرب 1973، استعادت بتوقيع (كامب ديفيد) أراضيها، وطبعت العلاقات، ورفعت العلم الإسرائيلي في القاهرة، ثم تبعتها كثير من الدول العربية (الأردن، عمان، قطر)، وأصبحت لها ممثليات هناك». ويستدرك المهدي، الذي يجاهر منذ سنوات بالدعوة إلى التطبيع، بأن «المستوى العربي العام» لم يحدث فيه «تطبيع»، لأنه ما زال يخضع للدعاية الإعلامية التي تسير في الاتجاه القديم، ولم تتغير بتغير الواقع، ويتابع: «ثم جاءت اتفاقية أوسلو التي عززت القناعة بأن من لا يملك القوة اللازمة لن يستطيع مواصلة الصراع، وأدرك الجميع أن الحل أصبح سياسياً عبر الحوار».
وحسب المهدي، فإن الانتفاضة السلمية في الضفة الغربية (ثورة الحجارة) عضدت الحل السياسي، واضطرت إسرائيل إلى اللجوء إلى الحل السياسي. وقال: «كانت الانتفاضة السلمية أمضى من أي عمل مسلح؛ أثرت على اقتصاد إسرائيل، واستقرارها، وعجزت عن مقاومتها مقاومة سلمية، وخلقت تعاطفاً عالمياً مع القضية الفلسطينية، وغيرت النظر إليها، لذا اقترحت إسرائيل، (أوسلو)، وتم توقيعها، وبموجبها عاد الفلسطينيون، بما فيهم ياسر عرفات، إلى الضفة الغربية ورام الله وغزة، ونظموا انتخابات الحكم الذاتي التي شاركت فيها كل الفصائل، بما فيها حركة (حماس)».
ووصف المهدي أحاديث استمرار المقاطعة بأنها «أصبحت بلا معنى»، فالعالم يتغير، وموازين القوى تتغير، وصار في إسرائيل نواب عرب، عددهم 13 نائباً في الكنيست، وتحول الصراع إلى سياسي سلمي وصراع حضاري وثقافي، وليس صراع مواجهة ومقاطعات.
ويحمّل الرجل سياسة «الرفض العربي»، المسؤولية عن تراجع مكاسب العرب، قائلاً «سياسة الرفض العربي أتت بنتائج عكسية، فقد رفضوا تقسيم 1948، ثم رفضوا حدود 1967، والآن يطالبون بدول بحدود أقل بكثير»، ويتابع: «سياسة +الرفض العاطفية تجاهلت توازن القوى والأوضاع العالمية والإقليمية، ولم تنظر للممكن وغير الممكن».
ودعا المسؤول السابق في نظام البشير، إلى الاعتبار بتجربة الماضي، والاستناد إليها في التعامل مع الواقع الذي يقود إلى سياسة التطبيع وبناء الثقة، باعتبارها الخيار الوحيد الذي يمكن أن يفيد القضية، ويتابع: «اتفق الطرفان على العيش، والآن يعيشون مع بعضهم البعض، وأصبح الوجود العربي كبيراً في إسرائيل».

- مصالح اقتصادية
يرى المهدي أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإعادة بناء الثقة معها، خلق مصالح اقتصادية كبيرة لإسرائيل مع العالم العربي، لكونه سوقاً كبيرة، تحتاجها التقانة الإسرائيلية المتطورة. وقال «السودان والعالم العربي بحاجة للتقانة الإسرائيلية المتطورة، وحال وجدت إسرائيل مصالحها مع العرب، سيقوى دافعها لتقديم تنازلات إضافية للفلسطينيين، ليصبحوا جزءاً من الدولة، وستقوم بمعالجة مشكلة اللاجئين و(مشكلة القدس)، التي هي ليست فلسطينية بقدر ما هي قضية إسلامية كانت تحت الإدارة الأردنية».
وبشأن تطبيع السودان لعلاقاته مع إسرائيل، يوضح المهدي أن وضع البلاد الاقتصادي، خصوصاً قطاعه الزراعي، يعيش حالة تخلف شديدة جداً، ويتابع: «رغم امتلاك السودان 200 مليون فدان صالحة للزراعة، لكنه يزرع منها حوالي 45 مليون فدان، بإنتاجية ضعيفة وتكلفة عالية بسبب التخلف التكنولوجي»، ويستطرد: «عائد فدان محصول السمسم مثلاً لا يتعدى 100 كيلو غرام، بينما ينتج الفدان في دول ذات تقانة زراعية متطورة، مثل تركيا، 1700 كيلو غرام».
ويوضح أن دراسة وضع الصادرات السودانية، وعجز الميزان التجاري، يكشف حاجة السودان لحوالي 3 - 4 مليارات دولار للتقانة الزراعية على مدى 3 سنوات، لسد الفجوة وتحقيق عائد صادر قدره 10 مليارات؛ «واردات السودان الآن في حدود 11 مليار دولار، وبالتعاون مع إسرائيل في التقانة الزراعية، التي ساعدت مصر، وطورت إنتاجها من الفاكهة والخضر، يمكن أن يحقق السودان هذا الهدف». ويشير مبارك المهدي إلى حاجة السودان للطاقة والبنى التحتية والتقانة الزراعية، ويقول: «معظم الأراضي لا توجد بها ماء، ولا كهرباء، ولا طرق، ما يجعلنا في أمس الحاجة للتقانة الإسرائيلية».
ويوضح نائب رئيس الوزراء الأسبق، أن وحدة السودان القومية لم تكتمل بسبب نظام البشير و«الإخوان»، الذي أعاد البلاد إلى «القبيلة والإثنية»، ويقول: «حكومة (الإخوان) أعادت السودان من الحزب إلى مستوى القبيلة والإثنية، لأنهم بلا قاعدة شعبية، فاشتغلوا بسياسة فرق تسد، وأعادونا للقبلية والإثنية». ويرى أن شن النظام المعزول للحرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وقبل ذلك جنوب السودان، وحولها من حرب سياسية إلى حرب دينية، بتحالفه مع إيران ودعمه لحركات الإرهاب، وحركات النضال المسلح الفلسطيني، ورفض «أوسلو»، ودخل مع «الجهاد» و«حماس» ومختلف الفصائل في تهريب السلاح إلى فلسطين من إيران وسوريا.

- غارت إسرائيلية على السودان
وحسب المهدي، فإن ما قام به نظام البشير تسبب في تأليب «اللوبيات المسيحية واليهودية»، ونتج عن ذلك توجيه إسرائيل لثلاث «غارات جوية» على السودان، لأنه كان في حالة مواجهة مع إسرائيل، وائتلف اللوبي المسيحي واليهودي ضده في أميركا، وطُبق عليه طيف من العقوبات، لأنه اختار طريق المواجهة، يقول: «قادة التمرد الجنوبي مثل جوزيف لاقو تدربوا في إسرائيل، وكانوا يتلقون المعونات العسكرية منها، لأنها قصدت اللعب على تناقضات واقع السودان بالدخول عليه من الباب الخلفي، للحيلولة دون استقراره واستقرار مصر»، وتابع: «لقد دفعنا ثمناً كبيراً من أجل المواقف الرافضة، وهي أغلبها كانت مواقف عاطفية، ولم نراع مصالحنا». ويشير المهدي إلى أن التطبيع بين السودان وإسرائيل في مرحلته الأولى يمكن أن يقدم للسودان «شهادة براءة من الإرهاب»، ويقول: «إسرائيل دولة مهمة في إصدار هذه الشهادة، اشتغلنا ضدها مع إيران، وقمنا بعمل محسوس ضد الأمن الإسرائيلي بتهريب الأسلحة وتدريب، وبالتعاون مع إيران وسوريا وغيرهما بصورة كبيرة جداً».
ويوضح أن اللوبي اليهودي هو الجهة الأكبر التي تعمل ضد السودان، ويعمل معه اللوبي المسيحي الذي ألبته قضية الحرب الدينية في جنوب السودان، ويتابع: «ائتلف اللوبيان ضدنا في قضية دعم الإرهاب واضطهاد المسيحيين والحرب الدينية، لذلك نحن بحاجة لشهادة البراءة هذه من إسرائيل، ولتشهد لنا في أميركا بأننا تجاوزنا هذه المرحلة، ودليلها أننا قبلنا الخروج من حالة الحرب معها وطبعنا العلاقات معها، وجلسنا معهم وقررنا تطبيع العلاقة والخروج من حالة المواجهة، لأن التركيبة الأميركية يؤثر فيها اليهود، بما ذلك صناع القرار في الكونغرس والرئاسة والإدارة».
ويوضح المهدي أن السودان قدم في هذه المرحلة «السبت بانتظار الأحد»، يقول: «سننتظر ماذا سيفعلون لنا فيما يتعلق برفع العقوبات، لأن أميركا هي التي رتبت اللقاء، وبالتالي هي شاهد على أننا سوينا هذه القضية»، ويستطرد: «هذه الخطوة الأولى، فإذا تجاوزنا هذه الخطوة، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ستتاح لنا كل الفرص في عملية التطبيع بما يتعلق بالتعاون التقني والاقتصادي».

- مفاوضات مع غندور
ويحصر المهدي أهداف إسرائيل من التطبيع مع السودان، بأنها تريد توسيع دائرة التطبيع مع العالم العربي، لأن السودان دولة مهمة في أفريقيا، ويربط الشرق الأوسط مع أفريقيا، ويملك موارد كثيرة، وحال استقراره وعودته للأسرة الدولية، يمكن لإسرائيل أن توظف ميزاتها التكنولوجية بالاستثمار في السودان، ويقول: «فقط عبور الطيران الإسرائيلي عبر أجواء السودان يوفر 3 - 4 ساعات طيران إلى غرب أفريقيا وأميركا اللاتينية»، ويتابع: «فوائد إسرائيل من السودان كثيرة جداً، لأن أفريقيا هي السوق الوحيدة المتبقية، والعالم يتصارع عليها والسودان مدخلها».
ويتابع: «كانت صادرات السودان لإسرائيل في خمسينات القرن الماضي تقدر بالملايين، كانت كثير من الشركات السودانية تصدر لإسرائيل، مع وجود جالية يهودية كبيرة تعمل في التصدير مع إسرائيل».
وتعليقاً على ما أوردته صحف إسرائيلية، بأن المهدي ووزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور التقيا سراً، مسؤولين إسرائيليين، قال المهدي: «هذا كلام غير صحيح لم أقابل أي إسرائيلي، ولم أكن جزءاً من هذه الملفات»، ويتابع: «عادة مثل هذه الملفات لم تكن توكل لنا نحن، لأننا نعتبر منافسين، بل توكل للمقربين من البشير»، ويضيف: «حين قابل مدير جهاز الأمن الأسبق محمد العطا، مسؤولين إسرائيليين في مسقط عام 2018، تلقيت معلومات من جهة غربية، وحين حاولت التأكد منها وجدت أن النائب الأول في ذلك الوقت بكري حسن صالح، لا يعلم بالموضوع»، ويستطرد: «تتم مثل هذه الأمور بين الرئيس البشير وجهاز الأمن فقط، وحتى وزير الخارجية إبراهيم غندور لم يُشرك في الأمر إلا بعد اشتداد طوق عزلة النظام، فقاد مفاوضات مع الإسرائيليين»، ويضيف: «حسبما علمتُ، البشير نفسه كان يريد أن يقابل المسؤولين الإسرائيليين، لكن هناك من نصح رئيس الوزراء نتنياهو بعدم مقابلته لأنه متهم بجرائم حرب وإبادة».
وقال المهدي إن مفاوضات غندور مع الإسرائيليين كانت تدور حول وقف دعمهم للحركات المسلحة في غزة، ووقف تسليحها، فأبدى النظام عدم ممانعتهم في وقف دعم الحركات مقابل رفع العقوبات.
ويوضح المسؤول السابق أن التطبيع لا يواجه معارضة تذكر في السودان، يقول: «عدا بعض المتطرفين، الذين يرددون شعارات جوفاء بشأن القدس، والذين لو قلت لهم اذهبوا وحاربوا لما ذهبوا»، ويضيف: «هم يرددون شعارات لا تفيد، السودانيون الآن أصبحوا مع التطبيع لأنهم يريدون التأسيس لمستقبلهم، وما عادت الآيديولوجيات تثير اهتمامهم، كما كانت في الماضي»، ويستطرد: «الرئيس جمال عبد الناصر لعب على وتر القضية الفلسطينية، وفي عهده خسر العرب كثيراً، إلى أن جاء السادات فأدرك فداحة الخطأ، وقام بالتطبيع مع إسرائيل ودفع الثمن».



القمع الحوثي يزداد ضراوة بالتوازي مع تصاعد الحملة الأميركية

زعيم الحوثيين يحشد أسبوعياً أتباعه في مسعى لاستعراض التأييد لتصعيد الجماعة العسكري (أ.ب)
زعيم الحوثيين يحشد أسبوعياً أتباعه في مسعى لاستعراض التأييد لتصعيد الجماعة العسكري (أ.ب)
TT
20

القمع الحوثي يزداد ضراوة بالتوازي مع تصاعد الحملة الأميركية

زعيم الحوثيين يحشد أسبوعياً أتباعه في مسعى لاستعراض التأييد لتصعيد الجماعة العسكري (أ.ب)
زعيم الحوثيين يحشد أسبوعياً أتباعه في مسعى لاستعراض التأييد لتصعيد الجماعة العسكري (أ.ب)

فيما اعترف زعيم الجماعة الحوثية في اليمن بتلقي 1200 غارة جوية وقصف بحري خلال 6 أسابيع من الحملة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، كثفت الجماعة من أعمال القمع ضد السكان بتهم التخابر مع واشنطن لا سيما في صنعاء وصعدة والحديدة، وفق ما وثقته تقارير حقوقية يمنية.

وفي حين اعترف مسؤولون أميركيون بإسقاط الجماعة سبع مسيّرات خلال ستة أسابيع تبلغ قيمتها نحو 200 مليون دولار، تواصلت الحملة الجوية في ختام أسبوعها السادس مستهدفة مواقع مفترضة للجماعة المدعومة من إيران في صنعاء وعمران والحديدة ومأرب.

وكان ترمب أمر ببدء حملة ضد الحوثيين المدعومين من إيران في 15 مارس (آذار) وتوعدهم بـ«القوة المميتة» في سياق سعيه لإرغامهم على التوقف عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، والكف عن مهاجمة إسرائيل تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

وبحسب إعلام الجماعة، استهدفت الضربات ليل الخميس - فجر الجمعة، محافظات الحديدة وصنعاء ومأرب وعمران، دون التطرق إلى حجم الخسائر العسكرية، على مستوى العتاد والعناصر، ضمن سياسة التعتيم التي تنتهجها الجماعة للحفاظ على معنويات أتباعها.

مقاتلة تقلع من حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
مقاتلة تقلع من حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

وذكر الإعلام الحوثي أن سلسلة غارات لم يذكر عددها ضربت جزيرة كمران، في حين استهدفت غارة واحدة مديرية الصليف التابعة لمحافظة الحديدة.

كما استهدفت غارتان مديرية بني حشيش شرقي صنعاء وغارات أخرى مواقع في مديريتي مناخة والحميمة الداخلية في الريف الغربي صنعاء؛ إذ يعتقد أنها دمرت شبكات اتصال وغرف قيادة وسيطرة ومستودعات أسلحة.

وامتدت الضربات إلى مديرية حرف سفيان في محافظة عمران (شمال صنعاء) وصولاً إلى اعتراف الجماعة بتلقي أربع غارات في مديرية مدغل شمالي غرب مأرب، حيث يرجح أنها استهدفت ثكنات وقدرات عسكرية.

1200 ضربة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، أقر بتلقي 1200 غارة جوية وقصف بحري، زاعماً أنها لم تؤثر على قدرات جماعته العسكرية.

وتدعي الجماعة أنها مستعدة لمواجهة «طويلة الأمد» مع واشنطن، فيما يرجح مراقبون يمنيون أنها تعرضت لخسائر كبيرة على صعيد العتاد والعناصر خلال الأسابيع الستة الماضية، بما في ذلك خطوطها الأمامية مع القوات الحكومية في مأرب والحديدة والجوف.

دخان يتصاعد في صنعاء إثر ضربة أميركية على موقع مفترض للحوثيين (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد في صنعاء إثر ضربة أميركية على موقع مفترض للحوثيين (إ.ب.أ)

وكانت أشد الضربات قسوة هي التي دمرت قبل أكثر من أسبوع ميناء رأس عيسى النفطي شمال الحديدة، ضمن سعي واشنطن لتجفيف موارد الجماعة من استيراد الوقود وبيعه في مناطق سيطرتها.

وتحدث الحوثيون عن مقتل أكثر من 215 شخصاً وإصابة أكثر من 400 آخرين من المدنيين منذ منتصف مارس الماضي، وزعم القطاع الصحي التابع لهم أن من بين القتلى نساء وأطفالاً، فيما لم يتم التحقق من هذه المعلومات من مصادر مستقلة.

وكانت الجماعة تلقت نحو ألف غارة وضربة جوية في عهد الرئيس جو بايدن بين 12 يناير (كانون الثاني) 2024، و20 يناير 2025، قبل أن تتوقف على إثر هدنة غزة المنهارة بين إسرائيل وحركة «حماس».

وفي حين تصدر الجماعة بيانات شبه يومية تزعم فيها مهاجمة القوات الأميركية في البحر الأحمر والبحر العربي، أطلقت 14 صاروخاً باليستياً باتجاه إسرائيل منذ 17 مارس الماضي، دون التسبب في أي إصابات مؤثرة، إلى جانب تبني إطلاق عدد المسيرات خلال المدة نفسها.

مسيرة أميركية ادعى الحوثيون إسقاطها العام الماضي (إعلام حوثي)
مسيرة أميركية ادعى الحوثيون إسقاطها العام الماضي (إعلام حوثي)

وإلى ذلك، أسقط الحوثيون سبع طائرات مسيّرة أميركية من طراز «ريبر»، بقيمة تتجاوز 200 مليون دولار، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس» عن مسؤولين عسكريين أميركيين، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.

وأشار المسؤولون إلى أن ثلاثاً من هذه الطائرات تم إسقاطها خلال أسبوع واحد، في تطور لافت لقدرات الحوثيين في التعامل مع المسيرات، التي كانت تنفذ طلعات هجومية ومهام مراقبة فوق الأراضي اليمنية.

تصاعد الانتهاكات

في ظل تصاعد الحملة الأميركية، كثفت الجماعة من أعمال القمع ضد المدنيين في مناطق سيطرتها بتهمة العمل لصالح الجيش الأميركي.

وبحسب تقرير للشبكة اليمنية للحقوق والحريات، داهمت الجماعة 532 منزلاً ومحلاً تجارياً في محافظات صعدة، وصنعاء، والحديدة، وإب، وذمار، واعتقلت واختطفت نحو 212 شخصاً خلال 20 يوماً.

عنصر حوثي خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (إ.ب.أ)
عنصر حوثي خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وأوضحت الشبكة الحقوقية أنه منذ مطلع أبريل (نيسان) وحتى العشرين من الشهر ذاته، شن الحوثيون حملة مداهمات واسعة طالت منازل المواطنين والبسطات والمحلات التجارية في عدد من المحافظات اليمنية بتهم التخابر وإرسال إحداثيات مواقعها للجيش الأميركي.

وأكدت الشبكة تلقي بلاغات من مناطق سيطرة الحوثيين، أفادت بمصادرة الأجهزة التي تصدر إشارات، وبحظر استخدام بعض التطبيقات الذكية، وسحب كاميرات المراقبة من الشوارع، إضافة إلى العودة لاستخدام أجهزة اتصالات قديمة حصلت عليها الجماعة من إيران عام 2014، وذلك خوفاً من تكرار سيناريو «البيجر» في لبنان.

وكثفت الجماعة - بحسب التقرير - من مراقبة الاتصالات والتجسس على قيادات قبلية وسياسية، بما في ذلك المتحالفة معها، خشية من الانشقاقات أو تسريب المعلومات للخصوم. كما فرضت رقابة مشددة على القيادات المجتمعية، وبدأت باستفزاز قبائل غير موالية، خصوصاً في البيضاء ومحيط صنعاء، بهدف إيجاد ذرائع للهجوم عليها لاحقاً.

الجماعة الحوثية متهمة بشن حملة اعتقالات واسعة بذريعة ملاحقة المتعاونين مع الجيش الأميركي (إ.ب.أ)
الجماعة الحوثية متهمة بشن حملة اعتقالات واسعة بذريعة ملاحقة المتعاونين مع الجيش الأميركي (إ.ب.أ)

واتهم التقرير الحقوقي الحوثيين بنقل عدد من المختطفين والسجناء إلى أماكن تستخدم لتخزين الأسلحة، في محاولة لاستخدامهم دروعاً بشرية، وهي - بحسب الشبكة - «جريمة إنسانية لا تسقط بالتقادم، وتعكس مدى الرعب والارتباك الذي تعيشه الجماعة مع قرب نهاية مشروعها».

وحمّلت الشبكة الحقوقية الحوثيين، المسؤولية القانونية والأخلاقية إزاء ما يتعرض له المختطفون من تعذيب واستخدامهم دروعاً بشرية، داعية إلى اتخاذ إجراءات فورية وجادة لحماية اليمنيين من إرهاب الجماعة.

ويربط الحوثيون توقف هجماتهم بإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإدخال المساعدات، في حين لا يوجد سقف زمني واضح حتى الآن لنهاية حملة ترمب، وسط تكهنات لا تستبعد دعم واشنطن حملة برية تقودها القوات الحكومية اليمنية لإنهاء نفوذ الجماعة العسكري.